مع انتهاء عام وإطلالة عام جديد، لابد من مراجعة حصيلة العام الماضي والتفكير في العام المقبل، وهكذا تحرص المؤسسات والشركات والأفراد.
هناك العديد من الملفات الحقوقية لكنني سأتناول ثلاثة منها ذات طابع عالمي، وهي مترابطة مع بعضها رغم خصوصيتها.
الملف الأول هو أن عام 2016، سيشهد تقديم مناقشة تقارير الدول المنخرطة في آلية المراجعة الدورية الشاملة في دورتها الثانية التي تغطي 2012 - 2016. لقد انتهت الدورة الأولى الممتدة من 2008 - 2012، وكانت مملكة البحرين من أوائل من انخرطوا في هذه الدورة بحماس شديد وآمال عريضة، ولكن وكما يقول المثل: «لم ينطبق حساب الحقل على حساب البيدر»، أي لم تكن النتائج جيدة كما كان متوقعاً. والمؤسف أنه رغم مراجعة أداء غالبية الدول التي انخرطت في هذه الآلية، إلا أن أجهزة الأمم المتحدة والدول والمؤسسات والمنظمات الحقوقية ومجلس الخبراء، لم يتوقفوا مليّاً لمراجعة الآلية ذاتها ومدى كفاءتها؟ وهل ترتب عليها تحسن فعلي في أوضاع حقوق الإنسان؟ أو المراوحة؟ وكان يتوجب أن تعقد دورة خاصة لمجلس حقوق الإنسان لتقييم أربع سنوات من العمل بهذه الآلية.
وفي العام 2016 ستبدأ الدورة الثانية من الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان، في دورات مجلس حقوق الإنسان المتتالية وأولها في شهر فبراير/ شباط المقبل، حيث تجري مناقشة مجموعة من الدول في كل دورة بحسب تقدمها بطلب لذلك وباتفاق مع سكرتاريا الآلية، كان المفترض أن تضم المجموعة الأولى من الدول التي سيتم استعراضها في دورة مجلس حقوق الإنسان 31، في فبراير، مارس/ آذار 2016، مملكة البحرين، لكن حكومة البحرين طلبت تأجيل مراجعتها حتى 2017، مما يدل على ارتباك رسمي.
تطور جديد تم خلال الدورة الثانية وهو مبادرة بعض الدول مثل مملكة البحرين إلى تقديم تقرير نصفي وهو ما تم في الدورة 23 لمجلس حقوق الإنسان في يونيو/ حزيران 2014. من الواضح أن الآلية الجديدة، أي المراجعة الدورية الشاملة للحقوق، أسهمت إلى حد ما في تشخيص شامل ومتكامل لأوضاع حقوق الإنسان في البلد المعني، كما إن إشراك المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية في وضع تقرير موازٍ لتقرير الحكومة، ومشاركتها وبحدود في النقاش خلال الاستعراض أمام المجلس، وقيام فريق من خبراء الأمم المتحدة بوضع تقرير استخلاصي لنتائج المناقشة ووضع توصيات محددة، وقد كانت 176 توصية بالنسبة لمملكة البحرين مثلاً ، إثر مراجعتها في مارس 2012، قد أسهم في مقاربة أفضل، وآلية أكثر فعالية لأوضاع حقوق الإنسان، في البلد المعني. ولكن من خلال التجربة والتي يتوجب مراجعتها ومن ثم إدخال تعديلات على الآلية، أن هناك جوانب خلل واضحة. من ذلك أن الدولة تضع تقريرها دون مشاركة المجتمع المدني وقطاع الأعمال، وقد تقوم بعض الدول بمشاورات شكلية، كما إن الخطة التنفيذية للتوصيات أو مبادرات الدولة لا تخضع لمراقبة البرلمان أو مشاركة منظمات المجتمع في مختلف مراحل الصياغة والتنفيذ والتقييم كما إنه عند مناقشة تقرير الدولة أمام مجلس حقوق الإنسان، فلايزال دور المنظمات الحقوقية محدوداً جداً، أي يقتصر على مداخلات مختصرة (3 دقائق) للمتداخل في نهاية الجلسة، وليس المناقشة كما هو متاح للدول، أثناء مناقشة التقرير، وبالتالي التمكن من تنفيذه، وكما نعرف فإن التوصيات الصادرة في نهاية المراجعة تظل توصيات حتى لو قبلت بها الدول. فمثلاً قبلت مملكة البحرين بـ 158 من 176 توصية للمجلس، ولكن ما الذي يدفعها لتنفيذها إذا لم تكن تريد، أو أن تنفذها شكلياً؟ ومن الذي يقيّم التنفيذ من عدمه؟ من هنا تأتي ضرورة أن يكون هناك فريق خبراء مستقل لتقييم الأداء، ويترتب على عدم التنفيذ إجراءات مثل عدم ترشيح الدولة للعضوية الكاملة في المجلس والاكتفاء بكونها مراقباً. كما إن هناك ضرورة لإلزام الدول بإدماج المنظمات الحقوقية في الآلية في مختلف المراحل.
هناك أيضاً ضرورة قبول الدولة بزيارات المقررين الخاصّين والآليات التعاقدية ومكتب المفوضية للبلد المعني، وهي مؤشرات على الجدية في التعاطي مع حقوق الإنسان. الملف الثاني هو دخول آلية المراجعة المرافقة (Peers Review) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والتي انضمت إليها مملكة البحرين في 2010 وجرى خضوعها لهذه الآلية خلال 2012 - 2014، حيث كلفت هندوراس والأردن بإجراء هذه المراجعة، هذه الآلية أضعفُ حتى من آلية المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، فمنها يقتصر الأمر على دولتين فقط، دولة من المنطقة ودولة من خارج المنطقة ويتم ذلك بالتوافق بين الدول الثلاث ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والفساد في فيينا.
وعلى امتداد المؤتمرات الستة التي عقدتها الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC)، فقد فشلت الجهود لتعزيز آلية المراجعة المرافقة ما يستوجب دوراً أكثر فاعلية للمجتمع المدني والمنظمات المعنية، سواء في الاستراتيجيات والسياسات والآليات الوطنية لمكافحة الفساد، أو المراجعة المرافقة، فبحسب المادة 11 للاتفاقية فإنها تشجع الدولة في إشراك منظمات المجتمع المدني المعنية على وضع الاستراتيجية والسياسات والتشريعات والآليات لتنفيذ الاتفاقية بما في ذلك، المشاركة في وضع تقرير الدولة المعنية، والمناقشات لهذا التقرير بحضور الدولتين المراقبتين وخبراء الأمم المتحدة.
وقد حضرتُ مؤتمرين في بنما في 2013 وسانت بطرسبورغ في 2015 للدول الأطراف في الاتفاقية حيث نوقشت هذه القضية ولم يتم الاتفاق عليها. ومن الواضح أنه وكما في مجلس حقوق الإنسان، فإن هناك تحالفاً بين دول تتمسك بالسيادة الوطنية لعدم الامتثال للقانون الدولي وتطويره فيما يخص حقوق الإنسان أو الشفافية ومكافحة الفساد والحكم الصالح وكلها قضايا مترابطة وتقود هذه المجموعة الصين وروسيا والهند وخلفها ما يعرف بمجموعة الدول 70، وبالمقابل هناك مجموعة من الدول تطالب باحترام القانون الدولي وتطوير الآليات وخصوصاً إشراك المجتمع المدني في ذلك وتقف الدول الاسكندنافية وأستراليا والبرازيل في مقدمة هذه الدول ومن خلفها غالبية الدول الديمقراطية. وحتى الآن ورغم التقدم في التشريعات والآليات الدولية لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والحكم الصالح واسترداد الأموال، فإن الفساد يضرب أطنابه، ويمدد أذرعه الإخطبوطية على امتداد العالم. وقد يكون التطور الإيجابي في البند 16 من الاستراتيجية العالمية للتنمية المستدامة حتى 2030 والتي أقرتها الأمم المتحدة في القمة في سبتمبر/ أيلول 2015، باعتبار الفساد معيقاً أساسياً للتنمية المستدامة، ومن ثم ضرورة مكافحته وإشراك المجتمع المدني في الاستراتيجيات الدولية والإقليمية والوطنية.
الملف الثالث وهو ما يتعلق بالتغير المناخي وتدهور البيئة، حيث تم التوصل أخيراً في مساء السبت الموافق 12 ديسمبر/ كانون الأول 2015 في لوبورجيه الضاحية الباريسية إلى اتفاق الدول 198 على استراتيجية دولية للتصدي للتغير المناخي، وحصر أضرار تلوث البيئة بحيث لا تزيد درجة حرارة الكون على درجتين مئويتين بحلول 2020 وذلك بعد مفاوضات ماراثونية، حيث صيغت الوثيقة النهائية في 85 صفحة، وقد عبر العديد من المنظمات الأهلية للبيئة والخبراء المستقلين عن خيبة أملهم كون العديد من فقرات الوثيقة غامضة والآليات غير ملزمة، والهدف المطروح سابقاً هو إبقاء ارتفاع حرارة الكون دون 1.5 درجة مئوية. هذا هو ثاني اتفاق دولي للمناخ بعد مؤتمر كيوتو، وإذا كانت مختلف دول العالم قد تقدمت فيما يخص وضع استراتيجيات وسياسات وتعاون إقليمي ودولي فيما يخص الحد من الغازات الدفينة والملوثات الأخرى والحد من التلوث البيئي، فإن التدهور المناخي والبيئي واضح وخطير ومن ذلك ظاهرة النينو، والأعاصير، وذوبان الجليد في القطبين، وأعالي الجبال والجفاف والفيضانات، وهذه وغيرها ذات تأثير سلبي على حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والصحية، لذا فإن التحدي الحالي كبير جداً وخصوصا أن البلدان الصناعية الكبرى الأكثر تلويثاً وهي الصين وأميركا وأوروبا والهند والدول النفطية وإن قدمت تعهدات، إلا إن اعتبارات النمو الاقتصادي، وضمان الطاقة فوق أي اعتبار من المفارقات. إنه في الوقت الذي سعت فيه الدول الصناعية وخصوصاً السريعة النمو إلى تبني مصادر غير هايدروكروبنية للطاقة، مثل المصادر الطبيعية كالرياح والأمواج وحرارة باطن الأرض والطاقة النووية، فإن انهيار أسعار النفط إلى الحضيض سيدفع بهذه الدول للمزيد من الاعتماد على الطاقة الهيدروكربونية، وبالتالي المزيد من التلوث البيئي. والآن وقد أقرّت وثيقة لوبورجيه . وعلى رغم عيوبها، فإن على الشعوب وقواها المجتمعية أن تتمسك بها، وترصد تنفيذها وتحاسب حكوماتها على مدى الالتزام بها.
هذه ثلاثة تحديات مترابطة ببعض، فهل تنجح البشرية في هذا التحدي؟ سؤال مفتوح على مختلف الاحتمالات.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ
لايفيد
الكلام لايفيد هم مصرين على عنادهم والمستفيد المواطن الجديد والاجانب
والضوء الاخضر مولع
.
يبدوا ان الفساد الذي طال جميع نواحي الحياة هو الذي يسير المنظمات الاممية و عليه لم يكون هناك تقدم على صعيد الحقوق بل تقليص مستمر لها .
الله يعطيكم العافية اعملوا ووثّقوا فإن الله معكم
إن الله لا يضيع عمل عامل وإن كانت بعض الدول تتلاعب على الملفّات والمنظمات الحقوقية لكن لا بد ان يأتي يوم تؤخذ فيه الحقوق وعلى الأقل يبرئ الانسان نفسه من مسؤوليته امام خالقه حين يعرض ظلامته ويسأل وماذا صنعت انت لكي تتخلص من هذه الظلامة هل ابديتها للعالم وهل قمت بواجبك فيكون الجواب قد عملت حسب استطاعتي (لا كلّفّ الله نفسا الا وسعها)