عندما كان توماس أديسون صغيراً قيل إنه لم يستكمل تعليمه الحكومي، فبعد أيام قليلة من الدراسة أرسله مدرسه إلى والدته وأرسل معه خطاباً يقول فيه: «من الأفضل لابنك أن يجلس فى البيت لأنه غبي». فاحتضنت الأم ابنها قائلة له: «لو أن كل الناس أنكروا ذكاءك يا صغيري فيكفيك أنني أؤمن به، أنت طفلي الذكي، دعهم وما يقولـون واسمع ما أقول: أنت أذكى طفل في العالم».
ولذلك يقول أديسون: إن أمي هي التي علمتني؛ لأنها كانت تحترمني وتثق بي. أشعرتني أنني أهم شخص في الوجود، فأصبح وجودي ضروريّاً من أجلها، وعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط.
كثيرون يحاولون الضغط على أطفالهم في الجانب التعليمي، ويرسمون لهم حياتهم كما يريدون لها أن تكون، سواء في الدراسة أو في اختيار التخصص العلمي بعد ذلك، وهم معذورون بعض شيء؛ لأنهم يفكرون في مستقبلهم بعين ربما تكون أكثر نضجاً منهم. وكثيرون يتصرفون في فترة مَّا كما لو أن التحصيل العلمي في المدارس المنتظمة يجب أن يكون هو أساس الحكم على ذكاء أطفالهم ومستوى قدراتهم، على رغم أن هذا ليس صحيحاً وخصوصاً أن مناهجنا الدراسية تعتمد بالشكل الأول على التلقين والحفظ، لا على الإبتكار والإبداع. وكثير منها هي مجرد نظريات يحفظها التلميذ ثم ما يلبث أن ينساها جملة وتفصيلا بعد انتهاء فترة الامتحانات.
نحن بحاجة اليوم إلى تغيير هذه الثقافة؛ فرب أطفال كانوا متميزين في التعليم المدرسي المنتظم لم يستطيعوا أن يكملوا تعليمهم الجامعي، ورب خريجي جامعات لم يستطيعوا التميز في حياتهم العملية والعكس صحيح.
إن لم نستطع اليوم تغيير مناهجنا، وهو ما يتطلب خطة شاملة وجهداً يستمر لأعوام، فإننا على أقل تقدير نستطيع تغيير نظرتنا تجاه أطفالنا، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به وخصوصا في المواد التي تعتمد على الحفظ والمواد التي لا تتناسب مع ميولهم واهتمامهم مع عدم اغفال ضرورة تشجيعهم ومتابعتهم.
أتذكر كلام أحد الزملاء حين قال لي بشيء من الثقة: نحن كأولياء أمور دائمًا ما نضغط على أطفالنا ونشجعهم على التفوق على رغم علمنا بقدراتهم؛ لأننا نريد أن نتفاخر بهم أمام الناس، وليس من منطلق إيماننا بأهمية التفوق المدرسي. كانت هذه العبارة بمثابة صفعة نبهتني لواقع ربما نتغافل عنه بالفعل.
لا أدعو هنا إلى الإهمال أو أسوّق لفكرة أن على الطالب أو ولي أمره أن يتجاهل أهمية الدراسة والتفوق، لكن هي رسالة بسيطة أوجهها لأولياء الأمور الذين يعتبرون عدم حصول أبنائهم على العلامات المرتفعة أو إخفاق أطفالهم في بعض المراحل الدراسية هو نهاية المطاف، أو للذين يعتبرون المدرسة هي المحدد الأول والأخير لتفوق أبنائهم في حياتهم كلها، متناسين ما يملتكون من مواهب وأفكار وإبداع لا دخل له بالمناهج الدراسية التقليدية.
التعليم المدرسي مهم جدّاً، بل وضروري، وهو محطة واحدة من محطات كثيرة لابد أن يجتازها أي منا ليستطيع بلورة مستقبله كما يريد، وإن لم يتفوق فيها فإنه يستطيع التفوق في المرحلة التالية لها حتى يجد ما يميزه عن غيره.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4860 - الأحد 27 ديسمبر 2015م الموافق 16 ربيع الاول 1437هـ
في الصميم
تلقين وحفظ إبداع الطالب ممنوع بهذا البلد
مدارسنا تخرب شخصية بعض التلاميذ
مدارسنا هدفها تخريج موظفين لشغل الوظائف الشاغرة في المجتمع. ولذلك نوعية المواد والمهارات المختبرة تكون من صنف المطلوب في إقتصاد هذا المجتمع، وليس بالضرورة من ميول وتطلعات ومواهب التلميذ. ولذلك بعض التلاميذ تكون مناهج مدارسنا غير ملائمة لهم، وهؤلاء يفضل أن يدرسوا خارج النظام المدرسي وإلا كانوا من "الفاشلين" بمعيار إقتصاد هذا المجتمع.
أوافقها الكلام
في المقابل أرى الكثير ممن كانوا مهتمين بالتحصيل في المرحلة الدراسية المدرسية قد فشلوا أو لم يقدروا على التأقلم مع الواقع المعيشي والحياة فبعد الدراسة كما اتصور واحلل ما حدث أنهم ظنوا بأن الحياة متعلقة بنسبتهم وتقديرهم الممتاز فانصدموا بصعوبة التأقلم مع المنحنى الجديد للحياة وعدم القدرة على الخوض فيها لعدم امتلاكهم الثقة والاعتماد على انفسهم وصعوبة تصحيح مسارهم بعد ان زرع الآباء والأمهات في عقول أبنائهم أن الأهمية القصوى تكمن في تحصيلك ونسبتك وكأنما نجاحك المستقبلي فقط مرهون بتلك النتيجة.
أوافقها الكلام
لطالما كانت نظرتي مماثلة لهذا الموضوع، والأمثلة كثيرة أمامي فعدة أشخاص بالكاد تخرجوا من الثانوية لكن كانت كنت عندهم الثقة بالنفس والاعتماد على النفس والعزيمة والارادة للنجاح في الحياة والعمل وتكوين أسرة والتطور بغض النظر عن النتيجة المئوية والتقدير في المرحلة الدراسية.