أكد الخبير المصرفي الدولي والمتخصص في الصيرفة الإسلامية رئيس مجموعة البركة المصرفية العالمية عدنان أحمد يوسف " أن الرؤية الثاقبة لجلالة الملك حفظه الله ورغبته الصادقة والمخلصة في أن تكون مملكة البحرين في مقدمة الركب الحضاري العالمي مكنت المسيرة التنموية في المملكة من تحقيق العديد من الإنجازات البارزة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحققت للبحرين مكانة مرموقة على المستويين الإقليمي والدولي".
وفي حوار مع وكالة أنباء البحرين (بنا) أشار يوسف إلى أن "المسيرة الاقتصادية للبحرين حققت نتائج مشرفة على مدار العقود الماضية. فبالرغم من إن جميع الدُول التي تعتمد على تصدير النفط مرت بمنعرجات وتقلبات كثيرة سواء في الثمانينات أو التسعينات أو بعد الأزمة العالمية عام 2008 أو في الوقت الراهن حيث تراجعت أسعار النفط إلى مستويات متدنية، فإن مسيرة البحرين الاقتصادية حافظت على توازنها وديمومتها واستطاعت أن تبني مرتكزات متينة ومشاريع ضخمة للاقتصاد الوطني".
وحول موضوع الساعة في البحرين قال الخبير المصرفي عدنان يوسف "أن الدين العام الحكومي ومن حيث الآجال يسيطر عليه الدين الطويل الأجل وهو سندات التنمية الحكومية وصكوك التأجير الإسلامية، وهما يبلغ مجموعهما معا 4.3 مليار دينار بحريني أي ما يعادل 71 في المئة من إجمالي الدين العام بينما 1.7 مليار دينار فقط هي تمويلات قصيرة الأجل القسم الأعظم منها أذونات الخزانة. وهو تقريبا مقسما بالتساوي بين الاقتراض من السوق المحلي والاقتراض من السوق الخارجي، وعموما فإن الاقتراض من السوق المحلي له إيجابيات كثيرة كونه يمثل قناة استثمارية منخفضة المخاطر للبنوك التي تتمتع بسيولة فائضة كبيرة. وبنفس الوقت يجنب البحرين المخاطر السيادية".
ــ نص الحوار:
البحرين الآن 16 عاما على جلوس صاحب الجلالة الملك حمد في الحُكم كيف تنظر لهذه الحقبة من تاريخ البحرين الحديث..؟
حققت البحرين الكثير من الإنجازات المشرفة في مسيرتها التنموية المباركة تحقيقاً لتطلعات شعبها في مزيد من التقدم والتطور والرقي. إن الرؤية الثاقبة لجلالة الملك حفظه الله ورغبته الصادقة والمخلصة في أن تكون مملكة البحرين في مقدمة الركب الحضاري العالمي مكنت المسيرة التنموية في المملكة من تحقيق العديد من الإنجازات البارزة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحققت للبحرين مكانة مرموقة على المستويين الإقليمي والدولي.
كما أن النهضة المباركة في البحرين كانت دائماً محل إعجاب وتقدير من قبل الدول الشقيقة والصديقة لما اتسمت به من ريادة وتطور وتميز وما حققته من تنمية بشرية شاملة انعكسـت على المستوى الحضاري للمملكة وشعبها العزيز.
وفي عام 2015 عززت البحرين من مكانتها كمركز تجاري واستثماري وسياحي رائد في المنطقة، وتصدرت البلدان العربية في مؤشر الحرية الاقتصادية وفقاً لتقرير مؤسسة هريتدج الأمريكية، وجاءت في المرتبة الثانية عربياً والسابعة عالمياً في مجال سهولة إصدار تراخيص المشاريع الاستثمارية وفقاً لتقرير البنك الدولي، وحافظت على معدلات نمو اقتصادي حقيقي مرتفعة تجاوزت 4 في المئة خلال السنوات الماضية، في ظل جهود تنويع مصادر الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 79.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعود التطور الاقتصادي البحريني إلى نمو الخدمات المالية في وجود 403 مؤسسات مالية ومصرفية، وتطور الصناعات التحويلية والمواصلات والاتصالات، وازدهار الأنشطة السياحية والتجارية في ظل استضافة هيئة البحرين للمعارض والمؤتمرات لأحداث وفعاليات دولية كبرى، علاوة على مشاريع الانفاق الضخمة الممولة خليجيا ومحليا وتطور مساهمات الاتصالات والصناعة والتجارة والسياحة.
كما تبوأت المملكة المرتبة الرابعة عربياً والـ (44) عالمياً ضمن الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً وفقاً للتقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لعام 2014، بما يعكس تحسن المستوى المعيشي للمواطنين وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 32 ألف دولار، وصدارة البلدان العربية في تحقيق أهداف التعليم للجميع وفقاً لمنظمة اليونسكو .
هل تعتقد بان البحرين قادرة على تجاوز مشكلة الدين العام دون أن يؤثر ذلك على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية..؟
المسيرة الاقتصادية للبحرين حققت نتائج مشرفة على مدار العقود الماضية. فبالرغم من إن جميع الدُول التي تعتمد على تصدير النفط مرت بمنعرجات وتقلبات كثيرة سواء في الثمانينات أو التسعينات أو بعد الأزمة العالمية عام 2008 أو في الوقت الراهن حيث تراجعت أسعار النفط إلى مستويات متدنية، فإن مسيرة البحرين الاقتصادية حافظت على توازنها وديمومتها واستطاعت أن تبني مرتكزات متينة ومشاريع ضخمة للاقتصاد الوطني تحقق له مواصلة الأداء الجيد.
ونحن كانت لنا قراءة مختلفة للدين العام، حيث يلاحظ إن الدين العام الحكومي ومن حيث الآجال يسيطر عليه الدين الطويل الأجل وهو سندات التنمية الحكومية وصكوك التأجير الإسلامية وهما يبلغ مجموعهما معا 4.3 مليار دينار بحريني أي ما يعادل 71 في المئة من إجمالي الدين العام بينما 1.7 مليار دينار فقط هي تمويلات قصيرة الأجل القسم الأعظم منها أذونات الخزانة. وهو تقريبا مقسما بالتساوي بين الاقتراض من السوق المحلي والاقتراض من السوق الخارجي. وعموما فأن الاقتراض من السوق المحلي له إيجابيات كثيرة كونه يمثل قناة استثمارية منخفضة المخاطر للبنوك التي تتمتع بسيولة فائضة كبيرة. وبنفس الوقت يجنب البحرين المخاطر السيادية.
في ضوء ما سبق أيضا يمكن القول أنه لا يمكن مقارنة حجم الدين العام البالغ 6 مليار دينار بالناتج المحلي الإجمالي البالغ تقريبا 12.7 مليار دينار عام 2014 لكون الناتج المحلي الإجمالي هو ناتج سنوي بينما الدين العام كما لاحظنا معظمه طويل الأجل. ولو أخذنا فقط حصة الدين العام لمدة سنة وهي 1.7 مليار دينار لكانت نسبتها 13 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة متواضعة. لكن هذا لا يمنع من القول أننا مطالبون بالتعامل بحكمة مع إدارة الدين العام حيث يتوجب السعي قدر الإمكان الاقتراض بآجال قصيرة ومن الأسواق الخارجية لأنها مكلفة للغاية. كما يجب العمل قدر الإمكان لتوجيه أموال القروض لبرامج التنمية الاقتصادية، علاوة على وضع خطة متوسطة الأجل لتقليل أعباء الدين تدريجيا.
وهل تعتقد بأن الإجراءات الحكومية لتخفيض المصروفات يمكن أن تؤتي أكلها..؟
سبق لنا وأن دعونا بأننا يجب أن نركز على تنويع القطاعات والأنشطة الاقتصادية كونها كثيرة ومنوعة وقابلة للتطوير والتوسع أكثر مما تركز على تنويع مصادر الدخل للميزانية لأن البدائل أمام تنويع مصادر دخل الميزانية محدودة ولأنها قد تؤثر على حياة المواطن المعيشية من جهة، ولأن تقليل الإنفاق سوف يحد من معدلات النمو الاقتصادي من جهة ثانية ولأن التنويع الاقتصادي لا بد أن يؤدي في النهاية إلى تنويع مصادر دخل الميزانية من جهة ثالثة.
إن الله سبحانه وتعالى أمر عباده بإعمار الأرض من أجل تحسين الحياة المعيشية للمجتمع والارتقاء بمستوى الإنسان. وهذا لا يتأتى إلا من خلال وضع الآليات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي لخلق الوظائف للمواطنين وتمليكهم مهارات وقدرات العيش الكريم وتقليل البطالة والقضاء على مشاكل المجتمع وخاصة الظواهر السلبية.
وخلق فرص التوظيف لا يتأتى بدوره إلا من خلال خلق الفرص الاقتصادية والاستثمارية وجذب الاستثمارات من خلال تحسين بيئة التشغيل والاستثمار وفي أنشطة واستثمارات إنتاجية وخدماتية تنوع مصادر الدخل وتواكب بنفس الوقت عاداتنا وديننا الحيف.
وفي المدى القصير، ومن أجل الإجراءات العاجلة، فإن كافة إجراءات تخفيض النفقات وإعادة هيكلة تضع أمامها عدم تأثر المواطن بهذه الإجراءات قدر الإمكان. ولكننا يجب أن نقول إنه كلما كانت هذه الإجراءات شفافة وواضحة كلما كانت ثقة المواطن فيها أكبر بل وسوف يدعمها. و لا ننسى دور الإعلام والصحافة في بث الوعي لدى المواطنين دون مبالغات يكون لها تأثير معاكس.
العام الجديد على الأبواب..ما هو استقراءك للاقتصاد البحريني والخليجي على ضوء انخفاض أسعار النفط عالميا..؟.
بالرغم من حالة الغموض التي تعتري المشهد الاقتصادي العالمي وذلك في ضوء انخفاض أسعار النفط، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوضع أفضل لمواجهة هذه التغيرات مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى حول العالم. لذلك من المتوقع أن تواصل هذه الدول مشوار النمو نحو عام 2016 وإن كان بوتيرة أبطأ قليلاً. ومن خلال الاعتماد على مزيج من سياسات التنويع واللجوء إلى الاحتياطيات المالية، ستتمكن دول مجلس التعاون الخليجي من الاستمرار في خططها للتنمية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن الأداء القوي على المدى الطويل سيتطلب إعادة النظر في كل من أولويات الإنفاق العام ومصادر الإيرادات الحكومية.
وسيكون من الضروري على ما يبدو تنفيذ المزيد من الإصلاحات بشأن سياسات الإنفاق العام وما يسمى بالدعم المعمم، ولكن إذا تم التعامل مع هذا التحول بطريقة تدريجية وفي الوقت المناسب، لابد أن يستمر النمو الاقتصادي القوي في كافة دول مجلس التعاون الخليجي.
أما بشأن البحرين، فإن التوقعات تشير إلى تحقيق الناتج المحلي الإجمالي عام 2016 نسبة نمو قدرها 3 في المائة. وفي مقابل تراجع دور النفط بسبب انخفاض الإيرادات، يتوقع ن تلعب القطاعات غير النفطية دور القاطرة للاقتصاد من خلال الإنفاق الكبير على مشاريع التنمية والممولة من برنامج الدعم الخليجي، كذلك توقع مواصلة نمو القطاع المالي، حيث أن كافة البنوك المحلية تتميز بأدائها الجيد وأرباحها المستقرة. كما من المتوقع أن ترتفع مساهمات قطاعات مثل الاتصالات والإنشاءات والسياحة بنسب تتراوح ما بين 6 – 8% خلال العام المقبل.
كخبير مصرفي عالمي وعربي، وخبير في الصيرفة الإسلامية العالمية كيف ترى المصرفية الإسلامية البحرينية ومسيرتها ؟
بالرغم من تزايد المنافسة إقليميا وعالميا، فأننا لا زلنا مؤمنين بأن البحرين تمثل مركزا رئيسيا للصيرفة الإسلامية ليس فقط بسبب كونها من أوائل الدول التي احتضنت الصناعة المصرفية الإسلامية وغدتها بكل عوامل النجاح، بل لكونها استطاعت على مر السنوات احتضان عدد متزايد من المؤسسات المالية الإسلامية، كما إنها تساهم مساهمة فعالة في تطوير التشريعات المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وابتكار المنتجات الإسلامية المواكبة لاحتياجات العملاء.
وتضم البحرين اليوم 24 مصرفًا إسلاميًا و7 شركات تأمين تكافلي وشركتان لإعادة التكافل تمارس نشاطها في المملكة. كما أصبحت البحرين أيضًا سوقًا رائدة للسندات الإسلامية (الصكوك)، تشمل الصكوك الحكومية قصيرة الأجل وصكوك الإجارة.
لقد كان النمو في قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية كبيراً، حيث قفزت الموجودات الإجمالية في هذا القطاع من 1.9 مليار دولار أمريكي في العام 2000 إلى 25.5 مليار دولار أمريكي في يونيو/ حزيران 2015 أي بزيادة فاقت أثنى عشر ضعفاً. كما ارتفعت حصة المصارف الإسلامية من السوق من 1.8 في المئة من مجموع الموجودات المصرفية في العام 2000 إلى 13.3 في المئة في عام 2015.
وبالإضافة إلى المؤسسات المالية الإسلامية الكثيرة في القطاع المالي البحريني، تستضيف مملكة البحرين أيضًا عددًا كبيرًا من المنظمات والهيئات الهامة لتطوير الخدمات الإسلامية، منها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومركز إدارة السيولة والسوق المالية الإسلامية الدولية، والوكالة الدولية الإسلامية للتصنيف وشركة دار المراجعة الشرعية. ويلعب مصرف البحرين المركزي دورا محوريا في تنظيم القطاع وفقا لأحدث التشريعات الرقابية والتنظيمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وعموما، نحن يمكننا القول اليوم إن الصناعة المصرفية الإسلامية باتت من السعة والتنوع والانتشار عالميا، لذلك فإن الصناعة المصرفية الإسلامية في البحرين باتت تمتلك أفقا عالميا ويمكن أن تمتد خدماتها لتشمل كافة العواصم العالمية التي تتطلع للاستفادة من تجربة وإمكانيات الصيرفة الإسلامية في البحرين.