تم إلقاء الضوء في الحلقة السابقة على التشريعات والسياسات المنظمة للعملية التعليمية، وفي هذه الحلقة سيتم إلقاء الضوء على إستراتيجية إصلاح التعليم، تم اختيار التعليم كأولوية من أولويات الإصلاح والتطوير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، حيث تم وضع مبادرة شاملة في العام 2006 بين هيئات حكومية متعددة تهدف إلى رفع معايير التعليم على جميع المستويات وتسليح الشباب البحريني بالمهارات والقدرات التي يحتاج إليها للنجاح على الصعيدين الشخصي والمهني، وشهد العام 2009 توحيداً لجهود مبادرات تطوير التعليم مع بدء العمل في كل من هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب وكلية البحرين للمعلمين وإضافة كلية البحرين التقنية من ضمن كليات جامعة البحرين، وإنشاء كلية البوليتكنك البحرين، وامتدت برامج الإصلاح لتشمل مجالات جديدة أخرى مهمة.
وبدأ كذلك تنفيذ مبادرات التعليم ضمن الإستراتيجية الاقتصادية الوطنية، حيث عمل مجلس التنمية الاقتصادية بشكل وثيق مع كل من جامعة البحرين ومعهد البحرين للتدريب على تطوير خطط تنفيذية لتعزيز التطوير المؤسسي، والتفاوض؛ على توقيع مذكرات تفاهم بين هيئة ضمان جودة التعليم والتدريب والمجلس الأعلى للتعليم، وكذلك مع المجلس الأعلى للتعليم المهني لتنفيذ برامج خاصة بتطوير التعليم العالي وإدخال تطويرات على التعليم المهني على التوالي، وكذلك تطوير خطط لتعزيز المزيد من المشاركة في التعليم.
وفي السياق نفسه، تم وضع إستراتيجية لتحسين التعليم العالي مع معهد سياسات التعليم العالي في المملكة المتحدة. وفي سياق تطوير التعليم الثانوي، لكونه يحتل مركزاً مهماً في أي نظام تعليمي لكونها تمثل المرحلة النهائية من الدراسة النظامية لغالبية الطلبة، إضافة إلى ما لهذه المرحلة من ارتباطات متعددة تؤثر على مستوى أدائها ونوعية برامجها. فهذه المرحلة مرتبطة في بدايتها بالتعليم الإعدادي وبالتالي فهي متأثرة بشكل كبير بمستوى هذا التعليم ونوعية خريجيه. كما أنها مرتبطة بمتطلبات التعليم العالي بمختلف مؤسساته وكلياته وتخصصاته وكذلك بمتطلبات سوق العمل وإعداد الطالب للحياة والمواطنة بشكل عام.
وبالتالي فجودة التعليم الثانوي ومستوى أدائه يتقرران إلى درجة كبيرة بجودة هذه الارتباطات ونوعيتها. هذا الوضع يحتم ألا ينظر إلى إصلاح التعليم الثانوي بمعزل عن المتغيرات داخل النظام التعليمي أو المتغيرات والمستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخارجية التي تؤثر وتتفاعل مع هذا النظام. لذا شهدت السنوات العشر الأخيرة تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة، أفرزتها بدرجة كبيرة المتغيرات والمستجدات على الساحة الدولية والتي من أبرزها التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وبروز العولمة في أشكالها السياسية والاقتصادية والثقافة. هذه التحولات والتحديات تلقي على المؤسسة التعليمية تبعات كثيرة تتمثل في تربية الطالب التربية الوطنية السليمة التي حددها الدستور بالشكل الذي يعزز المشروع الإصلاحي ويدفعه إلى الأمام وتنمية روح الانتماء للوطن والاعتزاز بالهوية العربية والإسلامية وتنمية التفكير الموضوعي القادر على التحليل والنقد عند المواطن وتعزيز قدرته على العمل والإنتاج وتبني الأفكار والسلوكيات التي تصب في صالحه وصالح مجتمعه، والتي انبثقت من خلاله فكرة المدرسة الثانوية الشاملة والتي ترمي إلى تحسين مستوى إعداد القوى العاملة الماهرة والفنية وجعلها مهيأة بشكل أفضل للاندماج في سوق العمل، ليكون أكثر جاذبية لأعداد أكبر من خريجي التعليم الثانوي.
وبالتالي سيخفف الضغط الكبير الحاصل حالياً على التعليم الجامعي وسيكون لذلك انعكاساته الإيجابية على تحسين نوعية التعليم الجامعي وتقليص أعداد الخريجين منه ليناسب احتياجات برامج التنمية وسوق العمل، ويحدّ من تنامي مشكلة بطالة خريجي الجامعات. غير أنه ينبغي الأخذ في الاعتبار أن تبني المدرسة الثانوية الشاملة لا يمثل إلا عنصراً واحداً من مشروع إصلاح وتطوير التعليم الثانوي. إن التوجهات الرئيسية لتطوير التعليم والتدريب تعطي مساحة واسعة للعناية بالتعليم المهني والفني بما في ذلك التعليم الصناعي، كما أنّ السلم التعليمي في مملكة البحرين في المرحلة القادمة سيتم التفريع فيه من بعد المرحلة الإعدادية. كما أن مناهج التعليم الفني والمهني شهدت نقلة نوعية خاصةً بعد التعاون الوثيق مع منظمة اليونسكو في تطوير عدد من المناهج النوعية المتقدمة التي طلبت اليونسكو الاستفادة منها ضمن الخبرات الدولية المتميزة، ولغرض الاستفادة العالمية من تجربة التعليم الفني والمهني المطور الذي قامت وزارة التربية والتعليم بإعداده بالتعاون مع خبراء اليونسكو وتم إقرار تعميمه على دول غرب إفريقيا في اجتماع وزراء مجموعة غرب إفريقيا الاقتصادية (إيكاواس) التي تضم 19 دولة، وذلك بعد النجاح الذي حققه تطبيق المنهج في نيجيريا التي قامت بإعداد 500 كتاب في التعليم الفني والمهني على غرار تجربة مملكة البحرين. وبذلت جهوداً كبيرة في السنوات الماضية لتطوير التعليم الصناعي والمهني، بالتعاون مع العديد من الجهات المعنية بهذا النوع من التعليم من أجل تحقيق أقصى درجات المواءمة بين مخرجات التعليم والاحتياجات المتنامية والمتطورة لسوق العمل من العمالة البحرينية الفنية عالية المستوى في التكوين والتدريب، وكانت مملكة البحرين سباقة في تنفيذ التوجهات الصادرة عن المنظمات الدولية المعنية بشئون التعليم الفني والمهني، ومن أهمها تطوير المناهج والكتب الدراسية بما يلبي الاحتياجات المتنامية، وتحديث أساليب التعليم والتقييم، والاهتمام بالمستويات الثقافية والمهنية والتربوية للمعلمين في هذا المجال، بالإضافة إلى تطبيق نظام الجودة بجميع المدارس الثانوية، وتوسيع مظلته ليشمل كل محاور المنظومة التعليمية، ما أتاح الفرصة للحصول على اعتماد هيئة المؤهلات الأسكتلندية، باعتبار أن المدارس الثانوية الصناعية أصبحت مراكز لمنح المؤهلات المهنية.
إقرأ أيضا لـ "محمود التوبلاني"العدد 4852 - السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ