«يشعر الكثير من الأطفال بعد سنوات من الأزمة في سورية، أن حياتهم أصبحت يوماً واحداً طويلاً، كل يوم هو نفسه، فلا شيء جديداً يحدث. فيجب على الأطفال أن يعملوا وأن يبقوا على قيد الحياة وأن يساعدوا أولياء أمورهم في دفع الإيجار. يستطيع المحظوظون منهم فقط الذهاب إلى المدرسة. فتقول ياسمين التي تبلغ من العمر 12 عاماً: أنا أخاف من الحياة، أنا أخاف من هذا العالم».
كانت هذه مقدمة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في كتيب مشروع لحظة 2 الذي قامت به بالتعاون مع جمعية مهرجان الصورة - ذاكرة، وهو مشروع أقيم لتدريب الأطفال النازحين السوريين في لبنان على مبادئ التصوير.
فريق العمل اختار 500 طفل من تجمعات النازحين السوريين غير الشرعية في شتى مناطق لبنان حيث يعيش الأطفال في ظروف بائسة وفي تجمعات خيامها مصنوعة من كل ما تمكن الأهالي من جمعه من أقمشة وملصقات إعلانية مهملة وهو ما ظهر جلياً في صورهم بعد ذلك.
المشروع وفّر 500 كاميرا لهؤلاء الأطفال ودربهم على مدى تسعة أشهر، وكان هدفه أن يقدم دوراً علاجياً للأطفال من خلال التعبير عن أنفسهم بطريقة فنية ومبتكرة لتخفيف آلام الذين عانوا الويلات من الحرب والتهجير، فصوروا حياتهم اليومية واكتشفوا قدراتهم وطوروها.
وفي قاعة أحد مسارح بيروت قبل أشهر أقيم معرض باسم «لحظة 2» ليعرض الصور التي التقطها هؤلاء الأطفال بطريقة جميلة ومميرة واضعاً الكاميرات التي استخدموها مع أشرطة الـ «النجاتيف» في وسط القاعة بشكل مبعثر، لكنك تدخل القاعة فتشعر بحجم الأسى الذي عاشه ويعيشه هؤلاء الأطفال؛ فصور الخيام تشي بحال لا يمكن للعقل تصورها مهما حاول تخيّل بؤسها، التمزق من كل جانب، الرقع الكبيرة، الملصقات الإعلانية المهترئة والممزقة التي لم توضع هناك للإعلان عما تحمل؛ وإنما لتحمي من يعيش خلفها، فكانت بمثابة الجدار حين ضن عليهم الجدار بنفسه. كما تشعر بالعفوية الكبيرة التي تخلق الإبداع النابع من عمق المعاناة ومن عمق محاولة تعريف الآخر بما يجيش في الداخل من أحاسيس، من خلال صور الأطفال وابتساماتهم والتقاطاتهم لكل ما يظنون أنه جميل ومميز حتى ولو كان إطار سيارة ممزقاً زرعت بداخله زهرة تقاوم الموت، أوتحمل صوراً لما يظنون أنه اعتيادي ويومي، كطفل عارٍ إلا من ألمه وهو يجر أنبوبة غاز استطاع أن يحصل عليها؛ لعلّها تجلب له ولأسرته بعض الدفء في شتاء قارس وثلج لا يكف عن السقوط وأجساد عارية لا تملك ما يُدفِئها.
عظيم هذا المشروع، قلتُ هذا في نفسي حين دخلتُ المعرض؛ لأنه نقل المعاناة بعيون أطفال، ونقل التجربة التي قلّما تتكرر كدهشة طفلٍ معدمٍ يمسك الكاميرا لأول مرّة فيقول كما قال عمر ذو الثمانية أعوام: «إن الكاميرا أفضل من البندقية، التقاط الصور ينفعك، ولكن استخدام البندقية يؤدي إلى القتل». وكما يقول المصور اللبناني رمزي حيدر: «الصورة حقيقة، فكيف إذا كانت بعيون أطفال؟».
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4849 - الأربعاء 16 ديسمبر 2015م الموافق 05 ربيع الاول 1437هـ