بَعدَ نَكسةِ حُزيران العام 1967 ارتفعت أَصواتٌ تُطالبُ بِمُراجعةِ ما جرى لِتحديدِ الأَخطاءِ والتعلُّم مِنْها وتَحاشيها، لكنِ ارتفعَ شِعارٌ مُضادٌّ وهو: «لا صَوتَ يعلو فَوقَ صَوتِ المعركة»، وذلك تحت ذَريعةِ أَنَّ التعرُّف على الأَخطاءِ يَتمُّ بعد أنْ تنتهي المعركة. لَكنَّ الْمعركَةَ انتهت، وانتهت كُلُّ المَعاركِ، وَلايزالُ الشعارُ مَرْفُوعاً، وَتحوَّلَ إلى ثَقافةٍ وَنهجٍ يَتَّبِعُهُ، تَقْريباً، كُلُّ من دَخلَ في مَيدانِ العملِ السياسيّ، سواءً كان على الجانبِ الرسميّ أو المُعارض.
وَعِنْدَما كُنَّا صِغاراً، كُنَّا نَسمَعُ أَنَّ «هذا الْمَوضوعَ لَمْ يَأْتِ وَقْتُهُ»، والْمَقْصودُ بِذلكَ مُراجعةُ ما حَدَثَ، وَمَنْ فَعلَ ماذا، وَلِماذا، وَغَيرُها مِنَ الأَسْئِلةِ التي تَبقَى مُؤجَّلةً إِلى وَقْتٍ غَيرِ مَعْلوم؛ لأَنَّ الزَّمانَ ليس زَمانَ طَرْحِها. وَهكذا كَبُرْنا، ومازِلْنا نَسْمَعُ الْجُملةَ والشّعارَ يتردَّدُ بِعدَّةِ أنماطٍ وَمِنْ كُلّ جانِب، مِنْ دون أَنْ يأْتيَ الوقتُ الذي يُمكنُ أَنْ نَتعلَّمَ فيه مِنَ الماضي وَمِنَ الحاضر، وَأَنْ نستخدم كلَّ ذلك مِنْ أَجْلِ أنْ نَسْتَعِدَّ وَنَصنعَ مُستقْبلاً مُختلفاً، كما تَفعلُ كَثيرٌ مِنَ الْمُجتمعاتِ.
وَعِنْدَما كُنتُ أَدرُسُ الْهندسةَ، كان من المفاهيم الأَساسيَّة تقول لنا إنَّ أَيَّ نِظامٍ هَندسيّ (أَو غير هَندسيّ)، لا يَكتمِلُ وَلا يَكونُ نِظاماً إلَّا إذا احتوى على feedback، أي «تغذية راجعة»، فمَثلاً جِهازُ ضَبطِ بُرودةِ الْمكيّف، لا يقومُ بِضبطِ دَرجةِ الْحرارةِ أَو الْبُرودةِ إلَّا مِنْ خِلالِ تَغذيةٍ راجعة. وَكُنَّا لا نَجدُ كَلِمةً وافيةً وَمُكتمِلةَ المعنى بِاللغةِ الْعربيَّة لترجمة feedback بِحيثُ يُمكنُ أَنْ نستخدِمَها باستمرار. وَهذا رُبما يَشرَحُ لنا جُزءاً من الْمُشكِلةِ، فالتَّطوُّرُ الْحضاريُّ قام على نَهضةٍ عِلميَّةٍ حَديثَةٍ في كُلّ الْعُلومِ والْحُقول، وَهذهِ جاءت معها مُصطلحاتٌ تَتَضمَّنُ مَعانيَ عَميقةً جِدًّا، لكنَّ العالمَ العربيَّ كان غائباً عَنْ كَثيرٍ مِنْ جَوانبِ الحضارة، وبالتالي فإنَّ مِثلَ هذه الكلماتِ والمُصطلحات والمفاهيم قد لا تَتوافرُ بِصورةٍ وافيَة.
وَلِذلك، فَليسَ مُسْتَغْرباً، أَنَّ تَقويمَ الأَخطاءِ، أي «التَّغذية الرَّاجعة»، ليس مَوجوداً في الْعملِ السياسيّ، ولاسيَّما أَنَّ هذا الْمفهومَ يَفترضُ أَنَّ مَنْ يَتصدَرُ الْعملَ السياسيَّ يُمكنُ أَنْ يُخطئَ، في حِين أَنَّ مَوروثاتِنا تَقولُ إنَّ الْخطأَ بَعيدٌ عَنْ أُولئكَ الذين يَتمكَّنونَ مِنَ الوُصولِ إلى صَدارةِ الْعملِ السياسيّ (مِنْ هذا الْجانب أَو ذاكَ)، وَبِالتالي فَإنَّ مُناقشةَ الْأَخطاءِ تُعتبرُ خُروجاً عَنِ الخطّ الشعبيّ الْمُعارض، أوْ خُروجاً على النظامِ الرسميّ. وعليه، فلا غَرابةَ أن يُستبْدلَ تقييمُ الأوضاعِ والمُمارساتِ بتَنابُزٍ وَسُخريةٍ، وَإثارةٍ للأحقادِ وَالْكراهية، وجُنوحٍ نَحوَ الْقهْرِ والْقمْع والْعُنْفِ والإرْهابِ، بَدلاً منَ التَّفاعُل وَالتَّعاطي بِمنهجٍ يَّرتقي سِلميّاً بِالمُجتمعِ الإنسانيّ إلى مُستوىً أَفضل مِمَّا كانَ عليهِ بِاستخدامِ الْحِكمةِ وَالْخُبرةِ، وَبِإفساحِ الْمجالِ للتَّعدُّديَّةِ في الآراءِ وَالتَّسامُح.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4858 - الجمعة 25 ديسمبر 2015م الموافق 14 ربيع الاول 1437هـ
الحق
قاتل الله الجهل فاتل الله الجهل الجهل لاعلاج له المشتكى لله
بالتأكيد
المراجعة واجبة للتصحيح ، ومن اجل ان تنجح المراجعة يجب ان تكون هناك "نوايا حسنة" تستهدف حماية البلد وحفظ امن وامان المواطنين ، واحترام القوانين من اجل ذلك يجب الضرب بيد من حديد على من يمس سلامة الوطن وأمنه ، لا تسامح ولا مراعاة لأي امر سوى العيش بأمن وامان للمواطنين كافة
عبد علي البصري
نكسه 67 تختلف اختلاف جذريا عن التغير السياسي والجتماعي الحالي لذلك لا نستطيع ان نطبق كلمه fee back يوم كانت الحكومات قوميه واليوم التغير ديني وليس قومي , المحاربين من شتى الجنسيات تجمعهم أرض واحده الشام والقتال تغلفه عقيده وفكر مشترك , كنا نصيح فلسطين عربيه واليوم الصيحه اختلفت داعش , وآخرين يقولون فلسطين اسلاميه , الحرب الأخرى في اليمن عربيه عربيه , وهذا ما كان من قبل . كل شيء حولنا جديد , فنحن مقبلون على مستقبل جديد .
عبد علي البصري
الخطأ وارد يقينا لقصور البشر , ولاكن المشكله لَمن يكون هذا الخطأ متعمد لذاته (الكذب)والله توعد الكذابين بالنار . أما عن تصحيح الخطأ فيقتضي من المصحح أن يكون عارفا للصح وللخطأ أعني عنده رأي و منطقيه في الحياه صحيحه , أعني غير مشوه التفكير والاعتقاد , يعني مضلل .( يوم يحملون اوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم ) هناك شعوب لا تعقل (أسلوب التفكير الصحيح )فكيف تعرف الخطأ فتجتنبه أو تصححه! اعرف الحق تعرف اهله و العكس صحيح .
تقويم الأخطاء يكون من رأس الهرم وقادة الأمة ومن بيدهم زمام الامور
دائما تحاولون القاء اللوم على زعماء المعارضة والذين ليس بيدهم شيء بينما من بيده زمام الامور وهو من يسير الامور للمآزق والاوضاع الصعبة لا تطالبونهم بالاعتراف بأخطائهم