في العام 2012، استحدث عالم الإحصاء، الأميركي-اللبناني نسيم طالب مصطلح Antifragile، وذلك من خلال كتاب يحمل هذا العنوان... والمقصود منه هو امتلاك الأنظمة والمؤسسات لقدرة أكبر من المرونة، أطلق عليها مسمى antifragile، بمعنى أن المؤسسة أو النظام أو الفكرة لديها مرونة إيجابية ومتانة كبيرة تتحمل من خلال الإجهاد والصدمات، والضوضاء، والأخطاء، والهجمات المفاجئة، وانها في الوقت ذاته تقاوم الفشل.
المؤسسة أو النظام المضاد للهشاشة antifragile يستطيع أن يتحمل الأخطاء، و إذا وقعت فإنها لا تقضي على كل النظام أوالمؤسسة، وإنما تقوّيه مستقبلاً. مثلاً، إن نظام الطيران يتحمل سقوط طائرة ركاب لأي خطأ، ورغم أن الفشل فادحٌ بالنسبة لتلك الطائرة وللركاب عليها، إلا أن النظام الكلي للطيران يصبح أقوى بعد كل حادثة، وذلك لأن الدروس من سقوط هذه الطائرة أو تلك يتم تضمينها في إجراءات احترازية تحمي باقي الطائرات.
مبتكر هذا المصطلح هو ذاته الذي توقع حدوث «الأزمة المالية العالمية» في 2008 قبل أن تحدث، وذلك من خلال كتابه «البجعة السوداء» The Black Swan، الذي صدر في 2007. ولذا، فإن طالب يرى أن النظام المالي العالمي كان هشاً fragile لأنه لم يتحمل الديون التي سببتها فقاعة حدثت في سوق شراء المنازل في الولايات المتحدة الأميركية، وأن تلك الديون تسببت في هبوط أسعار العقارات، وإلحاق أضرار كبيرة بالمؤسسات المالية على مستوى العالم. تلك الفقاعة سببتها سياسات كانت تشجع على ملكية المنازل من خلال تسهيل الحصول على قروضٍ، وأدى ذلك إلى مغالاةٍ في قروض الرهن العقاري، على أساس النظرية القائلة بأن أسعار المساكن سوف تستمر في التصاعد. وعندما انفجرت الفقاعة، نشرت سمومها في أركان النظام المالي العالمي.
وفي رأي طالب، فإن النظام المالي العالمي (الذي تقودها أميركا) كان هشاً ولم يتحمل خطأ فقاعة سوق الرهن العقاري، ولذا فهو يطرح مفهوم antifragility ليوضح خاصية يجب أن تمتلكها المؤسسات، وهي تختلف جوهرياً عن مفهوم المرونة resilience، والتي تعني القدرة على التعافي من الفشل. أما antifragility فيقصد منها «القدرة على معاكسة الفشل»، وأن هذا المفهوم يمكن تطبيقه في علم تحليل المخاطر، وفي الفيزياء، وفي علم الأحياء الجزيئي، وفي تخطيط النقل، وفي الهندسة، وفي علوم الكمبيوتر، وفي إدارة المؤسسات.
مصطلح antifragility يعني، إذن، معاكسة الهشاشة، ويعني القدرة على الخروج من الفشل والإجهاد ومصدر الأذى، بإيجابية، وأن هذا النوع من الأنظمة والمؤسسات لا يخشى التقلبات، ولا يخشى من انعدام اليقين، أو من حالات الفوضى.
وعلى أساس ذلك، فإن المؤسسات المضادة للهشاشة، هي التي تمتلك استعداداً للتكيّف وتغيير السلوك بناءً على المعلومات المتوفرة «أثناء التشغيل والاستخدام». وهذا يختلف نوعاً ما عن أطروحة «المؤسسة المرنة» Resilient Organization، إذ إن الأخيرة تفسح المجال للمؤسسة بأن تتكيف في إطار مجموعة من السيناريوهات، في حين أن أطروحة المؤسسة المضادة للهشاشة Antifragile Organization ترى أن نظام المؤسسة يجب أن يكون قوياً ويتكيف في بيئات لم تكن معروفة سابقاً ولم يكن بالإمكان حتى تصور سيناريوهات لها.
هذا يعني، أن على المؤسسات أن تأخذ خطوات إضافية تفسح المجال للمؤسسة المرنة أن تكون أكثر متانة، وأن تعاكس الهشاشة. خاصية المضادة للهشاشة تتطلب تنظيم العمل على أساس فرق أصغر حجماً، يعمل كل فريق بدرجة عالية من الاستقلالية، ويعمل في الوقت ذاته ضمن عمل متشابك مع الفرق الأخرى.
الفكرة هي أن تسمح لكل فريق (أو وحدة عمل) أن تعمل باستقلالية كبيرة، لكي تخطأ وتتعلم من الخطأ. ولكن في حال حدث خطأ كالفيروس الذي ينتشر بسرعة، فإن المؤسسة يجب أن تكون جاهزة لعزل ذلك الخطأ ضمن حدود الفريق أو الوحدة، وأن تنشط مع باقي الفرق وتتفاعل بصورة مرنة مع الاضطراب، وأن تخلق قيمة مضافة من خلال التباين فيما بينها، وأن تتعلم من الأخطاء العشوائية التي حدثت، وأن تنتهج نمطاً جديداً من السلوك لتعزيز قدراتها المضادة للهشاشة.
إن معاكسة الهشاشة في نظم المؤسسات يتطلب احتضان التجارب وإفساح المجال للأخطاء، ولكن في الوقت ذاته تفادي حدوث تفاعلاتٍ أضخم تؤدي إلى زوال أو إفلاس المؤسسة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4850 - الخميس 17 ديسمبر 2015م الموافق 06 ربيع الاول 1437هـ
مقال جميل ومذهل
هالشغالات تخلينا نكبر ... ونقوى
شكراً دكتور، وولمزيد من هالنوع من المقالات اللي تفتح عيونا على آفاق غايبة عننا
ماهي الخصائص؟
ماهي خصائص المنظمات المقاومة للهشاشة؟
يعتبر المصطلعح "مقاومة الهشاشة" او الانكسار من المصطلحات الجدا حديثة
ويمكن تطبيقه علي الشركات والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية وربما حتي الحكومات عندما تكون هناك حاجة للتغيير، اي عندما نسعى جاهدين لطول العمر، والنجاح المستمر (أيا كان "النجاح" قد يكون). هناك كتاب آخر يسمي "اعادة اختراع المؤسسات" من تاليف Frederic Lalouxâ€ٹ حيث يطرح الحلول في كيف التغلب علي فشل او عجز او وقف شيخوخة المؤسسات. الخلاصة عمود يستحق المتابعة
العام الميلادي الجديد سيحمل الكثير من الازمات المالية والسياسية و اختفاء الحدود الجغرافية .... ام محمود
توقعت قطر أن يبلغ العجز في موازنتها لسنة 2016، نحو 46.5 مليار ريال (ما يعادل 12.77 مليار دولار أميركي)، مع انخفاض الإيرادات في ظل تراجع أسعار النفط والغاز، بحسب وسائل إعلام محلية الخميس.
وتشير الموازنة إلى أن إيرادات 2016 ستبلغ 156 مليار ريال، في مقابل 226 مليار ريال السنة الجارية
*******
مساء الخير دكتور منصور وحشتنا و كنا نتطلع الى مقالاتك المميزة و الاثرائية في المعلومات و تتناول اخر ما وصل اليه العلم و النظريات و الدراسات الحديثة لكن ل الاسف نحن نقترب من الحروب الكبرى و التصفيات و التغييرات
وزارة ... في البحرين مثال
كمثال لا الحصر تستخدم وزارة ...نفس النظام ( مقاومة الهشاشة) عبر تطوير اساليبها ( منذ السبعينات حتي اليوم) ولازلت تفعل ماتريده تحديدا ولكن في كل مرة يختلف الاسلوب ناهيك بانها تخرج من كل ازمة بصورة اقوى وبآليات اكثر تطورا وفعالية .
احسنت
ياريت تنزل مقالات من هذي النوعية بشكل اكبر استاذ