جاء مؤتمر التغير المناخي المنعقد في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2015 في باريس ليؤكد على التداخل المتصاعد بين تهديدات الأمن التقليدي ذات الطابع الأمني والعسكري التي تتمحور حول الدول، وتهديدات الأمن غير التقليدي البيئي والمجتمعي والإنساني التي تتمحور حول المجتمعات والأفراد، ومن ثم أضحت ظاهرة تغير المناخ تتسبب في تهديدات أمنية مثل الصراعات الداخلية والإرهاب وعدم الاستقرار.
وعلى الرغم من عدم تجاوز إسهام منطقة الشرق الأوسط في الانبعاثات الحرارية بالمقارنة بالدول الأكثر تقدماً إلا أنها الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، حيث تسببت موجات الجفاف والتصحر في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية وتراجع منسوب المياه في الأنهار وتآكل الثورة التعليمية مما أجج الصراعات على الموارد.
تفجر الصراعات الأهلية
وفقاً لدراسة "جون وتربري"، "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" في عام 2013، أدت موجات الجفاف السابقة على عام 2011 لتدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص وتسببت في نفوق ما لا يقل عن 85% من الثروة الحيوانية الخاصة، وتسبب ذلك في نزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل في المدن الكبرى وقاموا بتأسيس حزام من التجمعات العشوائية الطرفية التي تحيط بالمدن الكبرى مثل حماة وحمص ودرعا وهو ما أسهم في تفجر الصراع في سوريا عقب استخدام نظام الأسد للقوة العسكرية ضدهم.
ينطبق ذات الأمر على الصراع في درافور بالسودان، حيث انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30% وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70% وارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوي بمعدل 1.5 درجة مما أدى لتفجر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة نتيجة الصراع على مراعى الماشية.
تمدد التنظيمات الإرهابية
تتضح أهمية الموارد لدى التنظيمات الإرهابية في سعي تنظيم داعش للسيطرة على سدود الفلوجة والموصل في العراق، ومناطق زمار وسنجار وربيعة، بهدف التحكم في مياه نهري دجلة والفرات في العراق والموارد المائية في سوريا فضلاً عن السيطرة على المناطق الخصبة القابلة للزراعة في الدولتين.
كما أكدت دراسة أعدها أرون سيان صادرة عن معهد السلام الأمريكي في يونيو 2011، إلى أن نشأة تنظيم "بوكوحرام" في نيجيريا ترجع إلى التحولات البيئية وتغير المناخ، حيث ارتبط تأسيس "مروي محمد" لتنظيم بوكو حرام في الثمانينات بانتشار ضحايا الأزمات البيئية في نيجيريا وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفي مرحلة تالية استفاد تنظيم بوكو حرام من هجرة 200 ألف مزارع تشادي إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر في تشاد، حيث قام بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه.
تصاعد الاحتجاجات البيئية
اتجهت دراسات متعددة للربط بين التغيرات المناخية وتفجر الثورات العربية، وهو ما تؤكده دراسة "الربيع العربي والتغير المناخي" الصادرة عن مركز المناخ والأمن في واشنطن في عام 2013، حيث أن إخفاق بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيافي تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتصدي لموجات الجفاف والتصحر ونقص إمدادات الطاقة دفعتهم للمشاركة في الاحتجاجات السياسية.
وفي المقابل تصاعد نمط آخر من الاحتجاجات البيئية في دول االمنطقة على مدار السنوات الماضية، على غرار العصيان المدني، مثل الاحتجاجات على استخراج الغاز الصخري في مدن ورقلة وعين الصالح بالجزائر في مارس/ آذار 2015، وهو ذات الاتجاه الذي ساد في إسرائيل في عام 2013، حيث قادت الاحتجاجات البيئية في منطقة "أدولام" منظمات مثل "إتحاد إسرائيل للدفاع عن البيئة" و"تجمع حماية الطبيعة في إسرائيل" و"التحالف الصهيوني للخضر".
وشهدت مصر بين عامي 2011 و2012 تكراراً للاحتجاجات البيئية مثل الاحتجاجات ضد مصنع أسمدة موبكو بدمياط واحتجاجات سكان قريبة فارس قرب أسوان على عمليات التنقيب عن الغاز.وفي مطلع عام 2014، تأسست حملة "مصريون ضد الفحم" في الإسكندرية بهدف التصدي للتلوث الناجم عن استخدام شركة لافارج للأسمنت للفحم في عملياتها الإنتاجية. وفي مارس/ آذار 2015، هددت بعض الجماعات البيئية بالاعتصام عقب تصريحات حكومية بالسماح باستخدام الفحم في مصانع الأسمنت.
تردي الأمن الإنساني
أدت التغيرات المناخية أيضاً لمضاعفة تهديدات الأمن الإنساني. وتكاد تتفق أغلب الدراسات البيئية على أن تغير المناخ من المرجح أن يؤدي لزيادة النازحين واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر خاصة في البحر المتوسط لنزوح حوالي 3.8 مليون شخص من سكان دلتا النيل والسواحل إلى المناطق الداخلية وفق تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014، يضاف إلى ذلك أن مدن ساحلية مثل الإسكندرية، مصر وبنغازي، ليبيا والجزائر، الجزائر باتت معرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحر المتوسط.
وقد أشار تقرير البنك الدولي الصادر في نوفمبر 2014 بعنوان "مواجهة الواقع المناخي الجديد"، إلى أن المنطقة العربية ستشهد تبخراً للموارد المائية الشحيحة خاصةً في نهري دجلة والفرات ونهر الأردن وبحيرة طبرية وانخفاض غلة المحاصيل بنسبة 30% في مصر والأردن وليبيا، كما يؤكد تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلى أن 12% من أراضي مصر الزراعية ستتعرض لمخاطر متعددة.
إجمالاً يمكن القول أن التهديدات الناجمة عن التغير المناخي باتت تتجاوز نطاقات الأمن البيئي والأمن المجتمعي والإنساني وأضحت ترتبط بالأمن التقليدي والاستقرار الداخلي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد ضرورة تصعيد الضغوط على الدول الصناعية وسريعة النمو الأكثر إسهاماً في الانبعاثات الحرارية للمساهمة بقوة في التصدي لتداعياتها الخطيرة وتغيير المفاهيم والمدركات حول مخاطر الأمن البيئي لدى النخب السياسية والإعلامية ومحاولة إيجاد بدائل لمواجهة أزمات نقص المياه والغذاء وصياغة سياسات لمواجهة موجات النزوح الداخلي المتوقع.
محمد عبدالله يونس مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مصر