يأتي صوت عالم دين مسلم على خلفية موسيقى تصويرية تقليدية لإقليم جاوة الإندونيسي وهو يناشد مستمعيه قائلاً: "إننا ندعو الآخرين لأن ينضموا إلينا لتدشين ثورة ذهنية".
وهذه الدعوة جاءت في لقطة من فيلم وثائقي من إنتاج أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا وهي جمعية نهضة العلماء، وذلك في إطار حملة لفضح أيدولوجية تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات المتطرفة. وأطلقت الجمعية على الفيلم اسم "رحمة الإسلام في أرخبيل الملايو"، والمقصود بالأرخبيل الجزر الإندونيسية حيث يوجد مفهوم للإسلام يقوم على التراحم ونبذ العنف والتعايش مع الأديان والمعتقدات الأخرى، ويسعى الفيلم إلى إلقاء الضوء على هذا المفهوم من الإسلام الذي يتسم بالتسامح ويمارس في إندونيسيا منذ قرون ويطلق عليه باللغة المحلية مصطلح "إسلام نوسانتارا".
وقال رئيس المجلس الاستشاري لجمعية نهضة العلماء، يحي ستاقوف "إننا بحاجة إلى إحياء فكرة" إسلام نوسانتارا "في الوقت الذي نواجه فيه خطر التطرف، ولكي نذكر المسلمين أن لدينا حضارة إسلامية تختلف عن تلك السائدة في منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) إننا "لا نسعى فقط لتفنيد المزاعم الدينية للمتطرفين، ولكن أن نوضح أيضاً أن المسلمين في إندونيسيا عاشوا لمئات الأعوام في تناغم مع أصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى".
وتم إنتاج الفيلم الوثائقي بالاشتراك مع مرصد فيينا للأبحاث التطبيقية بشأن الإرهاب والتطرف، ويركز الفيلم على دور الدعاة التسعة الذين أدخلوا الإسلام في الجزر الإندونيسية خلال الفترة الممتدة من القرن الرابع عشر إلى القرن السادس عشر.
ومن المعتقد أن الدعاة التسعة ساعدوا على انتشار الإسلام في إندونيسيا عن طريق مزج الممارسات الإسلامية مع العادات التراثية التي كانت سائدة من الهندوسية والبوذية وغيرهما من الأديان والمعتقدات، وبذلك - كما يقول الفيلم - أسس الدعاة مذهباً إسلامياً أكثر تسامحاً.
ويوضح الفيلم أن هذه التركة ألهمت الآباء المؤسسين لإندونيسيا بأن يؤسسوا الدولة الجديدة التي حصلت على الاستقلال عام 1945 على أساس أنها متعددة الأديان بدلاً من أن تكون دولة إسلامية.
وفي هذا الصدد أشار الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو الذي سبق له أن تحدث في عدة مناسبات عن إندونيسيا باعتبارها "الضوء المرشد" للعالم الإسلامي إلى أن "الإسلام الإندونيسي ليس هو الإسلام الغاضب".
وقال ويدودو في القصر الجمهوري في وقت سابق من العام الحالي "إن الإسلام الإندونيسي يتسم بالتحضر والتهذيب ومفعم بالتعاطف".
وتأسست جمعية نهضة العلماء في العام 1926 وسط مخاوف بين علماء الدين التقليديين - المقيمين فيما كان يسمى في السابق جزر الهند الشرقية التابعة لهولندا - من تزايد تأثير الأصولية الإسلامية القادمة من السعودية والتي تعرف باسم المذهب الوهابي.
وتزهو الجمعية حالياً بعضوية 50 مليون مسلم، مما يجعلها أكبر منظمة إسلامية في العالم.
ويقول أوليل أبشار عبدالله وهو عالم دين إسلامي ومؤسس الشبكة الليبرالية الإسلامية إن "الإسلام الإندونيسي يمكن أن يقدم وجهة نظر مضادة للإسلام المتطرف". ويوضح وجهة نظره قائلاً "إن الإسلام المتطرف ينبع في الغالب من منطقة الشرق الأوسط لأنها كانت مسرحاً لصراعات جيوبوليتيكية مستمرة، بينما كانت منطقة جنوب شرقي آسياً أكثر استقراراً نسبياً".
ومع ذلك توجد بعض الجماعات الإسلامية في إندونيسيا التي لا تكترث بالرسالة التي يبعث بها الإسلام الإندونيسي إلى المسلمين وإلى العالم الأكثر اتساعاً.
فمثلا وصف رئيس جبهة المدافعين عن الإسلام المتشددة، رزق شهاب هذه الرسالة بأنها تمثل إهانة للإسلام. وقال شهاب في مدونة على موقعه الإليكتروني "إنهم يرفضون التعاليم الإسلامية باستخدام ذريعة أن هذه التعاليم تنبع من الثقافة العربية".
ويعتنق أكثر من 80 في المئة من سكان إندونيسيا البالغ عددهم 250 نسمة الدين الإسلامي، مما يجعلها أكبر دولة في العالم ذات غالبية مسلمة. غير أن الحكومة الإندونيسية تنتهج العلمانية، ويوجد بها أقليات يعتد بها من المسيحين والهندوس والبوذيين. ومع ذلك لا تخلو البلاد من مشكلات مرتبطة بالتطرف.
فقد شهدت هجمات كبرى من جانب المتطرفين لعقد من الزمان حتى العام 2010، ومن أبرز هذه الهجمات التفجيرات التي وقعت في بالي عام 2002 وقتل خلالها 202 شخص.
وتقدر الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب أن 500 إندونيسي توجهوا إلى منطقة الشرق الأوسط للانضمام إلى تنظيم "داعش"، وقتل العديد منهم في المعارك. وحذرت الوكالة من أن المتطرفين العائدين يمكن أن يشكلوا تهديداً أمنياً لإندونيسيا.
وقال ناصر عباس وهو متطرف سابق ساعد السلطات الإندونيسية في جهودها ضد التطرف إنه من غير المرجح أن تؤثر حملة جمعية نهضة العلماء باستخدام الفيلم الوثائقي في اتجاهات العناصر المتشددة، غير أنها يمكن أن تحول دون اعتناق المسلمين العاديين الفكر المتطرف.