قالت مصادر دبلوماسية إن الأمم المتحدة تدرس خيارات "خفيفة" لمراقبة وقف محتمل لإطلاق النار في سوريا بحيث تظل المخاطر التي تواجهها عند أدنى حد ممكن وذلك بالاعتماد في الأساس على سوريين يعيشون على الأراضي السورية.
وكان مجلس الأمن طالب الأمين العام بان جي مون بالاجماع يوم الجمعة بوضع خيارات في غضون شهر لمراقبة وقف لإطلاق النار في سوريا. وهذه هي المرة الثانية منذ اندلعت الحرب الأهلية في سوريا في مارس آذار 2011 التي يدعم فيها المجلس خطة لإجراء محادثات سلام وهدنة.
وقد تزايدت أهمية الحديث عن دور الأمم المتحدة في مراقبة هدنة مع تجدد السعي لوقف إطلاق النار في سوريا ربما في أوائل يناير كانون الثاني بالتوازي مع محادثات تجري بين الحكومة والمعارضة.
وقد وضعت مجموعة من القوى الرئيسية من بينها الولايات المتحدة وروسيا ودول أوروبية كبرى وكذلك عدد من الدول الرئيسية في الشرق الأوسط خارطة طريق لمباحثات السلام السورية.
وقال دبلوماسيون إن خطط الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة ستسعى لتحاشي تكرار الكارثة التي شهدتها بعثة أرسلت إلى سوريا عام 2012. وقالوا إن تلك العملية فشلت لأن الأطراف المتحاربة لم تبد أي اهتمام بوقف القتال.
وأضاف الدبلوماسيون أن آلية المراقبة التي يجري بحثها تقضي باعتماد الأمم المتحدة على أطراف سورية بمثابة "وكلاء" على الأرض للإبلاغ عن الانتهاكات. ومن المحتمل أن تشمل هذه الخطة إيفاد مجموعة صغيرة من مسؤولي الأمم المتحدة غير العسكريين إلى سوريا لإجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق الانسان.
وقال مصدر دبلوماسي "فكرة التوكيل مطروحة حيث يبحثون فيمن تكون له المصداقية على الأرض في الحصول على المعلومات وإقامة آلية لنقل تقاريرهم إلى الأمم المتحدة."
ولإنجاح هذا النهج سيتعين على القوى الرئيسية الاتفاق على الأطراف السورية التي يمكن اعتبارها ذات مصداقية.
ومن المرجح أن تتقدم إدارة عمليات حفظ السلام بالامم المتحدة بخيار لارسال قوات لحفظ السلام إلى سوريا. لكن من المرجح استبعاد هذا الخيار على الفور في ضوء وحشية الحرب التي سقط فيها أكثر من ربع مليون قتيل.
وقال دبلوماسيون في المجلس الذي سيتعين عليه الموافقة على خطة المراقبة إن هذا الخيار مستحيل.
* "انفصال عن الواقع"
ويقول دبلوماسيون إنهم يريدون تجنب وضع يكون فيه للامم المتحدة وجود كبير في سوريا. فوجود عدد كبير من مسؤولي الأمم المتحدة على الأرض في سوريا سيتطلب ترتيبات أمنية كبيرة لحمايتهم.
وقال مصدر دبلوماسي "إذا كان لنا وحدة أمنية كبيرة فسيبدو الأمر فجأة وكأنها بعثة كاملة. وأي وجود للامم المتحدة في سوريا سيكون مستهدفا."
وقال مصدر آخر إن أداة أخرى لإنجاز أعمال التحقق من الانتهاكات قد تتمثل في استخدام طائرات دون طيار. وقد بدأت الأمم المتحدة استخدام هذه التكنولوجيا في مهام حفظ السلام في أفريقيا.
وكانت الأمم المتحدة اضطرت لتعليق عملياتها في المرة السابقة في سوريا. فبعد أن نشرت حوالي 300 مراقب غير مسلحين في ابريل نيسان عام 2012 اضطرت في أغسطس اب من العام نفسه لإنهاء المهمة بعد أن أصبحوا هدفا لحشود شعبية غاضبة وتعرضوا لإطلاق النار.
وقد أرسل مجلس الأمن المراقبين آنذك بعد موافقته على خطة لإحلال السلام في سوريا من ست نقاط طرحها كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية تدعو لإجراء محادثات وهدنة.
وفي ذلك الوقت كانت التقديرات تشير إلى أن عدد القتلى في الحرب الأهلية السورية يبلغ نحو عشرة الاف فقط.
وقال ريتشارد جوان الاستاذ بكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا "فريق الأمم المتحدة الذي توجه إلى هناك في ذلك الوقت كان في غاية الشجاعة واستغل تفويضه إلى أقصى حد ممكن."
وقد تعرضت قوة أخرى لحفظ السلام تابعة للامم المتحدة تتولى حتى الآن مراقبة الحدود الاسرائيلية السورية في مرتفعات الجولان لإطلاق النار مرارا بل وحوادث خطف على أيدي مسلحين يقاتلون قوات الحكومة السورية.
وقال جوان "من الواضح أن الوضع الأمني في سوريا سيكون أسوأ بكثير جدا هذه المرة. لذلك يتعين على بان أن يكون مبتكرا." وأشار إلى خيار الطائرات دون طيار.
ولن يسري وقف إطلاق النار على المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة وغيرهما من الجماعات الجهادية. وقال دبلوماسي إن ذلك سيجعل مراقبة أي هدنة أمرا "شديد التعقيد" لأن هذه المناطق ستكون دائمة التغير.
ومما يزيد المخاطر أن طائرات حربية من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى تقصف مقاتلي الدولة الاسلامية وجماعات جهادية أخرى في سوريا والعراق كما أن قوات روسية تهاجم مجموعة مختلفة من مقاتلي المعارضة بما في ذلك مقاتلون يحظون بتأييد الغرب.
وقال محلل إن إعداد خيارات لمراقبة وقف إطلاق النار أمر عديم الفائدة لأن أيا من الأطراف لا يريد فعليا إنهاء القتال.
وقال ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية "النقاش الدائر في الأمم المتحدة كله يبدو لي منفصلا بالكامل عن الواقع."