قالت الباحثة والكاتبة البحرينية منى عبّاس فضل: «إن الحراك الشعبي في الوطن العربي قارب وصالح مؤقتاً بين الرجل والمرأة، إلاَّ إنه لم تستطع تغيير واقع النساء الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ في غمضة عين».
وأضافت فضل في ندوة عقدت بمقر جمعية وعد في أم الحصم مساء الأربعاء (23 ديسمبر/ كانون الأول 2015) «إن هناك عملاً ضخماً وتراكميّاً يحتاج إلى جهود نوعيّة للتنظيمات النسائية والنقابية والسياسية والتيارات الحداثية في إعادة قراءتها لظروف مجتمعاتها خصوصاً في علاقتها مع الإسلام التنويري إنَّ صح التعبير، وعدم الاكتفاء بالتفرج والنقد اللاذع واجترار ذات التحليلات التقليدية حول تخلف الدين أو الارتماء في أحضان أنظمة غير ديمقراطية كمنقذ من هذا الواقع».
وذكرت في مستهل ورقتها «خمس سنوات مضت منذ انطلاقة الشرارة الأولى لعصر التحولات في العالم العربي، وهي فترة كافية كي نتعرف فيها إلى الأدوار التي لعبتها النساء في انتفاضات الشوارع واحتجاجات الميادين، كما إنها مناسبة لمعرفة ما أعقبها من متغيرات كانت ومازالت النساء شريكات فيها، ويشكلن قوة فاعلة ومؤثرة في عملية التغيير الذي أعقب الانتفاضات والثورات ويقدمن التضحيات».
وأردفت أنّ «ظاهرة المشاركة النسائية في الحراكات الوطنية لم يقتصر على التيارات اليسارية والوطنية، إنما شملت الإسلام السياسيّ، خصوصاً وقد تميزت العقود الثلاثة الأخيرة بصعود حركات الإسلام السياسيّ في مجتمعاتنا العربية عامة، وبما تحمله من خطاب متفاوت لصورة المرأة ودورها وحقوقها ومكانتها، كما إن مشاركة المرأة البحرينية من هذه الناحية لها دلالة على تأثير التنشئة الأسرية ومحيطها الذي ينمي الوعي ويزرع قيم التمسك بالمطالبة بالحقوق وعدم التنازل عنها، ولا يمكن للمرأة في هذا الحال إلا أنّ تتجاوب وتتفاعل بقوة مع الحراك الذي دعا إليه وتصدره الشباب والشابات، ومن ناحية أخرى لها دلالة بأنّ المنعطفات السياسيّة التي رافقتها ثورات اجتماعيّة وثقافيّة في البحرين كما في المجتمعات الأخرى، غالباً ما كان للمرأة وجود قوي فيها».
وتابعت «لقد بدا جليّاً كسر النظرة النمطية التقليدية الشائعة عن تلك المرأة المتوارية التي غالباً ما يتم تصويرها بأنها خاضعة وخانعة ملازمة لبيتها لا تشارك في الحياة العامة، فقد لعبت دوراً كبيراً وغدت عنصراً أساسيّاً من عناصر حركة الاحتجاج في المدن والمناطق الريفية، أتقنت مهارات التّواصل والإحاطة بتفاصيل الحدث السياسيّ ومتابعته اليومية، لم تعد السياسة بالنسبة لها ترفاً وشعاراً أجوف يتداول في المنتديات وورش التدريب التي تنفذها المنظّمات الدولية بالشراكة مع مؤسّسات رسمية أو بعض مؤسّسات النخب النسائية، لم تعد المسألة مسألة محاكاة رقم هنا ورقم هناك، فالفوج تلو الفوج من نساء الميادين تكفل بتحطيم قيم ونظريات وإعادة تشكيل للرؤية والفكر والإيديولوجيا».
وواصلت فضل «تعددّت الآراء واختلفت التحليلات حول تقييم طبيعة حضور النساء وحجم مشاركتهن والمكانة التي احتلتها النساء وتمثيلهن في أطر المؤسسات وهياكلها ما بعد الحراكات العربية والتغيير في بعض البلدان العربية، كما إن الدساتير والتشريعات التي استحدثت لم يلحظ عليها الحرص في المحافظة على حقوق المواطنة للنساء إلا في بعض التجارب، وبالتالي فإن الحال كان متفاوتاً في الحقوق وفي طبيعة المشاركة والتمثيل والنظرة إلى المرأة، فهناك من ناهض ولا يزال يستنكر مشاركتهن ويعتبرها خروجاً عن الإجماع ومعارضة غير مقبولة للحكم يُستحق عليها العقاب والتأديب، وقيل إنها نتيجة مؤامرة خارجية ينبغي تحاشي مطبها، وعلى النقيض هناك من وجد فيها تعبيراً عن تأثير التنشئة في أوساط المنظمات السياسيّة بمختلف اتجاهاتها، وهناك من اختلف حول علاقة مشاركتهن بمستوى وعيهن السياسيّ، ورأي بأن وجودهن في الميدان تعبير عن تبعية إيديولوجية ذات طابع ديني لا أكثر ولا أقل، وآخرون اعتبروها تعبيراً عن قهر اجتماعي وشعور بالظلم والغبن والتمييز الطائفي بحقهن كمواطنات وكنساء، ووجد البعض الآخر بأنها فرصة سانحة لهن لممارسة حرية التعبير والاعتقاد والمساواة في التعليم والعمل والحماية من ممارسة العنف عليهن بكل أشكاله».
وأكملت «من هنا، ومهما اختلفت الآراء ووجهات النظر، يمكن القول، إنَّ المشاركة بحد ذاتها في الحراك الوطني العربي تشكل حالة من حالات الوعي والدافعية نحو المطالبة بالحقوق وترسيخ المكتسبات، وخصوصاً بما أفسحته الثورة المعلوماتية وشبكات التّواصل الاجتماعيّ من مجال للتحرك وتحفيز المبادرات وتنوع الإبداعات، إنها تجربة تراكمية لوعي الشباب والشابات وتفتح أذهانه على المستجدات، كما تتيح للمتابع منهم والمشارك فرصة لإعادة إنتاج وعيه الخاص ورؤيته للأوضاع من حوله وكسر حاجز الخوف الذي لمسناه بوضوح عند فئات كبيرة من النساء في ساحات التحرك الشعبي».
وأشارت إلى أن «من الواضح أنَّ هناك من يحاول تجميل واقع النساء وتجاهل ما يتعرضن له من عسف وظلم في سياق الانتفاضات والحراك الشعبي، هذا البعض يجهد في تبييض دوره أمام الغرب ببعض ترقيعات هنا وهناك، فضلاً عن تبرير الخيارات الأمنية والاستبدادية والانقضاض على بعض المكتسبات التي تحقّقت للنساء عامّة وللعاملات خاصة من خلال تعديل بنود بعض القوانين أو سن تشريعات تتناقض مع شعارات التمكين الاقتصادية والسياسية المطروحة، وهنا ك بعض الآراء عن مشاركة المرأة في الربيع العربي، لا تأخذ في الاعتبار تنوع أوضاع النساء في كل بلد، إنما الاكتفاء بإعادة إنتاج ونشر الصور النمطية عن وضعها في الوقت الذي أثبت فيه واقع الحدث التاريخي أنَّ الأوضاع المتدنية التي تعاني منها المرأة العربية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالاختلالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من ارتفاع نسب البطالة في أوساط النساء وانتشار الفقر والأمية وشح فرص التعليم وغياب المواطنة وممارسة الحقوق السياسية التي تعيشها هذه الدول منذ عقود». وأضافت «بعد نزول آلاف النساء إلى الشوارع، هل الربيع العربي هو ربيع للنساء؟ هل التحولات السياسية وتضحيات النساء ومعاناتهن ستحمل لهن الآمال، أم إنّ التاريخ سيعيد نفسه؟ خصوصًا وعمليّة التحول الديمقراطيّ عبارة عن منظومة قيم ومبادئ والتزامات اجتماعيّة مشتركة بين المواطنين والمواطنات دون تمييَّز في الدين والجنس والعرف واللون... إلخ، أو هكذا نفترض.
وختمت فضل «لاشك أنَّ الميادين قاربت بل وصالحت مؤقتاً بين الجنسين، إلاَّ إنها لا تستطيع تغيير واقع النساء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في غمضة عين، هناك عمل ضخم وتراكمي يحتاج إلى جهود نوعية للتنظيمات النسائية والنقابية والسياسية والتيارات الحداثية في إعادة قراءتها لظروف مجتمعاتها خصوصاً في علاقتها مع الإسلام التنويري إنَّ صح التعبير، وعدم الاكتفاء بالتفرج والنقد اللاذع واجترار ذات التحليلات التقليدية بشأن تخلف الدين أو الارتماء في أحضان أنظمة الاستبداد كمنقذ من هذا الواقع».
ومن جانبه، قال عضو المكتب الشبابي بجمعية «وعد»، محمد عبدالله حسين إن «الأحداث التي جرت في البلاد قد خلفت انقساماً في المجتمع إلا أنه سرعان ما خفت الحدة بحكم طبيعة وتركيبة المجتمع البحريني وإن كانت الطائفية لاتزال موجودة في مجتمعنا إلا أن الشباب البحريني أثبت قدرته على التلاقي والتحاور بين التوجهات المختلفة والبحث عن المشتركات وهو ما لم يحققه الجيل الأكبر».
وأضاف أن «موجة الربيع العربي التي أزالت الأغبرة عن عيون الكثير من الشباب وغيرت اهتماماتهم ونشرت الوعي بينهم وإن لم نقطف ثمارها بعد إلا أنه مازال مدّها موجود على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تخلو من إبداء وجهات النظر حول الشأن العام وكشف بعض المعلومات الغائبة عن الإعلام وأهمها آراء الناس في مختلف المواضيع وما للنقاشات اليومية بين الشباب في خلق تراكمات من شأنها تغيير بعض وجهات النظر وربما القناعات للوصول لتوافق أكبر».
وأردف حسين «تعيش البحرين في الوقت الحالي مرحلة جمود سياسي، إضافة لتفاقم أزمة الإسكان والبطالة وتدني الأجور وغلاء المعيشة، وبات من الضرورة الإقدام على خطوة جريئة نضع فيها خارطة طريق تقود البحرين إلى بر الأمان، تبدأ بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لتهيئ لحوار جاد ينتج عنه عقد اجتماعي جديد يلبي طموحات جميع أبناء شعبنا ويكون الركيزة التي يلتف حولها كل البحرينيين لمواجهة التحديات والأزمات، وقد باتت عملية الإصلاح السياسي مسألة غير قابلة للتأجيل لإنقاذ الوطن من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البحرين نتيجة تراجع أسعار النفط الذي يعتمد عليه اقتصاد البحرين بشكل رئيسي».
العدد 4857 - الخميس 24 ديسمبر 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1437هـ
منى فضل
لطالما أعجبتني هذه الكاتبة التي لا تتوقف عن طرح الأسئلة الجديدة وتحريك الماء الآسن الذي يعيش فيه جُل الأكاديميين الكُسالى المسجونيين في العبارات الأيدلوجية المتخشبة المشلولة.. تبقى منى فضل دليل على وجود بحّاثة حقيقيين يمارسون العمل الفكري كتحدي وقلق لا يسكن ولا يستريح.. مثل ميادين وفضاءات الربيع العربي