عادت حادثة «اعتداء» رجال الحسبة في حائل على بائعة مسنة وابنتها في سوق نسائية قبل نحو تسعة أشهر إلى الواجهة من جديد، بعد تداول خطاب اعتذار موجه من السيدة وابنتها إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وُصف بأنه «مُهين» للسيدة وابنتها، التي نفت بدورها صحة توقيعها عليه، مبينة ملابسات التوقيع ورفضها ما جاء فيه ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الحياة" اليوم الخميس (17 ديسمبر / كانون الأول 2015).
وأثار خطاب الاعتذار المنسوب إلى السيدة وابنتها، والذي تم تداوله خلال اليومين الماضيين على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ردود فعل واسعة، وخصوصاً أنه تضمن عبارات وصفت بـ«المسيئة» في حق عدد من مراسلي الصحف بحائل، في الوقت الذي نفت فيه أم عبدالعزيز توقيعها وابنتها على الخطاب المتداول، أو حتى الاطلاع عليه، مؤكدة أن من قام بالتوقيع على الخطاب هو ابنها، وأن توقيعه تم في ظروف «غير عادية وفي وضع أشبه بالإجبار، بعد أن أرغموه على ذلك، وأخبروه بأنه في حال لم يوقع على خطاب الاعتذار نيابة عن والدته وشقيقته سيكون السجن والجلد مصيرهما» بحسب ما قالت لـ«الحياة».
وقالت بائعة البسطة أم عبدالعزيز (47 عاماً) لـ«الحياة»: «مشكلتي مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقعت قبل نحو تسعة أشهر داخل سوق برزان النسائية، بعدما طلبوا مني تغطية النقاب، وأحيلت القضية حينها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، قبل أن تحال إلى المحكمة، التي أصدرت حكماً بالسجن 15 يوماً والجلد 30 جلدة علي وعلى ابني وابنتي، بحجة البصق والتهجم والاعتداء على أفراد الهيئة، على رغم أنني لم أحضر أية جلسة من جلسات المحاكمة».
وأضافت: «شملنا العفو الملكي، وتبقى لأفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحق الخاص، واتفقنا معهم على الصلح، ولم نتفق على الاعتذار نهائياً، وأرغموا ابني على التوقيع على خطاب الاعتذار، على رغم أنني لم أطلع عليه، وبعد أن أطلعت عليه أنا وابنتي، وهو منتشر عبر تطبيق «واتساب» صدمنا ما ذُكر فيه، وخصوصاً أنني شخصياً لم أتراجع عن كلامي الذي سبق أن تحدثت به.
وأضافت، بعد أن توقفت قليلاً عن الحديث إثر دخولها في نوبة بكاء: «أقسم بالله أن ما ذكرته كان صحيحاً، وأقسم بالله أنني كنت صادقة، كيف أعتذر وأتراجع عن كلام أنا لم أكذب فيه بحرف واحد»؟! مؤكدة أن هناك عبارات في خطاب الاعتذار للمرة الأولى تقرأها؛ مثل «إعلاميي الصحف الصفراء، لا أعرف معناها، لكن يبدو لي أنها عبارة مسيئة إلى الصحافيين الذين كتبوا عن الواقعة، ولهم مني كل الشكر، لأنهم كانوا صادقين ووقفوا مع الحق، ولم يكتبوا سوى الحقيقة، وأنا مستعدة للشهادة بصدق ما طرحوه»، موضحة أنها تعمل في السوق منذ أعوام عدة «الهيئة وقت حدوث المشكلة تركت نساء السوق كله، ولم تجد غيري تجبرها على تغطية النقاب، على رغم أني كبيرة في السن»، لافتة إلى أن رجال الهيئة طلبوا حينها «سجانات من سجن حائل للقبض عليّ، بحجة رفضي تغطية نقابي».
وأضافت: «حاولوا وقتها إنزالي من مركبة ابني، بعد أن حاولت مغادرة السوق كلها، حتى إنني تركت بضاعتي في المبسط»، مشيرة إلى أنها تعاني من صعوبة في المشي جراء «الروماتيزم»، وضعف النظر، وهو سبب ارتداءها النقاب، لتقدمها في العمر، وخصوصاً أنه لا يمكنها أن ترى وهي تغطي عيونها، وتحديداً في الفترة المسائية.
المحامي الجنيدي: التوقيع صحيح
< أكد المحامي عمر الجنيدي لـ«الحياة» صحة خطاب اعتذار أم عبدالعزيز وابنتها من هيئة حائل، وأنه موقع على ورق مكتب المحاماة الخاص به. وعن نفيها توقيعها وابنتها الخطاب، وأن ابنها هو من وقع نيابة عنها، قال: «إذا كانت تريد أن تنفي ذلك فلتنف، أما ما ذكرناه نحن فهو الصحيح»، لافتاً إلى أنه «لا يستطيع التصريح ببعض الأمور في القضية، وخصوصاً ما يتعلق في الشأنين القضائي والاجتماعي، ولاسيما أنه لم يتم الفصل فيها بشكل نهائي»، مبيناً أن هناك «قضايا مرفوعة ضد إعلاميين في حائل».
من جانبها، فضلت هيئة حائل التزام الصمت، ولم يصدر عنها أي تصريح في شأن ما تردد عن اعتذار بائعة البسطة. وحاولت «الحياة» أخذ تعليق المتحدث باسم الهيئة في حائل فهد العامر على موضوع اعتذار بائعة البسطة المُسنة ونفيها التوقيع عليه، وتوجهت إلى مكتبه في فرع الرئاسة بحائل، لكن لم يتسن لقاؤه. كما تم الاتصال به مرات عدة، وإرسال ثلاث رسائل نصية إلى جواله مرات عدة، إلا أنه لم يجب.
خطاب الاعتذار يتنافى مع تصريح مدير «الهيئة»
يتنافى مضمون الخطاب، الذي تعتذر فيه السيدة المسنة وابنتها إلى «الهيئة»، مع تصريح المدير العام لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة حائل في حينه، الذي أبدى فيه تقديره للسيدة وعملها بشرف للحصول على رزقها.
وجاء في خطاب الاعتذار الموقع باسم المسنة وابنتها أنه «إشارة إلى ما تم تداوله في وسائل الإعلام في شأن ما حصل مني ومن ابنتي تجاه رجال الحسبة المحترمين، وعما بدر منا، فإننا نقدم اعتذارنا إلى رجال الحسبة، ونفيد بأن ما حصل من ضجة إعلامية بأن رجال الهيئة قاموا بإهانتنا والاعتداء علينا بالكلام ورمي المأكولات التي أبيعها على الأرض، تلفيق وكذب علينا، ولا يمت إلى الواقع بصلة، فهم من أججوا نار الفتنة والشر، وحقيقة ما حصل لا يعدو أن يكون خلافاً بسيطاً وسوء تقدير من جانبنا، وتم استغلاله من بعض الإعلاميين المغرضين بهدف الوصول إلى الشهرة وتشويه صورة رجال الحسبة في المجتمع، ومحاولة خلق فجوة من الكره والعداء بينهم وبين أطياف المجتمع المختلفة، علماً بأنه سبق لي التعاون وبكل فخر وعزة مع أعضاء الهيئة داخل السوق في مواقف إيجابية كثيرة سابقة، وأنا هنا أهيب بدور رجال الهيئة المشرف في تدعيم قيم الشرع وروح الدين والتصدي لكل ما يخالف تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والمحافظة على الشارع السعودي، من كل ممارسات أو مظاهر تخالف الشريعة الغراء، وأكن لأعضاء الهيئة كل احترام وتقدير وأشكرهم على جهودهم الجبارة والملموسة في أروقة السوق كافة، وأشير إلى أن جميع الإعلاميين الذين تناولوا الموضوع مغرضون وحاقدون، وأرجو أن يحاسبوا ويقتص منهم بما يستحقون من العقوبة، فهم أشبه بإعلاميي الصحف الصفراء».
زمن
الفقراء والبسطاء والساعين في طلب الرزق؛ تتخطفهم الأيدي ويحتوشهم ذوو السلطة بمختلف أصنافها، دينية كانت أو غيرها.
ورغم عفو خادم الحرمين عن هذه المرأة وابنتها، إلا أن هؤلاء يأبون الاقتداء بفعل العفو وأخلاق التسامح.
ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ..