يُسلِّط تقرير آمي كونغ، من هونغ كونغ، والذي حمل عنوان «مخاوف بسبب متحف الفن في هونغ كونغ»، ونشر في صحيفة نيويورك تايمز»، يوم الجمعة الماضية (25 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، الضوء على بعض الإشكالات التي تسببها سياسة البيروقراطية في الصين، ومتطلبات ترسيخ ثقافة إنشاء المتاحف التي مازالت هونغ كونغ، وآسيا عموماً بمنأى عنها، هنا جانب من التقرير، ويتبعه تقرير آخر في الصحيفة نفسها حمل عنوان «لحظة سريالية باذخة في مانهاتن»، كتبته الناقدة روبرتا سميث، يوم الثلثاء (15 ديسمبر 2015)، يستعرض أعمال معرضين مهمَّين.
في موقع الواجهة البحرية المُخصَّصة لمركز جديد رحْب للفنون، يظل المشهد المُطلُّ عبْر ميناء فيكتوريا، واحداً من المشاهد التي تدعو إلى الإعجاب، بأفق المدينة الشهير... بتلك الارتفاعات العالية التي تشكِّلها الغابة الحضرية.
الأفق في الجانب الآخر من الميناء لا يُمكن إلا أن يكون أكثر مفارقة. هو في معظمه أرض قاحلة. منطقة بناء صغيرة. بعض المباني المؤقتة. ويافطة تحمل إعلاناً بحروف برتقالية كبيرة: «منطقة غرب كولون الثقافية».
هذا هو المكان الذي من المقرَّر أن يقام عليه «متحف الثقافة البصرية» ويسمَّى «Museum Plus» (M+) كجزء أساسي من المجمَّع الجديد، وهو مشروع ضخم ترعاه الحكومة بموازنة تُقدَّر بـ 2.8 مليار دولار أميركي. وبحلول نهاية العام 2019، وفقاً للجدول الزمني الحالي، فإن العديد من المكوِّنات في المنطقة، بما في ذلك المتحف الذي تبلغ مساحته 650 ألف قدم مربعة، سيكون مُعدَّاً لاستقبال للجمهور.
ولكن مثلما أن الخطط تمضي قُدماً في المشروع، تتصاعد كذلك الأسئلة بشأن ما إذا كانت الرؤية الأصليَّة التي تتحدَّد في إقامة متحف للفن واسع النطاق، والتي من شأنها أن تضع هونغ كونغ على الخريطة الثقافية العالمية، يُمكن لها أن تتحقَّق بالكامل.
القلق من الاستقلال
في السنوات الأخيرة، عانى مشروع «+M»، ومشروع آخر أكبر حجماً، من التأخير، وتخلَّى موظفون رفيعو المستوى عنه. المخاوف الأكثر مدعاة للقلق اليوم، تكمن في أن «M+» قد لا يكون قادراً على الحفاظ على استقلاله في تنظيم المعارض، وأن يكون على مبْعدة كافية، وبشكل ضروري عن السياسة للتمكُّن من إقامة متحف مزدهر ونشِط على مستوى العالم. ويصف العديد من المعنيِّين بمجتمع الفن في هونغ كونغ الشعور المتزايد بـ «التوتُّر»، ولاسيما بين المسئولين الحكوميين في هونغ كونغ، من خلال المخاوف على الفن والإزعاج التي يمكن أن تسبِّبه بكين.
في فبراير/ شباط المقبل، سيتم افتتاح المعرض الأول لمجموعة المتحف واسعة النطاق، من خلال أعمال تنتمي إلى الفن الصيني المعاصر، وستحتل مساحة في معرض هونغ كونغ بعد التجارب السابقة في كل من: مدينة أوميا بالسويد، ومدينة مانشستر بإنجلترا. وستشمل المجموعة أعمالاً تركيبية على نطاق واسع هي من تصميم وتنفيذ الفنان الصيني الذي تُكنُّ له بكين كراهية شديدة، ألا وهو آي وي وي؛ فضلاً عن سلسلة من الصور التي أنجزها ليو هيونغ شينغ، وتعود إلى التظاهرات المؤيِّدة للديمقراطية التي حدثت في العام 1989 في ميدان تيانانمين. وسيتم الترويج للمعرض كإجراء أول يتم فيه إعادة سرْد قصة التطوُّر الذي حدث من دون انقطاع للفن الصيني المعاصر. لكنه سيحمل عنواناً أقل تحدياً من الذي تم اعتماده للمعرض في المدينتين السويدية والإنجليزية وهو «الحق هو الخطأ»، مع دليل تعريفي مختلف.
على العكس من البرِّ الرئيسي للصين، حافظت هونغ كونغ على حماية النمط الغربي لحرية التعبير؛ على رغم عودتها إلى الحكم الصيني في العام 1997. ومع ذلك، مازالت المخاوف قائمة بشأن نفوذ الصين المتزايد على الأراضي التي تم الاستحواذ عليها تحت مظلة الثورة، عندما خرج آلاف المحتجين العام الماضي إلى الشوارع مُطالبين الحكومة في بكين بمزيد من الحرية الانتخابية.
ماهية مزاج هونغ كونغ
وقال الدبلوماسي السويسري السابق، أولي سيج، والذي تبرَّع بجزء كبير من مجموعته الفنية في العام 2012 لمتحف «+M»، والتي تُعتبر من أهم وأشمل مجموعات الفن الصيني على نطاق واسع، وستشكِّل مختارات منها جانباً من المعرض المقبل: «ليس لديَّ أي قلق من أن المبنى لن يتم تسليمه».
ولكنه أشار إلى أن هناك أيضاً سؤال يبرز له علاقة بماهيِّة المزاج الذي سيكون في هونغ كونغ في غضون سنوات قليلة».
مُخططات البناء، تم تصميمها من قبل شركة سويسرية «هرتزوغ ودي ميرون»، وقد اكتملت، إلى جانب اختيار المقاول، كما أن الفريق الأساسي لإدارة المتحف قد تم تحديده؛ علاوة على أن المتحف عمل على تحديد مجموعته الفنية المشاركة في المعرض. ووفقاً لتقديرات المتحف الخاصة، فقد تم إنفاق نحو 62 مليون دولار على عمليات الاستحواذ حتى الآن، وتلقى تبرُّعات من الأعمال الفنية تتجاوز قيمتها 175 مليون دولار. ولكن أياً من ذلك لم يتحقق بسهولة.
وقال المدير التنفيذي لـ «+M»، والمدير المؤسِّس السابق لمتحف تيت مودرن، وكذلك مركز روزيوم للفن المعاصر في السويد، لارس نيتف: «لقد حقَّقنا كل ما شرعنا القيام به حتى الآن». وأضاف «لكن من المُحتمل أن يمتد العمل إلى 4 أو 5 مرات مما استغرق تنفيذه حتى الآن، وصولاً إلى الإنجاز النهائي؛ مقارنة بتجربتي في لندن وفي الحالات الإسكندنافية. هناك جدل قائم بشأن المشروع ليل نهار».
وكما يقول نيتف وغيره من المسئولين في هذا المجال، فإن جزءاً كبيراً من سبب الجدل والمشاحنات مع البيروقراطيين والمسئولين الحكوميين، هو الافتقار إلى ثقافة تطوير المتاحف في هونغ كونغ، وفي آسيا عموماً. فقط في السنوات الأخيرة حدثت زيادة مفاجئة في متاحف الفن المعاصر في البر الرئيسي للصين. متاحف كثيرة مثل: متحف جبال الهيمالايا في شنغهاي ومتحف «وودز إم» في بكين، وتم إنشاؤهما من قبل المطوِّرين العقاريين وهواة جمع التحف، وتتم إدارتهما من قبل القطاع الخاص.
مشكلة الرقابة الذاتية
على رغم أن «M+» لا يخضع لسيطرة الحكومة بشكل مباشر، فنادراً ما يمكن عزل المتحف عن لعبة السياسة. حالياً، يتم تمويله بالكامل من الأموال العامة. وقد تم تعيين ممثلين عن الدوائر الحكومية ممثلة في لجنة الحي الثقافي كي تكون مسئولة عن الإشراف عليه، بقيادة رئيسة المجموعة ورئيسة الأمانة العامة، والمسئولة الثانية في المدينة، كاري لام. وكما يقول البعض، فإن تدخل الحكومة جعل المتحف عرضة للضغوط السياسية.
وقال كبير الأمناء في متحف «M+» لي بي، إن «المشكلة في هونغ كونغ لا تتحدَّد في الرقابة. المشكلة في هونغ كونغ تكمن في الرقابة الذاتية. الرقابة الذاتية الكامنة في الإجراءات؛ لذا يصعب التمييز في هذا الإطار بين الرقابتين».
وقال بي، إن التأخيرات الإجرائية برزت على نحو غير متوقع خلال الصيف، في المناقشات بشأن خطط افتتاح المعرض في فبراير المقبل. وستكون هذه هي المرة الأولى التي سيتم فيها عرض مجموعة سيج في هونغ كونغ منذ تبرَّع بها لارس، أو تلك التي باع منها أكثر من 1500 عمل إلى المتحف.
ولأن المعرض كان فعلاً في جولة أوروبية، قال بي، بأنه لكي يتم إحضاره إلى هونغ كونغ كان ينبغي أن يكون اقتراحه مباشراً وناجزاً. وبدلاً من ذلك، ما حدث هو أن أعضاء لجنة المتحف استغرقوا زمناً لتقرير ليس فقط عنوان المعرض «الحق هو الخطأ» ولكن حتى الجوانب التعليمية المتعلِّقة بالمعرض، والتي قالوا عنها كانت وُضعت بشكل كافٍ ومُرْضٍ لجمهور هونغ كونغ.
من جانبه، قال المدافع عن الثقافة المجتمعية، وعضو لجنة المتحف آدا ونغ: «أعتقد أن المسئولين هنا لا يزالون يسعون إلى ما يشبه نصف التخمين في الكيفية التي ستشعر بها بكين عندما يتم افتتاح المعرض؛ لذا فهم يميلون إلى أن يكونوا حذرين للغاية».
التهديد بالانسحاب
تم الإبقاء على جميع الأعمال في المعرض. ولكن في هونغ كونغ، سيطلق عليه وببساطة عنوان «M+ مجموعة سيج: أربعة عقود من الفن الصيني المعاصر» وأكد «بي» والقيِّمون الآخرون، أنه إذا كانت هنالك أية رقابة على عرض محتويات مجموعة سيج أو أية رقابة في معارض مقبلة، فإنهم سينسحبون. «جئنا إلى هونغ كونغ لأن ما يحدث هنا، هو خلاف ما يحدث في البر الرئيسي للصين، تتاح لك هنا حرية التعبير»، بحسب ما قال «بي»، مضيفاً «لكنها ليست مثل حرية التعبير المتاحة في الولايات المتحدة. فالحرية تلك غير متاحة في كل وقت. ولذلك، عليك هنا اختبار تلك الحرية باستمرار. عليك المحافظة عليها وحمايتها».
ومع ذلك، فإن التحدِّي الأكثر إلحاحاً الذي يُواجه متحف «M+» مازال شاخصاً. وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قال نيتف إنه سيترك منصبه كمدير تنفيذي للمتحف في يناير/ كانون الثاني المقبل، مع انتهاء عقده. ويشغل نيتف منصبه في المتحف منذ العام 2011. وبسبب التأخير في الجدول الزمني للإنجاز، قال نيتف، إنه بات غير قادر على مواصلة عمله لأربع سنوات إضافية؛ على رغم أنه سيواصل عمله كمستشار للمشروع، فيما البحث جارٍ عن خليفة له. ومن بين العديد من السِمات المطلوبة للمنصب الجديد، يتفق معظم المعنيين بأن نوعية واحدة من أولئك ستكون مهمة، وخاصة في استعدادها التعامل مع أمور السياسة التي تُعيق الكثير من مثل هذه المشاريع.
«السياسة هي هنا بشكل حقيقي»؛ بحسب تعبير نيتف، مضيفاً «وعليك أن تأخذ المسألة على محمل الجِد».
الوسط - المحرر الثقافي
يحظى فندق كارلايل بلحظة سوريالية. معرضان فنيان في المقر أظهرا الصعود الباذخ في هذا الشأن، ويلعب كلاهما الدور في تقابل له صورته المُوحية والجميلة.
«حقول الحلم: المشاهد الطبيعية السريالية» معرض تم افتتاحه يوم السبت (12 ديسمبر/ كانون الأول 2015) تضمَّن ثمانية وستين عملاً لواحد وثلاثين فناناً، من أفضل الفنانين المعروفين من حيث الممارسة، مع الإشارة إلى أن معظم الأعمال لم يتم عرضها من قبل في الولايات المتحدة.
بالتزامن معه، تم افتتاح معرض «»Mnemosyne: de Chirico and Antiquity، «تحسين الذاكرة: الأعمال القديمة للفنان كيريكو»، والذي يحوي 22 لوحة تعود إلى العام 1920 للفنان جورجيو دو كيريكو، ومن بينها لوحات تعود إلى العام 1910، وتمثل جانباً من المدرسة السريالية، كما يحوي المعرض 40 نموذجاً من الآثار اليونانية والرومانية، وكذلك الأشكال والموضوعات التي تُقدِّم مجموعة من الأصداء التي يمكن تلمُّسها في لوحات كيريكو. وتتباين موضوعات الأعمال بشكل كبير من حيث الزمان والمكان والمواد التي دخلت في تشكيلها؛ وجميعها ترجع إلى متحف فينيكس للفن القديم، بالتعاون مع مكتب في نيويورك ومعرض في جنيف، وهي الأطراف التي نظَّمت المعرض معيِّة ناهماد. المعرضان واجها نصيباً من المشكلات القانونية في السنوات الأخيرة.
يقدِّم كيريكو في معرضه نظرة للفنان، ويمكن من خلاله استجلاء أهمية ومحورية المراحل التي مرَّ بها فنه. بالحماس الكبير الذي يكتنف أعماله في الفترة ما بين 1910 و 1917، وما يمكن أن يُطلق عليه حقبة الازدراء للمرحلة المبكِّرة التي أنجز فيها أعمالاً بتأثير من الألماني أرنولد بوكلين، ومحاولة التبرؤ والتملُّص إلى درجة العداء من الأعمال التي أنجزها فترة الحرب العالمية الأولى، كل ذلك يمكن الوقوف عليه من حيث تجاوزه للمرحلة الميتافيزيقية في أوْج حضورها، والتي كان لها إلهامها الكبير على عدد كبير من الفنانين في القرن العشرين.
يؤكد معرض دي دونا أن المشاهد فيه تُقدِّم أكبر مجموعة من الخيال السريالي وانحرافاته عن الواقع، والتصاقه للتجريد. وكما هو متوقع، هناك أعمال مثيرة للإعجاب للفنان الإسباني سلفادور دالي، رينيه ماغريت، إيف تانجي وخصوصاً ماكس إرنست، الذي يُضيء هنا، على سبيل المثال، براعة الاختراع، بالنتوءات الصخرية التي يتم تقديمها في رؤيا من التصدُّعات وهلوسة اللون والصراخ.
كما يُغطي المعرض نماذج وأشكالاً للخيول البرونزية، وأعمالاً من الفسيفساء الرومانية، والتماثيل الإغريقية المثيرة للإعجاب.
يُذكر أن جورجيو دي شيريكو، رسام ما قبل سريالي ومن ثم رسام سريالي إيطالي. ولد في فولوس باليونان من أم جنوية وأب صقلي، في 10 يوليو/ تموز 1888، وتوفي في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1978. أسَّس حركة الفن الميتافيزيقية.
درس الفن في فلورنسا وأثينا، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا في العام 1906؛ حيث دخل أكاديمية الفنون الجميلة في ميونيخ. هناك أُتيح له الاتصال بأعمال الفيلسوفين نيتشه وشوبنهاور، بالإضافة إلى دراسة أعمال أرنولد بوكلين وماكس كلينغر.