“ناقوس الخطر” يقرعه المتخصصون في الطب النفسي بمملكة البحرين باستمرار محذرين من حالات الاكتئاب وما يتصل بها من سلوكيات المزاج المضطرب، حتى أن مجموعة من المتخصصين أجروا دراسة حديثة حول أنماط الأمراض النفسية المنتشرة في المجتمع البحريني أشارت نتائجها إلى أن 62 في المئة من المتزوجين يعانون من أمراض نفسية فيما تبلغ نسبة العزاب 27 في المئة والمطلقين 7 في المئة، أما حالات الاكتئاب بين العينة المستهدفة وعددها 320 مشاركًا فقد وجدت أن مرض الاكتئاب يبلغ نسبة 33.4 في المئة، ثم أمراض القلق والتوتر بنسبة 19.9 في المئة أما الأمراض التي تعرف بالـ(ذهانية) ومنها الهلوسة والاضطراب السمعي والبصري فبلغت نسبتها 14.8 في المئة.
تلك الدراسة التي أجراها فريق من المتخصصين الاستشاريين في مستشفى الطب النفسي (الدكتور أحمد الغريب – الدكتور مازن خليل – الدكتور هيثم جهرمي)، تعتبر من الدراسات المهمة لأنها درست الفئة العمرية من 18 إلى 65 سنة، لأنها كشفت وجود عوامل خطورة تضاعف من احتمال الإصابة بالأمراض النفسية، علاوةً على أن كل ما حوته الدراسة وحذرت منه هو من صميم اهتمامات المتخصصين في الطب النفسي في البحرين، وهذا ما أكدته الاختصاصية النفسية بمركز الشرق الأوسط الدكتورة فاطمة خليل النزر التي شددت على نصيحة ذهبية لكل المصابين بالاكتئاب والأمراض النفسية بقولها اختصارًا :”لا تفقدوا الأمل.. تعالجوا.. يدنا ممدودة لكم فلتعيشوا حياتكم براحة واستقرار”.
بعض الحالات تصل للانتحار!
وتعتقد د.النزر أن أمراض تعكر المزاج والاكتئاب، تقسم على أنها مرضية أو سلوكية في وضعها العمومي، فإن كانت مرضية، يلزم العلاج برنامجًا متكاملًا يضع في الاعتبار ما إذا كانت الحالة مزمنة أم متفرقة دورية، فالاكتئاب المزمن يحتاج إلى العلاج بالأدوية المناسبة بدرجة أعلى من العلاج النفسي والسلوكي، وكلما كانت الحالة شديدة كلما كانت الحاجة إلى العلاج الدوائي مهمًا ذلك أن بعض الحالات توصل أصحابها إلى حد الانتحار، ففي هذه الحالة يكون السبب في الدماغ ولابد من إعادة ضبط الحالة باستخدام الأدوية والعقاقير.
أما بالنسبة للأشخاص الذين تكون طبيعة شخصيتهم متقلبة بين التفاؤل والاكتئاب، فإن هذه المزاجية مضرة لهم جدًا وتؤثر على حياتهم وعلاقاتهم مع أسرهم ومحيطهم وعملهم، ولا شك في أنها تتطلب علاجًا فليس كل الناس على استعداد لتحمل الشخص المزاجي المتقلب فتجده تارةً لا يحب العمل وتارةً يشعر بالإحباط وحينًا يتعامل مع الناس بأسلوب طيب وحينًا يكون صعبًا ومستعصيًا، وهذه الحالة قد تصيب مختلف الأعمار، وهي تختلف لدى أشد الحالات المصابة بالغرور مثلًا، لذلك، نشخص الحالة لنعرف ما إذا كانت أسبابها مزاجية، أم بسبب الاضطرابات أم أنها مرتبطة بشخصية المريض، والحالة المرضية تعالج بالأدوية، لكن الاضطرابات والدوافع الشخصية فتتطلب علاجاً نفسياً وتدريباً في جلسات على أيدي المتخصصين لتحقيق التغير السلوكي نحو الأفضل، فليس صحيحًا أن نجعل الناس تتأقلم مع تلك الحالات، بل المصاب يتوجب عليه أن يتأقلم مع الناس.
علاج بفريق متكامل
وكما هو متبع طبياًّ، فإن علاج هؤلاء المرضى يتم عن طريق فريق متكامل من الطبيب الاستشاري والباحث الاجتماعي والمتخصصين في مجال السلوك والتقويم، ونحن نعكف دائمًا على تهيئة الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بأهمية العلاج، وكذلك بالنسبة لمن هم ذوي دوافع شخصية لأن التغيير مهم في حياتهم حتى لا يضروا بتوافقهم مع الأهل والمجتمع والعلاقات الاجتماعية، فالبداية بتصحيح النفس ثم تتبعها خطوات حسب طبيعة كل حالة.
وتؤكد د.النزر على أهمية الدراسات المحلية على مستوى البحرين والخليج، وعدم الاكتفاء بالمقالات التي يكتبها غير المتخصصين وبعضهم أسميهم (تجاريين) ممن تدربوا في دورات أو غيرها، لأن الدراسات العلمية تقدم معالجة وتوصيات تسهم في تحسين المستوى العلاجي وأساليبه، وإذا ما تحدثنا عن أكثر الفئات تعرضًا للأمراض النفسية ولماذا النساء بدرجة أعلى، يمكننا القول إن النساء يتعرضن لتغييرات فسيولوجية واضطرابات في الهرمونات بسبب الدورة الشهرية على سبيل المثال، ثم لأن طبيعة المرأة عاطفية وجهازها النفسي أضعف من الرجل.
غياب الأهداف لدى الشباب
وبالنسبة للأسباب فهي متعددة، فهناك الأسباب المرضية كما أشرنا وهناك الأسباب المرتبطة بالتعليم ومستوى المعيشة ووضع الأسرة، فإذا كانت الأسرة مضطربة ومتفككة وتعاني من الخلافات فإنه من الطبيعي أن يكون أفرادها أكثر عرضة لهجمة الأمراض النفسية، وهناك جانب مهم بين فئة الشباب، فتجد بعضهم لا يرغب في إكمال الدراسة الجامعية أو الانتظام في العمل وهذا يرجع إلى غياب الأهداف في حياتهم، وأضع (غياب الأهداف) بين قوسين لأهميته، فالشباب في العشرينات مثلًا في حاجة إلى تنظيم حياتهم ورسم أهدافهم بدلًا من حمل هموم الدنيا على رؤوسهم.
العدد 4862 - الثلثاء 29 ديسمبر 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1437هـ