شهدت ميزانيات قطر خلال السنوات العشر الفائتة تطورات متسارعة ونمواً كبيراً في معظم البنود التي تشتمل عليها خصوصا تلك المتعلقة بالإنفاق على مشروعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، حسبما نقل موقع "بوابة الشرق".
ومنذ عام 2006 وحتى هذا العام، تصاعدت وتيرة أداء "ميزانية الدولة" بما يعكس حجم التطور الذي كان يشهده الاقتصاد القطري في كل عام، وبما ينسجم مع المشروعات العملاقة التي قامت قطر بتنفيذها في قطاع الطاقة تحديدا خلال السنوات الفائتة، وتلك المتعلقة بقطاع البنية التحتية وأبرزها على الإطلاق مشروعات مطار حمد الدولي وميناء الدوحة الدولي الجديد والمشروع الأضخم مترو الدوحة، فضلا عن الاستثمارات الهائلة التي تم ضخها في مشروعات محلية أخرى للنقل والمواصلات ومحطات لتوليد الطاقة وتحلية المياه.
بلغ إجمالي حجم الإنفاق الذي اشتملت عليه موازنات قطر منذ عام 2006 وحتى هذا العام نحو 1.3393 تريليون دولار، في حين بلغت الإيرادات خلال ذات الفترة 1.4353 تريليون دولار، أما حجم الفائض المالي فقد بلغ 96.8 مليار دولار.
قفزات نوعية
خلال عقد من الزمان، سجلت ميزانية قطر قفزات كبيرة ونقلات نوعية غير مسبوقة، كانت الميزانية في كل عام "الأكبر في تاريخ الدولة" بفضل عوامل كثيرة أبرزها النمو الاقتصادي المطرد عاما بعد عام، وارتفاع حجم مداخيل الدولة وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي، وتطور آليات عمل القطاع الخاص المحلي ليصبح أكثر قدرة على المنافسة والفوز بعقود كبيرة لم يكن في السابق ليستطيع الاقتراب منها، وفي الآونة الأخيرة بدأ ظهور مساهمات ملموسة للقطاعات الإنتاجية غير النفطية ربما لأول مرة في تاريخ قطر التي يعتمد اقتصادها في معظمه على إيرادات النفط والغاز، فضلا عن "أرباح" بدأ يجنيها الاقتصاد القطري من استثمارات الدولة حول العالم والتي يناهز حجمها اليوم نصف تريليون دولار.
وبهذه المعطيات، تكون ميزانية قطر قد تحولت في غضون 10 سنوات من ميزانية صغيرة لا يتجاوز حجم النفقات المخصصة فيها 55 مليار دولار إلى ميزانية ضخمة تشتمل على نفقات هائلة بإمكانها إنجاز مشروعات عملاقة تفوق تكاليف إنشائها ميزانيات مخصصة لدول بأكملها، وبذلك خرجت ميزانية قطر خلال تلك الفترة من كونها ميزانية تعكس حجم دولة صغيرة إلى نادي ميزانيات الدول الكبرى التي توجه إنفاقها بشكل أساسي - فضلا عن أهدافها المعلقة باستثمارات التنمية البشرية - إلى مشروعات إستراتيجية وسيادية أسهمت في ترسيخ مكانة قطر ليس في المنطقة وحسب وإنما على مستوى العالم أيضا، إضافة إلى دور هذه المشروعات في الارتقاء بمقدرة الدولة الاقتصادية وتنافسيتها سواء من حيث ترسيخ جاذبيتها الاستثمارية للرساميل الأجنبية والشركات العالمية الكبرى ورجال الأعمال من شتى أنحاء العالم، أو من حيث تواجدها القوي في السوق العالمي كلما كان هناك استثمار مجد، أو صفقة تشكل إضافة لرأس المال القطري، أو يمكن أن يكون لها مساهمة إنسانية.
ارتقاء الأداء
لقد تصاعد أداء ميزانية قطر خلال السنوات العشر الفائتة بشكل متسارع ومتنام، حيث ارتقى الإنفاق كثيرا عاما بعد عام، ففي عام 2006 لم يكن حجم الإنفاق يزيد على 54.7 مليار دولار، ليتدرج إلى 95.9 مليار في 2008، ثم 139.9 مليار في 2011، في حين قفز إلى 218.4 مليار دولار في 2014.
أما حجم الإيرادات، فقد بلغ 56.9 مليار دولار في 2006، ثم ارتفع إلى 103.3 مليار في 2008، ثم 167.5 مليار في 2011، بينما قفز إلى 225.7 مليار دولار في 2014.
ووفقا لهذه الأرقام، فقد تدرج حجم الفائض المالي من 2.3 مليار دولار في 2006، إلى 7.4 مليار في 2008، ثم قفز بشكل ملحوظ إلى 22.5 مليار دولار في 2011، وهو أعلى فائض تحققه موازنة قطرية خلال السنوات العشر الفائتة، ليستقر على 7.3 مليار في 2014.
وبالنسبة لسعر برميل النفط في الموازنة، فقد كان بحدود 36 دولارا في عام 2006، ثم ارتفع إلى 40 دولارا في 2007، ثم 55 دولارا في 2008، وفي عام 2009 الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، بلغ سعر برميل النفط 40 دولارا، وفي موازنة عامي 2010 و2011 بلغ سعر البرميل 55 دولارا، بينما استقر على 65 دولارا في موازنات 2012 و2013 و2014 وفي الموازنة التكميلية لهذا العام.
إيرادات متنوعة
يقول عضو مجلس الشورى ورجل الأعمال السيد ناصر سليمان الحيدر إن ما يميز أداء موازنات قطر خلال السنوات الفائتة هو اعتمادها لإيرادات تستند إلى التراجع التدريجي عن مداخيل النفط كمصدر وحيد ورئيسي لخزينة الدولة، لتكون هذه الإيرادات أكثر تنوعا وأكثر شمولية مما كانت عليه في السابق، لافتا إلى أن ذلك ما تضعه قطر في حسباها كل عام عندما تعد موازنة الدولة الجديدة.
ويتوقع أن يسجل القطاع غير النفطي في قطر نموا بنسبة 10% خلال العام المقبل، بينما بلغت صادرات غير النفطية للشركات الصغيرة والمتوسطة حتى نهاية شهر يوليو الفائت نحو 1.5 مليار ريال، في حين ينتظر أن تقفز إلى 3 مليارات ريال بحلول نهاية العام.
وكانت نسبة ما يمثله القطاع غير النفطي في الاقتصاد القطري أقل من 42% عام 2005، لكنها ارتفعت إلى 50% في نهاية 2014.
توسع استثماري
وزادت قيمة الصادرات غير النفطية من نصف مليار ريال إلى 2.4 مليار بين عامي 2011 و2014، أي ما يعادل خمسة أضعاف، وذلك من خلال التوسع والوصول إلى أسواق تصديرية خارج دول مجلس التعاون الخليجي مثل تشيلي والولايات المتحدة وأستراليا.
هذا التوسع في التصدير يقابله توسع في الاستثمارات الخارجية هو ما يساهم في تعزيز تقليل اعتماد إيرادات الموازنة في كل عام على النفط كمصدر وحيد للدخل، يقول السيد عبد الرحمن المفتاح وهو رجل أعمال وعضو مجلس الشورى: تطوير المشاريع القطرية خصوصا الصغيرة منها والمتوسطة يأتي في صدارة الجهود المبذولة من قبل الدولة ومعها القطاع الخاص القطري لتنويع الاقتصاد، وهو ما يمثل ضرورة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التنموية للدولة.
ويرى المفتاح أن التجارة والاستثمار في قطر يجب أن يلعبا دورا أساسيا ورئيسيا في جهود الحكومة الرامية إلى تنويع مصادر الدخل لتكون في منأى عن إيرادات النفط والغاز والأنشطة التي تعتمد على الطاقة الهيدروكربونية.
أهداف موازنة 2016
وصدرت موازنة قطر الجديدة لعام 2016 في 16 الجاري، وتهدف هذه الموازنة إلى تحقيق التنمية المستدامة في كافة ركائز رؤية قطر الوطنية 2030 والتي تتضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية، وضمان الاستمرار في استكمال وتنفيذ المشاريع الرئيسية في القطاعات الأساسية وهي الصحة والتعليم والبنية التحتية، بالإضافة إلى المشاريع المرتبطة بكأس العالم 2022، ودعم وتعزيز أداء القطاعات غير النفطية في إطار جهود الدولة لتنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على إيرادات النفط والغاز، وزيادة مشاركة القطاع الخاص في مختلف الأنشطة الاقتصادية وتوفير بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات إلى مختلف القطاعات الاقتصادية لتقليص الاعتماد على الإنفاق الحكومي، والمحافظة على التصنيف الائتماني المرتفع للدولة، ومواصلة السيطرة على التضخم من خلال التنسيق المستمر بين السياسات المالية والنقدية بالتعاون مع مصرف قطر المركزي.