بمناسبة احتفالات البحرين بالأعياد الوطنية، تبدو المنظومة القضائية البحرينية وبرعاية كاملة من المجلس الأعلى للقضاء، وهي تسعى بصورة مستمرة وحثيثة من أجل التطوير والتحديث، وبخطى متوازية مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، وذلك من خلال استراتيجية واضحة تبنتها السلطة القضائية.
ومنذ أن تم تشكيله عام 2013 بموجب الأمر الملكي رقم (45) لسنة 2013، وبعد أن أكمل عامه الثاني، أخذ المجلس الأعلى للقضاء على عاتقه المسؤولية من أجل قضاء عادل مستقل حائز على ثقة المجتمع، ومنذ ذلك الحين وبرغم عمر المجلس القصير، إلا أن إنجازاته تعد بصمة رائدة وواضحة في سجل السلطة القضائية.
ولعل ما يؤكد ذلك أن القضاء في مملكة البحرين، من حيث استقلاليته، وصل ترتيبه إلى الـ 41 عام 2015 بعد أن كان في المرتبة الـ 47 عام 2014، وذلك وفقا لتقرير التنافسية العالمية عام 2015ـ2016 الصادر من المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث تمكنت البحرين من القفز 6 مراتب خلال سنة واحدة، مما حقق تقدما ملحوظا على مستوى المعايير الخاصة التي يعتمدها التقرير.
ويعد ذلك مؤشرا جادا على أن القضاء المستقل والفاعل في البحرين له تأثير إيجابي في المجتمع، وخصوصا على الاستثمار، وبدا ذلك واضحا بالنظر لفعالية النظام القضائي في الفصل في الدعوى، ومدى كفاءة الإطار القانوني للقطاع الخاص في تسوية المنازعات، حيث جاءت البحرين في المرتبة 33 بعد أن كانت في المرتبة 40 عام 2015.
أما فعالية النظام القضائي الإداري وسهولة الطعن في الإجراءات واللوائح القانونية الصادرة من السلطة التنفيذية فقد أصبحت البحرين عام 2015 في المرتبة 28 بعد أن كانت في المرتبة 39، وهو ما يؤكد إيمان المملكة بأن تطوير العمل القضائي مكون هام من مكونات حماية التنمية الاقتصادية وعامل جذب للاستثمارات.
وتحتل المملكة المرتبة 39 وفقا للمسح من أصل 140 دولة مشمولة في التصنيف للترتيب العام، وذلك جنبا إلى جنب مع ألمانيا وسنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن كانت في المرتبة 43، وهو ما يؤكد مدى الجهد المبذول من المجلس الأعلى للقضاء في سبيل تطوير المنظومة بكاملها ليكون النظام القضائي في مملكة البحرين لا يقل تطورا عن أي نظام قضائي عالمي.
وتتضمن خطة السلطة القضائية حتى عام 2020، على التميز في تطبيق سيادة القانون باستقلالية وعدالة بما يعزز من ثقة المجتمع في كفاءة ونزاهة العمل القضائي ودوره ورسالته في الحفاظ على الحقوق والحريات والممتلكات العامة والخاصة في إطار التعاون والتكامل مع سلطات الدولة وطبقا للقيم والمبادئ التي اشتمل عليها ميثاق العمل الوطني وأكدها الدستور والقوانين النافذة.
وترمي التوجهات الاستراتيجية للسلطة القضائية إلى أن يكون القضاء قضاء عادلا مستقلا وداعما لجذب المستثمرين ولتحسين البيئة الاستثمارية ولرفع التصنيف الائتماني للمملكة، ومتكاملا مع الدستور والقوانين والتشريعات والجهات المختصة، وبغرض الوصول إلى قضاء كفؤ وسريع ومستجيب لاحتياجات المجتمع ومواكب لتطوره، إضافة إلى التحول بالعمل القضائي إلى قضاء ذكي يواكب الأنظمة الذكية من أجل تسهيل وتحسين جودة الممارسات القانونية والقضائية المختلفة.
وتبدو أهمية تحديث المنظومة القضائية من كونها تأتي استجابة لكافة التطلعات، استنادا إلى أن سلامة المنظومة القضائية وسرعة تنفيذ الأحكام أمر مقدس، ما يؤدي إلى اطمئنان المواطن والمتعامل فيرتفع بذلك معدل التعامل في السلع والخدمات وبالتالي الائتمان العام بما ينتج عنه ازدهار اقتصادي يشمل القطاعات كافة.
ويشار هنا إلى ما تحقق من منجزات في الفترة من 2013 إلى 2015، حيث تم إنشاء الأمانة العامة للمجلس الأعلى للقضاء، كما تم نقل موازنة المجلس من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف إلى المجلس الأعلى للقضاء، وبذلك تحقق للمجلس استقلاليته الإدارية والمالية.
كما تم إنشاء مكتب خدمات المتقاضين بهدف تيسير وتسهيل طريق الوصول إلى العدالة من خلال تقديم المساعدة القانونية المتخصصة وتوجيه وإرشاد المتقاضين وبيان حقوقهم ومسؤوليتهم القانونية في مختلف مراحل الدعوى وتقديم مختلف الخدمات القضائية بالإضافة إلى رصد أهم المشاكل التي تعترض طريق المتقاضين والتعرف على ملاحظاتهم وتلقي شكواهم.
وحرص المجلس على الاطلاع على التجارب الدولية حول أفضل الممارسات للعمل القضائي، واستقدام خبراء دوليين من أجل المشاركة في تطوير المنظومة تأكيدا لتعزيز ثقة المجتمع في النظام، كما تم إرسال وفد قضائي إلى هولندا من أجل تصميم منهج التدريب الأساسي لمشروع قضاة المستقبل، واستقدام خبراء دوليين من هولندا للمشاركة مع أعضاء لجنة التدريب القضائي في صياغة استراتيجية التدريب القضائي ( بعيدة المدى)، وكذلك تم استقدام خبراء دوليين من أجل تطوير إدارة التفتيش القضائي.
ومن ضمن المبادرات التي قام بها المجلس الأعلى للقضاء في اطار تعقب المشكلات العملية التي تعوق السير الطبيعي لإجراءات التقاضي ولتذليل المعوقات التي تواجه العمل القضائي، تمت دراسة وتحليل أسباب بطء إجراءات التقاضي في القضايا القديمة والموقوفة، وحرص المجلس على إعداد استراتيجية واضحة للارتقاء بالسلطة القضائية وكوادرها، وذلك لكي تعكس تطلعات القيادة الرشيدة في العمل على تقوية البناء المؤسسي للسلطة القضائية بشكل متكامل، وتعزيز ثقة المجتمع في النظام القضائي، وبما يضمن الأمن القضائي للمجتمع وحسن سير العدالة وما يواكبها من أنظمة قضائية كفؤة.
وتضمنت استراتيجية السلطة القضائية كذلك تعزيز مبدأ الشراكة والتعاون مع الجهات الحكومية وغير الحكومية حيث تم توقيع مذكرة تفاهم مع المجلس الأعلى للمرأة، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وهيئة الحكومة الإلكترونية، كما تم عقد عدة لقاءات تنسيقية مع معهد الإدارة العامة ومد جسور التعاون مع كل من المعهد الهولندي للتدريب القضائي ومعهد الدراسات القضائية والقانونية، وتعزيز المشاركات في مجال العمل القضائي لدول مجلس التعاون الخليجي وتطوير العمل المشترك مع وزارة العدل.
ومن أجل التواصل مع الجمهور وتعزيزا للثقافة القضائية، حرص المجلس على تدشين موقعه الإلكتروني بهدف التعريف بأهمية ودور السلطة القضائية، وتوفير أهم الأحكام القضائية للاطلاع عليها والاستفادة منها، كذلك إلى نشر وتوعية عامة الناس بالثقافة القضائية، وعرض الأخبار ومشاريع وأنشطة المجلس، بالإضافة إلى عرض الخدمات التي يقدمها.
وبخصوص المشروع الوطني لقضاة المستقبل 2014، قام المجلس بإطلاق المشروع كمبادرة غير مسبوقة بهدف استقطاب ورعاية الباحثين القانونيين والمشتغلين بالأعمال القانونية بالمؤسسات الحكومية والخاصة والخريجين من كليات الحقوق من كلا الجنسين وإعدادهم وفق أسس ومعايير شفافة وموضوعية ومعلنة، ليتمتعوا بأعلى درجات الكفاءة القانونية والمهنية، وتزويدهم بالمهارات اللازمة والمعرفة والثقافة ليصبحوا مرشحين مناسبين لتولي الوظائف القضائية.
وفي إطار الجهود الرامية للتطوير أيضا، أصدر المجلس الأعلى للقضاء القرار رقم 21 لسنة 2015 بتشكيل لجنة تصميم وتنفيذ ومتابعة برامج التدريب القضائية المختصة وإعداد خطة التدريب المستمر للقضاة العاملين وبرامجه، والتنسيق مع المعاهد المختصة نوعيا بالتدريب القضائي لإعداد ورش العمل إضافة للتنسيق مع خبراء التدريب في شتى المجالات التي من شأنها تعزيز الكفاءة.
وفي سبيل تحقيق المهمة المنوطة بها وإعداد خطة التدريب المستمر للعام (2015-2016) وفق رؤية مدروسة وشاملة، فقد تم رصد الحاجات التدريبية للسادة القضاة وإجراء استبانة بخصوص ذلك والوقوف على المآخذ القضائية الواردة في تقارير التفتيش القضائي والشكاوى ورصد ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى اعتماد القدرات والمهارات تماشيا مع مشروع قضاة المستقبل.