كنتُ أقلِّب في إرشيفي حين وَقَعَتْ عينِي على مقابلة صحافية. المقابلة أجرتها مجلة «المشاهد السياسي» الأسبوعية التي كانت تصدرها «ميديا وورلد سيرفيسز» مع وزير النفط السعودي الأسبق الشيخ أحمد زكي يماني، وذلك في عددها رقم (185) (26 سبتمبر/ أيلول – 02 أكتوبر/ تشرين الأول 1999م). وكان مانشيت المقابلة العريض يقول: دول النفط تُحرّك العالم ودول الأسلحة تحكمه.
والحقيقة، أن كل تلك السنين لم تستطع أن تُقلِّل من أهمية تلك المقابلة لعدة أسباب: الأول كونها أجرِيَتْ في لحظة زمنية شبيهة بهذه اللحظة التي تشهد فيها أسعار النفط تراجعاً أو تذبذباً. والثاني كونها أجرِيَتْ مع واحدٍ من أهم مسئولي وخبراء النفط والطاقة في العالم. والثالث أنها انطوت على موضوعات سياسية واقتصادية مهمَّة تطرّق إليها الرجل بعمق ودراية بالأمور.
وقد وجدت أن من المفيد، إعادة قراءتها بعد مُضِي 16 عاماً وشهرين على إجرائها، على رغم وجود عوامل سياسية واقتصادية جديدة على الأوضاع النفطية. وكي نكون أكثر دقة، فإن المقابلة قد أجرِيَتْ في لحظة كان سعر البرميل يلامس 23 دولاراً بعدما وصل قبل ذلك إلى 8 دولارات فقط!
عندما سُئِلَ أحمد زكي يماني عن توقعاته حول سعر برميل النفط وهل أنه سيرتفع أم لا أجاب: «إذا جاء شتاء (هذا العام) قارساً بعض الشيء فقد يصل السعر إلى 25 دولاراً». هذا يعني أن حصة تأثير الطقس (وبالتحديد في غرب أوروبا وأميركا الشمالية) على أسعار النفط هي بحدود الـ 8 في المئة.
ومن المعروف أن المناخ إلى جانب المخزون النفطي ونمو المعروض من خارج أوبك وقرارات الأخيرة ونمو الاقتصاد العالمي والطاقة الإنتاجية والمضاربات وأسعار الصرف والمخاطر الجيوسياسية هي العوامل التي تؤثر في أسعار النفط حسب الـ EIA .
في تلك الفترة، وتحديداً في (يناير/ كانون الثاني 2000م) كانت أوبك، تُنتِج للشركات 28 مليون ونصف مليون برميل يوميّاً. الآن يبلغ إنتاج أوبك 31 مليوناً و770 ألف برميل يوميّاً (دون احتساب طاقة إيران ما بعد العقوبات)، ما يعني أن الإنتاج زاد خلال خمسة عشر عاماً 3 ملايين و270 ألف برميل يوميّاً.
أمام تلك المعادلة نقرأ لعبة ارتفاع أسعار النفط،. فحين تكون حاجة الشركات 28 مليوناً ونصف المليون برميل يومياً، بينما تُنتِج أوبك 26 مليوناً ونصف مليون برميل يوميّاً يقوم المستهلكون بتعويض المليونَيْ برميل من المخزون النفطي لديهم، والذي بدوره سيتناقص وبالتالي تزداد الأسعار تباعاً. لذلك، فعندما يقل المعروض ويبدأ استنزاف المخزون، مع وجود رؤية لدى الشركات النفطية الكبرى تفيد بطول تخفيض الإنتاج من قِبل أوبك تبدأ الأسعار بالارتفاع. هذه هي المعادلة.
تحدث زكي يماني عن الصفقة التاريخية التي تمّت بين المملكة العربية السعودية مع كل من جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة المكسيكية وجمهورية فنزويلا البوليفارية لتخفيض إنتاج النفط وتعديل سعره في تلك الفترة، وذلك بوساطة وزير الطاقة الأميركي حينها بيل ريتشاردسون. وهي لحظة تجعل المرء يتأمل في طريقة مسار العلاقات السياسية وتأثيره على الاقتصاد.
بالتأكيد، كان الشيخ يماني وخلال تلك الفترة من حديثه (1999م) يستشهد بأحداث حصلت في العام 1980م. وكان يقول إن هناك 7 ملايين ونصف مليون من براميل النفط الفائضة، وهو أمر يعطي انطباعاً عن عدم التزام دول في أوبك (حتى ولو كانت صغيرة) بحصصها النفطية.
تحدث الشيخ يماني عن النفط الأميركي خلال حقبة الثمانينات. كان يُشير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لديها صناعة بترولية، وعندما وصل سعر البرميل إلى 14 دولاراً اعترض الأميركيون، وقالوا إن السعر الذي يُناسبهم هو أن يُباع البرميل بـ 18 دولاراً. وقد قامت واشنطن بإقناع أوبك بذلك.
وقد نستطيع أن نقارب ذلك مع ما يجري من تنافس بين النفطيْن التقليدي والصخري خلال هذه الفترة. بل أن نُوسِّع دائرة تأثير السياسة على الاقتصاد كما حدث آنذاك من غزو العراق للكويت. بل حتى التفصيلات الدقيقة في العلاقات الثنائية بين الدول (كعدم تسليم متهمين وخلافه) وكيف أنها تؤثر على القرارات السياسية وبالتالي على الخطط النفطية للدول.
كانت للرجل رؤية فيما خصّ أسعار النفط وضرورة ألاَّ تكون مرتفعة. فارتفاع أسعار النفط «يسلب العرب قوتهم الاستراتيجية في البترول» كما يقول. كانت نظرته أن المستهلك سيلجأ إلى مصادر أخرى للنفط (خارج الخليج)، عبر الشركات العملاقة، التي فعلاً بدأت تتجه إلى نفط غرب إفريقيا والغابون وأوغندا ونفط بحر قزوين بل حتى المغرب وأجزاء جديدة من خليج المكسيك.
وفي لقاء آخر (وكان على شاشة التلفاز) استمعت للرجل وأنا أعِدّ المقال، وهو يعطي إحصائية تفيد بأن الشركات الكبرى، باتت تنفق أزيد من مليار دولار على الوسائل التكنولوجية الحديثة في مسعاها بغير مكان للتنقيب وفي أماكن جديدة من الأرض، تكون عوضاً عن نفط دول الخليج.
ويضرب مثالاً عن تقدم تكنولوجيا التنقيب فيقول إن شركة «شل» في بحر الشمال استطاعت وعن طريق التكنولوجيا المتقدمة أن «تُخفّض تكلفة الإنتاج إلى أربعة دولارات للبرميل، فإذا كان سعر برنت 24 دولاراً للبرميل فمعنى ذلك أن «شل» تحصل على 20 دولاراً ربحاً على البرميل الواحد».
كانت رؤيته هو أن تستمر قوتنا الاقتصادية بالتوازي مع قوتنا السياسية. يُضاف إلى كل ذلك فإن ارتفاع أسعار النفط يؤثر على أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية أيضاً، وكأنه يقول إنها كالسيولة عندما تتضخّم تشتعل أسعار كل شيء.
الحقيقة، أن الرجل ذو خبرة واسعة، وربما يكون هو الأقدر على قراءة وتحليل شئون النفط العالمية، كيف لا وهو الذي شغل منصب وزير النفط في أدق مراحله وفي واحدة من أهم دول الإنتاج وهي المملكة العربية السعودية بين مارس/ آذار العام 1962م حتى أكتوبر/ تشرين الأول العام 1986م.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4860 - الأحد 27 ديسمبر 2015م الموافق 16 ربيع الاول 1437هـ
احم احم
انت ليش شايل هم النفظ بتاكل نفظ انت ما بتاكل بتشرب نفظ ما بتشرب ؟ بيدخل في جيسك شي منه ما بيدخل ؟ بزيد حصتك في شي ما بتزيد ؟ بتحصل قروض وتحفيزات اذا ارتفع او انخفض ما بتحصل ؟
خل ايصير اللي ايصير ؟ وبالعكس اذا زادت المشاكل افضل حتى ايجون الحكام والمسؤولين ليي اكتب ليهم ورقة ويدفعون ليي مقابله كم مليون وهالمرة افكر في رفع السعر
ثروة ذات قيمة عالية يتلاعب بها البعض
الدول العربية وبالذات الخليجية ستقف امام الله مواقف صعبة جدا لتلاعبها بهذه النعمة وبيعها في سوق نخاسة السياسة الرخيصة
النفط نعمة ام.نقمة
ثروة بددت على حروب و شراء أسلحة وتضخمت ثروات المتنفذين بينما لا تملك دول النفط أي بنية تحتية حقيقية وهي الآن على شفا الإفلاس، يماني هو أحد مهندسي تلك الحقبة السوداء حين هوت اسعار النفط لأقل من 8 دولارات ، لا تنويع مصادر الدخل و لا احتياطي للأجيال و لا رؤية سياسية أو تنمية إقتصادية حقيقية فأصبح نقمة بدل من نعمة على شعوب هذه المنطقة.
كلام سليم
أخي محمد دول الخليج بخير والحمد لله رب العالمين بس الي خايفين إيران ورسيا لأن طيحتهم جايده