يشهد متحف «تيت بريطانيا»، المخصص للفنون في مدينة لندن، والذي تأسَّس في العام 1897، وحمل الاسم الأخير في العام 2000، وكان يُعرف باسم المتحف الوطني للفن البريطاني، معرضاً يحمل اسم «الفنان والإمبراطورية»، انطلقت فعالياته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ويستمر حتى العاشر من أبريل/ نيسان 2016. يحوي المعرض الأسوأ من الأعمال، وكذلك الأروع، وتتراوح بين البورتريهات، والتماثيل، ورسومات لكلاب ونباتات منقرضة. وبحسب المحرر الفني في صحيفة «الغارديان»، لورا كومنغ، في التقرير الذي كتبته يوم الأحد (6 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، فإن المعرض يقدم نماذج وصوراً ورسومات توضيحية ينقصها السرد... الرواية. نورد هنا أهم ما جاء فيه.
«الفنان والإمبراطورية»، المعرض الأخير في عام متقطع في نشاطاته بالنسبة إلى «Tate Britain»، ويُعدُّ الأسوأ بطريقة أو أخرى. بالنظر إلى الدليل الخاص به، لم يبْدُ جيداً. يُمكنك أن تقرأ -على الأقل- مقالات جادَّة ومفيدة عن جوانب مختلفة من الإمبراطورية، مقالات تبدأ من الخيال إلى العجْز... ومن الشوفينية إلى الرِّق... السياسة وقوانين العقوبات، مروراً بالمواجهة الأخيرة في كابول وفتح الممر الشمالي الغربي. ولكن في صالات العرض، هنالك الكثير من الصور والرسومات تفتقر إلى السياق الذي يُمكنها معه استحضار المعنى والحيوية. يبدو الأمر وكأننا أمام نماذج/ رسوم توضيحية طرحها منها السرد.
بقايا الإمبراطورية تبدو شاخصة ومرئية في كل مكان من حولنا، بدءاً من التماثيل في شوارعنا، وانتهاء بالطعام الذي نأكله، وكذلك الفن في صالات العرض عندنا... الفضول في المتاجر غير المرغوب فيها. كل ذلك هنا وهناك.
تمثال أوريل
الإرث الحيُّ والقائم من الصعب تحديده في الوقت نفسه. مازال المؤرِّخون يتجادلون بشأن إراقة الدماء في «أمريتسار»... بطولات الجنرال غوردون... عنصرية سيسيل رودس (يطالب طلاب أكسفورد الآن بإزالة تمثاله من كلية أوريل). لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن يبدو أنه بإمكاننا تغيير وجهات نظرنا عنه إلى الأبد. الاختلاف على القسوة والقتل مقابل المجد. أول شيء يجب قوله -وهناك الكثير في صالحه- هو أن هذا المعرض يبقى مُحايداً كما ينبغي طوال الوقت. ويظل الهدف هو دراسة كيف يمكن أن يكون الفن قد تأثَّر بالتاريخ الإمبراطوري، والعكس بالعكس: كيف أن إحساسنا بالإمبراطورية متجسِّد في الفن.
هذا هو إلى حد بعيد الجزء الأسهل. المعرض مليء بأعمال من النمط الفيكتوري. الرائد ويلسون وقواته، تنفد ذخيرتهم في ماتابيليلاند ولكنهم مازالوا يترنمون بالنشيد الوطني؛ فيما رجال القبائل على مقربة منهم؛ الجنرال جوردون يلبّي موته بشجاعة قبل أن يعمد حشد من الدراويش إلى حمل رماحهم في الخرطوم (رسْم جورج وليام جوي حظي بشعبية كبيرة جداً وتم تجسيده بالشمع في متحف مدام توسو).
الصمود الأخير للفوج الرابع والأربعين في غاندمك يُظهر أن جنود إسكس الذين هم في طريقهم إلى الموت، في محاولة للالتفاف حول قائدهم الملازم أول، توماس سوتر، وهو محاط بحزمة من الألوان في الأرض الأفغانية المفتوحة والمتجمِّدة. (أليسون سميث، في مساهماتها بالكتالوج الرائع، تفيد بأن البطاقات البريدية المُستقاة من لوحة وليام بارنز وولن تحقق رواجاً في بيعها في أسواق كابول حتى اليوم كدعاية ضد القوات البريطانية).
كلاب الدنغو
بعض المعروضات تم تضمينها فقط لأنها تحمل الجانب الساخر والفكاهي. الرسومات الأوَّلية لرودولف سوبودا، والصور العاطفية لمجموعة من قبل «الحرفيين الأصليين» التي تم جلبها من «أغرا»، كي تُظهر جانباً من الأداء الاستعماري والهندي في العام 1886، هي في الواقع تظهر المحكومين الذين تم تدريبهم في السجن. عليك أن تأمل بأنهم كانوا يضحكون في سرائرهم.
أفضل الفن يأتي من جورج ستابس، الذي لم يسافر إلى الخارج على الإطلاق. لوحته لكلب من فصيلة الدنغو، وهي من أكبر الكلاب الأرضية المفترسة في أستراليا، يُعتقد انه من سلالة الكلاب شبه المستأنسة. عادت إلى أسلوب حياة البرية عند إدخالها إلى أستراليا، على هذا النحو تم تصنيفها حالياً ضمن سلالات الذئب الرمادي، والسلالة بالنسبة إلى كثير من الأستراليين، هي رمز ثقافي، في حالة تأهُّب رائعة وساحرة.
النباتات والحيوانات النادرة، تجعل قسماً من المعرض غريب الأطوار بشكل واضح. يوجد مُخطط رسم لنمر من تسمانيا، وقد انقرضت تلك النوعية الآن، وهو نمر جرابيّ برأس كلب... حيوان لاحم منقرض كان أكبر نوعٍ معروف من مجموعة الدصيورات - فصيلة من الجرابيَّات- خلال عصر الهولوسين. لم يكن يعيش هذا الحيوان إلا على قارة أستراليا والجزيرتين القريبتين منها تسمانيا وغينيا الجديدة، على رغم أن الناس ما زالوا يزعمون أنهم رأوه في المناطق النائية. كما يحوي المعرض أكبر زهرة في العالم، والتي لا تشبه شيئاً بقدر ما تشبه جسماً غريباً يعاني من كثرة البثور على كامل هيئته.
يزدهر المعرض واقعاً بقوة يمكن ملاحظتها أينما ولَّيت وجهك في أي من أركانه وزواياه. وهو أمر رائع أن نرى الكهوف الهندية التي رسمها الهواة، والشلالات البرية في «Dusky Bay» بنيوزيلندا. كما أنه من المدهش رؤية لوحة توماس بينز التي أنجزها في منتصف القرن الثامن عشر، والتي تحوي مخلوقات غريبة منحوتة في الصخور الأسترالية وجذع شجرة الباوباب، وهي جنس نباتي يتبع الفصيلة الخبازية من رتبة الخبازيات. يحتوي هذا الجنس من النبات على ثمانية أنواع، ستة منها في مدغشقر، واحد في البر الإفريقي الرئيسي وشبه الجزيرة العربية وواحد في أستراليا، ويمكن وصف بينز بحق بأنه «المستكشف الذي رسم بدلاً من الفنان الذي سافر».