شكل منتدى «دراسات الخليج والجزيرة العربية»، الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة ما بين 5 و7 ديسمبر/ كانون الأول 2015، فرصةً للتعرف على الاتجاهات السياسية العامة في المنطقة، حيث شارك أكثر من 150 من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين العرب والأجانب.
المنتدى توزّعت أعماله على أربع جلسات يومياً، في محورين رئيسيين: حاضر ومستقبل التعليم والسياسة في منطقة الخليج. وغلب على المحور الأول المناقشات الأكاديمية، وقضية الهوية وحرية البحث العلمي وعلاقة نظام التعليم بسوق العمل، مع عرض التجارب التعليمية الناجحة، وما يعترضها من معوقات.
أما المحور الثاني (السياسة)، فتمركز حول تحديات البيئة الخارجية والعلاقات الدولية للخليج، وشهد مناقشات حيوية عكست أجواء التوتر والتغيّر الذي تتعرّض له دول الخليج.
المرأة وسياسات التعليم
على مدى ثلاثة أيام، اهتم المنتدى بمناقشة سياسات التعليم واستراتيجياته في دول الخليج، في جلسات منتظمة، وتناولت الباحثة عهود العصفور في ورقتها «سياسات الخصخصة والضغوطات على التعليم العالي في دولة الكويت»، حيث أوضحت مبررات توجه الكويت ودول الخليج الأخرى نحو خصخصة التعليم العالي، وقالت إن تقييم تجربة الخصخصة بعد 15 سنة من تطبيقها، يشير إلى أن مبرراتها الداخلية لم تكن المحفز الرئيس وإنما استجابة لطلب خارجي، فهذا الحل الذي بدأ بسياسة الخصخصة في 2000، لم يفد سوى في تأجيل العجز في تلبية الطلب الداخلي على التعليم.
الباحث علام حمدان وضع نموذجاً إحصائياً لقياس «العلاقة بين الاستثمار في التعليم والنمو الاقتصادي» في السعودية، التي أولت الاستثمار في التعليم العالي اهتماماً متزايداً باعتباره جزءاً من عملية التنمية المستدامة. وقال الباحث إن الدراسة لم تظهر للاستثمار في التعليم العالي دوراً واضحاً في التنمية الاقتصادية في السعودية، وإنّما على العكس من ذلك، حيث تبين أنّ الوفرات النفطية كانت المحرك للاستثمار في التعليم العالي».
الباحثان عدنان جوارين وبشير هادي تناولا العلاقة السببية بين سياسات التعليم وسياسات التوظيف، حيث خلصا إلى وجود قصور في سياسات التعليم في الخليج، وعدم اعتماد سياسات منسّقة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل إلى التوظيف، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة بطالة المتعلمين الشباب. واقترحا بناء خريطة طريق مستقبلية تبين متطلبات سوق العمل للكوادر الشابة حسب التخصص والكفاءة، وبناء نظام تعليمي يجاري التطورات العلمية والتقنية في العالم.
في ورقتها «إهمال الإنسانيات ومخاطر التدهور الفكري في جامعات الخليج العربية»، رأت الباحثة سامية قسطندي أن هذه الجامعات في وضعها الراهن، ونظراً لازدهار التفكير النقدي في أقسام العلوم الاجتماعية، تواجه تحدياً خطيراً بتوليد «معرفةٍ محلية أصيلة» تستند إلى ثقافة المنطقة وتاريخها وجغرافيتها، وتلبّي الاحتياجات الخاصة لمواطنيها.
التعليم والتمكين الحقيقي للمرأة
اهتمت آخر جلسات في محور التعليم، بمناقشة تأثير السياسات التعليمية في دول الخليج وانعكاساتها على التنمية والمجتمع. ففي ورقته «التعليم والتكوين المعرفي الدستوري والتاريخي ودوره في تعزيز قيم المواطنة»، أوضح يعقوب الكندري أنّ شعور المواطنة ينطلق من خلال تأكيد الثوابت التاريخية لدى المواطن، وتنمية وعيه السياسي، الذي يفترض أن يتلقاه في تعليمه المدرسي. ومن خلال دراسته على عينة من طلاب جامعة الكويت، كشف عن وجود خللٍ واضح في التكوين المعرفي الدستوري والتاريخي، بسبب الدور السلبي للمؤسسات التعليمية في هذا المجال.
في ورقتهما «التعليم الخليجي: من تعزيز الهوية الوطنية إلى بناء المواطنة»، حلّل الباحثان سيف المعمري وزينب الغريبية، نظم التعليم في البحرين والإمارات، ليخلصا إلى أن «المواطنة لا تُعد المشروع الرئيس للمدرسة الخليجية، على الرغم من التطورات السياسية المتنامية الرامية إلى تحقيق مزيد من الشراكة بين المواطنين وحكوماتهم بشكل يعزز من قيمة المواطنة في بناء الدولة».
الباحثة شريفة اليحيائي، اهتمت بدراسة «العلاقة بين التعليم وتمكين المرأة الخليجية»، حيث حققت دول الخليج قفزات في مجال تعليم المرأة، جعلها تتقدّم على دول عربية وعالمية في مستويات التعليم. كما أن دخول المرأة سوق العمل أدى إلى أشكالٍ من التمكين الاقتصادي، إلا أن المستوى المتقدم لتعليم المرأة ظل مرافقاً لتدنّي مستوى مشاركتها الاقتصادية والسياسية، حيث يشير التقرير العالمي للفجوة النوعية للعام 2014، إلى تدنّي المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة الخليجية، حيث تحتل أدنى الدرجات على مستوى العالم، وهو ما يمثّل حرجاً واضحاً في مسيرة تمكين المرأة الخليجية، ويدعو إلى إعادة التفكير في سياسات التعليم ومفهوم التمكين الحقيقي.
في هذا السياق، جاءت ورقة الباحثة كلثم الغانم: «هل يساهم التعليم في تمكين المرأة في المنطقة العربية؟»، وقالت إنه على الرغم من تطور واقع تعليم المرأة وحريتها في العمل، إلا أنها لا تزال خاضعةً للنظام الأبوي حيث تكون المرأة تابعةً للرجل، كما أن تعليم المرأة لا يعني أنّها باتت تتمتع بالقدرة على تغيير موقعها.
العلاقات مع القوى الدولية
خصصت ثلاث جلسات من اليوم الأخير لبحث علاقات دول مجلس التعاون مع القوى الدولية الكبرى.
الباحث الروسي مكسيم سوخوف تطرق للعلاقات السعوديّة الروسية، ومهّد له محمد المسفر بتساؤله عن مستقبل هذه العلاقة التي شهدت تطوراً كبيراً في العقد الأخير، لكنها انتهت بتهديد موسكو بضرب الرياض والدوحة. واستهل سوخوف كلامه بالقول إن الخلافات المريرة القائمة منذ سنوات طويلة، سمَّمت العلاقات الثنائية بينهما، ما جعل من المستحيل عملياً وضع أجندة بنّاءة؛ ففي حين كانت موسكو تشعر بالقلق الشديد إزاء ما عدّته دعماً سعودياً للجماعات المتطرفة في القوقاز، كانت الرياض محبطةً جرّاء ما عدّته مناصرةً روسية للمعارضين السياسيين للمملكة والأعداء المتربصين في المنطقة.
وحتى العام 2000، ظلّت العلاقات تراوح في المنطقة الرمادية، وكانت هناك إمكانات استثمارية، لكن التطورات الأمنية دفعتها للوراء. وقد بادرت روسيا بإرسال أعداد من الحجاج، وزار بوتين السعودية، لكن طرأت مستجدات في الساحة أثرت على هذا التوجه، وهي أحداث الربيع العربي، وزيادة الاضطراب في العلاقة السنّية الشيعية بالمنطقة، والطبيعة المتغيّرة للسياسة الخارجية الأميركية. وتوقع الباحث أن تستمر العلاقة بين توتر وتقارب، بعيداً عن الوصول إلى نقطة اتزان، بسبب اختلاف مصالح الطرفين.
رؤية سعودية
في المقابل، قدّم الباحث السعودي ماجد التركي رؤية مختلفة في ورقته «العلاقات الخليجية الروسية: فرص وتحديات»، فروسيا دولة كبرى مهمة، تمتلك 20 في المئة من الموارد الطبيعية والماء في العالم، بينما نسبة سكانها لا تتجاوز 2 في المئة، ما قد يجعلها ملجأً في المستقبل، فضلاً عن امتدادها الواسع من الشرق الآسيوي إلى الغرب الأوروبي.
وتحدث التركي عن تاريخ طويل من الصدامات بين البلدين، من 1933 حتى 1990، كما أن للمسلمين امتداداً في روسيا، عبر الشيشان والأنغوش والشركس ومسلمي روسيا البالغ عددهم 22 مليوناً، ولذلك لا تحاول روسيا العبث بالجانب الديني لكي لا يرتد عليها. وأشار إلى أن الجانب الخليجي يعوّل كثيراً على روسيا، والثاني: علاقات روسيا مع إيران، وإدراك روسيا أن إيران قد تكون خطراً على العمق الروسي الجنوبي في المستقبل، حيث المؤسسات الإيرانية حاضرة بقوة، وقد تفوق حضور اللوبي الإسرائيلي في روسيا، حسب قوله. كما أن توقيع الاتفاق النووي الإيراني وما كسبته طهران من نفوذ، قد يدفع روسيا للعمل على تحييد إيران وإضعاف نفوذها في سورية والعراق.
غير أن الباحث يرى أن الجانب المقلق في علاقات الطرفين، هو أن روسيا ضالعة في الملفات المهمة كالموضوع السوري بشكل مباشر، مع غياب قنوات تواصل فاعلة بين الطرفين، ما أوصل العرب إلى اليأس من عودة العراق إلى وضعها السابق.
اليابان والخليج
الباحث هادي مشعان تناول «الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات الخليجية اليابانية»، حيث أشار إلى جملة من العقبات والتحدّيات التي قد تقف أمام تطوير العلاقات الخليجية اليابانية، رغم إمكانية تطوير العلاقات الأمنية والاقتصادية معها إلى مدى أوسع. وعلى دول الخليج إذا ما أرادت الارتقاء بهذه العلاقات، أن تحقق أهمّ شروط الاستثمار لرأس المال الأجنبي، بضمان توفير بيئة تتميز بالاستقرار السياسي؛ والتعاطي مع الداخل بإرساء دعائم الاستقرار وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني.
الباحث سحيم آل ثاني اقترح في ورقته عن «التحوّل نحو آسيا ومستقبل التكامل الخليجي»، الاستفادة من نموذج «الآسيان» لبناء منطقة اقتصادية حرة في الخليج، وبناء سياسة خليجية لدعم القطاع غير النفطي، وتقديم حوافز اقتصادية للقطاع الخاص، والاستفادة من العلاقات التجارية النفطية في الدفع بسياسة تصدير للمنتجات غير النفطية.
ماذا عن الأميركان؟
الباحثة بكا واسر في تحليلها العلاقة بين الكونغرس الأميركي ودول الخليج العربية، أشارت إلى ازدياد نفوذ أعضاء الكونغرس في العلاقات الأميركية الخليجية؛ وعلى الرغم من النمو الكبير في العلاقة بين صناع القرار في الكونغرس ودول الخليج، إلا أن القادة الخليجيين لا يعدّون الكونغرس شريكاً لهم. وترجع ذلك إلى وجود التقاءٍ مؤقت في المصالح، وتطلعهم إلى إدارةٍ رئاسية جديدة في العام 2016، بعد تلاشي قدرة الكونغرس على التأثير في السياسة الخارجية لإدارة أوباما.
الباحث أسامة أبو ارشيد ذهب في ورقته إلى أن المتغيّرات التي عصفت بالشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، قد تشكل إرهاصات لإعادة صوغ الأسس التي حكمت العلاقات الأميركية السعودية لعقود، والقائمة على أساس «النفط مقابل الأمن»، وكون المملكة أحد أضلاع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. وأشار إلى وجود توترات اليوم بين الحليفين، ترتبط بوجود مقاربتين مختلفتين لأزمات الإقليم وقضاياه. فإدارة أوباما تسعى للتخفف من التزاماتها وأعبائها في المنطقة، للتركيز أكثر على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي تحاول إدماج إيران ضمن المعادلة الأمنية في الإقليم، وخلق توازن بين هذه القوى المتنافسة بحيث تظل الكلمة الأخيرة لها. وأوضح أن الاتفاق النووي مع إيران يأتي في هذا الإطار، حيث تسبّب في تصاعد القلق السعودي، فجنحت السعودية إلى أخذ زمام المبادرة بعيداً عن الحليف الأميركي، سواءً في البحرين العام 2011 أو اليمن في مارس/ آذار الماضي.
وخلص الباحث إلى أنه على الرغم من اختلاف مقاربة الحليفين السعودي والأميركي، إلا أنّ أسباب التحالف لا تزال قائمة ومستمرة في المستقبل المنظور.
الأزمات العربية ودول الخليج
وفي سياق متصل، قدّم الباحث عبدالوهاب القصاب ورقة عن «المتغيرات الجيوستراتيجية المصاحبة لعملية عاصفة الحزم: العرب وإيران مثلاً»، قال فيها إنه على الرغم من أنّ عاصفة الحزم كانت فعلاً خليجياً موجّهاً نحو اليمن، إلا أن التحدي كان موجّهاً نحو المسعى الإيراني للهيمنة، ومنعه من إظهار قدراتها، بل وحتى شلّها إن استدعى الأمر ذلك. وأضاف أن هناك عدة مؤشرات أكّدت تقدماً نوعياً للسعودية ودول الخليج على الاستراتيجية الإيرانية. ومن أهمّ هذه المؤشرات فشل البحرية الإيرانية - أداة الهيمنة الإيرانية الأولى في الخليج العربي - في تنفيذ حتى عملية إمداد صغيرة للحوثيين. من ناحيةٍ أخرى، كان منع طائرة إيرانية من الهبوط في مطار صنعاء بحمولتها من الأشخاص والمعدّات وإجبارها على العودة، دليلاً آخرَ على فشل مساعي الهيمنة الإيرانية.
الباحثة المصرية نجلاء مرعي حلّلت علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بـ «ثورات الربيع العربي». وأشارت إلى أن الربيع العربي قد غير ملامح السياسة الخارجية لدولة الإمارات، منها التغيّر الملحوظ في العلاقات مع دول الثورات العربية. هذا التغير الذي أدّى إلى تبنّي دولة الإمارات مواقف متغيرة وغير متماثلة مع الكثير من الدول الخليجية والعربية عموماً، إضافةً إلى مدّ الجسور الدبلوماسية مع إيران وأوروبا وأميركا خصوصاً.
وناقش الباحث محمد المسفر في ورقة تحت عنوان «قوة الدولة في المجال الدولي: دولة قطر والربيع العربي نموذجاً»، استخدام دولة خليجية هي قطر القوة الناعمة في العلاقات الدولية. وأوضح أن مفهوم القوة الناعمة يرتكز على امتلاك دولةٍ ما أدوات قوة معنوية، كوسائل الإعلام والتكنولوجيا والقوة الاقتصادية للتأثير في القضايا العالمية. وفي هذا الإطار، يمكن القول بأنّ دولة قطر في الوطن العربي تحتلّ مكانةً دولية تستمدّ قوّتها في المجال الدولي من عوامل متعددة ومتشابكة؛ منها الموقع، والموارد الاقتصادية، ووسائل الإعلام. وذلك، على الرغم من عدم امتلاكها مقومات أخرى للقوة الناعمة. إذ استطاعت بفضل عامل الإرادة السياسية أن تحتلّ مكانة متميزة في العلاقات الدولية، من خلال دخولها وسيطاً في النزاعات الدولية خصوصاً.
ناقشت الجلسة الأخيرة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية التأثير المتبادل بين دول الخليج والأزمات العربية، بدءاً بانعكاسات الأزمة العراقية على أمن الخليج العربي في ورقة قدمها الباحث ظافر العاني. ورأى أن هناك نوعين من التهديدات التي تمثّلها الأزمة العراقية للأمن الخليجي؛ أوّلهما نابع من طبيعة النظام السياسي العراقي القائم على الأسس الطائفية والمرتبط بنحو أو بآخر بالإستراتيجية الإيرانية، وثانيهما بسبب عجز بغداد عن منع انتقال التهديدات من الدول الخليجية وإليها.
العدد 4852 - السبت 19 ديسمبر 2015م الموافق 08 ربيع الاول 1437هـ