الشاعر العراقي سنان أنطون: على الفنّان أن يحافظ على الذاكرة الجمعية
الكويت – تكوين للكتابة الإبداعية
استضاف مشروع تكوين للكتابة الإبداعية الروائي والشاعر العراقي سنان أنطون في زيارته الأولى لدولة الكويت، وبرعايةٍ من وزارة الدولة لشؤون الشباب نظّم المشروع ورشةً عن التجريب في النص الروائي، استمرت ليومي الثامن عشر والتاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2015.
بدأ الروائي سنان أنطون الورشة بتتبع إشكالية مصطلح التجريب الروائي وتعريفه وحدوده، والإجابة عن السؤال الجوهري، ما الذي يجعل الأدب تجريبيًّاً؟ فأوضح في البداية ماهيّة الكتابة التجريبية بأنها كتابة نص يعكس علاقةً مختلفةً مع الشكل، وحدد الفرق بينها وبين الكتابة الواقعية التي يظهر فيها دور الكاتب بوضوح، بينما في النص التجريبي يظهر دور الكتابة بمظاهرها المتعددة، مثل تعدد الأصوات، تدخّل السارد بالسرد ووجوده كشخصية، تعددية الخطابات، وتجاوز الزمان والمكان، وكل ذلك يصب في إتاحة دور للقارئ في إنتاج المعنى.
وأكّد بأن "الحديث عن الكتابة التجريبية لا يعني بالضرورة أنّها أفضل من الكتابة الواقعية، فقد تكون هناك رواية واقعية ممتازة ورواية تجريبية سيئة".
وفيما يتعلق بخصائص اللغة في الكتابة التجريبية يقول أنطون بأنَّ"الكتابة التجريبية ترى بأنّ اللغة ليست شفافة، وأنها غاية وليست وسيلة، وأنها تساهم في خلق وتشكيل العالم". ونوّه بأن "الأدب التجريبي متأثّر بأفكار ما بعد الحداثة التي تتحدى مفهوم ثبوت المعنى، ومعنية بثيمة اختفاء الجوهر وسقوط الأفكار الكبرى".
يقول أنطون: "الرواية التجريبية هي الرواية التي تنحرف عن الطرق المعروفة لتمثيل الواقع، بهدف تغيير نظرتنا إليه وإلى عمية الكتابة عموماً" مؤكّدًا بأن هناك حالياً "تعايش بين النصوص التجريبية والنصوص الواقعية، وهناك محاولة للإتيان بكتابة واقعية أنضج"، لأن "الادعاء بأن الأدب منفصل عن الحقيقة هو وهم، فالأدب يقوم بتشهير الحقيقة وتشكيل وعي الناس".
وتعرّض أنطون بعد ذلك لمراحل تطوّر الكتابة عبر عصور الحداثة وما بعد الحداثة في العالم الغربي، ومراحل التعددية الثقافية وتأثر الفنون ببعضها، فضرب أمثلةً على ذلك مثل تأثر ڤيرجينيا وولف بما بعد الانطباعية، أو رفض التقاليد. وأمثلةً أخرى جرى فيها التجريب مثل مسخ كافكا، والأرض اليباب لإليوت. كما تطرّق لعصر ما بعد الاستعمار، وإشكالية النظر إلى الحداثة في العالم الثالث.
بعد ذلك ناقش أنطون أمثلة من أعمال تجريبيّةً في الأدب العربي فذكر “رجال في الشمس” لغسان كنفاني، التي تعتبر من أولى الروايات التجريبيّة العربيّة من حيث تعدّد الرُواة فيها، ورواية “ميرامار” لنجيب محفوظ. والعديد من الأمثلة الأخرى كرواية "رحلة غاندي الصغير" لإلياس خوري، “مدن الملح” لعبدالرحمن منيف، و”المتشائل” لإيميل حبيبي و “الزيني بركات” للغيطاني. وبعد ذلك انتقل أنطون لتجربته الشخصية في رواية “إعجام.”
وفي اليوم التالي ناقش أنطون مع المشتركين التمارين والنصوص التي قدموها للتدرّب على التجريب، فطرحوا ملاحظاتٍ على نقاط القوة والضعف في كل مخطوط، وتبادلوا الآراء لتطوير الأفكار المقدّمة وكيفيّة معالجتها.
وخلال زيارة الروائي سنان أنطون للكويت، نظّم مشروع تكوين، بالتعاون مع منصَّة الفن المعاصر (كاپ) حوارًا مفتوحًا التقى فيه الروائي مع زملائه الكُتّاب ومعجبيه من القُرّاء، حيث جرت حوارات متعدّدة وتبادل للآراء حول تجربة الروائي سنان أنطون في مجال الكتابة.
وأثناء الحوار قال أنطون بأن "دور المثقف و الفنّان هو أن يحافظ على الذاكرة الجمعية". مؤكدًا بأن هذا هو ما يحفزه للكتابة عن العراق وسط كل هذا الخراب.
وفيما يخص علاقة الكاتب بالقارئ، يقول أنطون:
"أعوّلُ دائمًا على ذكاء القارئ، ولا أنظر إليه كشخصٍ كسول، وأعتقدُ دائمًا بأنه سيقوم بدوره ليفهم الكلمات الصعبة بالنص، لاسيما مع توفر التقنية الحديثة"، ومن هذا المنطلق ينحاز أنطون تمامًا إلى كتابة الحوارات باللهجة المحكية حتى وإن صعُبت على البعض، قائلًا: "ليس من المعقول أن تُفقد الخصوصية العاطفية والطبقية للشخصية بكتابة الحوار بالفصحى"، وأضاف بأن "هناك رهاب من انقراض اللغة العربية لو استخدمنا اللهجة المحكية في الحوار، وهذه فكرة استشراقية تقيس اللغة العربية على اللغة اللاتينية، وكأنّ الأمر حتمي وهذا غير صحيح، من الممكن أن تتجاور الفصحى مع المحكية دون أن تلغي إحداهما الأخرى".
وعن علاقته بالكتابة يقول: "الكتابة بالنسبة لي حاجة نفسية، أتخيّلها مثل الغدة، تحتاج أن تفرز، ولكي تفرز يجب يكون هناك إعداد وقراءة والكثير من العمل".