احتلّت تونس واجهات الصحف الغربيّة بعد الإعلان عن فوز الرباعي الراعي للحوار الوطني أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وتوالت التقاير والتحاليل إمّا مثمّنة هذا الإنجاز التاريخي لتونس، وإمّا مشكّكة أو متوجّسة خيفة من هذا التكريم نظراً لأن الجائزة كثيراً ما ارتبطت بأجندات سياسية غربيّة غير بريئة النوايا. كما احتفل العالم بالحدث الخميس 10 ديسمبر/ كانون الأول 2015 حين تسلّم الرباعي الراعي للحوار الوطني بتونس، جائزة نوبل للسلام في حفل بهيج أقيم بأوسلو بحضور ملك النرويج وزوجته، وذلك تقديراً واعترافاً لهذا الرباعي بجهوده في عملية الانتقال الديمقراطي بتونس، فتصدّرت التجربة التونسيّة من جديد الصفحات الأولى لعدد من الصحف والنشرات الإعلامية العالميّة، بينما غابت أو كادت تغيب من كبرى الصحف العربيّة.
وأَجِدُنِي في هذه المساحة في حاجة إلى مزيد تقليب النظر في هذا الحدث البارز عربياً إن لم يكن الأبرز؛ إذْ لا يحصل العرب على هذه الجائزة كل سنة. ذلك أنّ هذا الإنجاز التونسيّ يبقى مفخرة للعرب جميعاً، في زمن الإرهاب الممنهج الذي أتى على الأخضر واليابس فلم يُبْقِ ولم يَذَرْ إلا من رحم ربك من البشر.
نعم، يأتي هذا التكريم لسببين على الأقل: تثميناً للانتقال الديمقراطي للسلطة في تونس منذ هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وتقديراً لقدرة التونسيين على التوافق والخروج من المآزق السياسية بالحلول السلمية والحوار المتمدّن. فقد قالت رئيسة لجنة جائزة نوبل، كاسي كولمان فايف، «إن الرباعي جنّب البلاد الوقوع في حرب أهلية العام 2013، إذْ يعود له الفضل في إرساء حوار بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية». وأضافت لجنة جائزة نوبل أنّ الرباعي «تمكن من الجمع بين مختلف التيارات، وأثبت أن الإسلاميين والعلمانيين يمكن أن يتفاوضوا لإيجاد حلول في مصلحة البلاد». وهكذا، فإنّ حصول تونس على جائزة نوبل للمرّة الأولى في تاريخها دليل على أنّ الحوار والتوافق الوطنيّ هو السبيل الأوحد للوصول بقافلة الوطن إلى بر الأمان.
وبقدر ما تسهم هذه الجائزة في الحفاظ على الديمقراطية والسلم الأهليّ في تونس نظراً للقيمة الاعتبارية والرمزية لها دولياً، فإنّها تبعث برسائل عديدة إلى العالم، وتؤكد أنّ هذه البلاد كانت ولاتزال أرض سلام وأمن واستقرار، وأنّ مناخ الاستثمار فيها مؤات جدّاً. وليست هذه الرسالة الأولى؛ إذ عديدة هي المحطات الكبرى التي مرت بها تونس منذ 2011؛ على غرار نجاح انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 والانتخابات التشريعية في الشهر ذاته من 2014، التي ضمنت انتقالاً سلمياً للسلطة، وكذلك الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/ كانون الأول 2014م. ويتأكّد من خلالها أنّ المسار الانتقالي أرسى تقاليد جديدة مختلفة عمّا هو سائد في دول الجوار التي عرفت ثوراتها انتكاسة أو توجيهاً أو توظيفاً من أطراف خارجيّة غربيّة لا تخفى أطماعها في هذه البلدان إمّا لثرواتها النفطية، وإمّا لموقعها الاستراتيجي.
وأمّا بعض الضربات الإرهابية التي وقعت هنا أو هناك في تونس فهي لم تزِد النسيج السياسيّ والاجتماعي للبلاد إلا لحمة وتماسكاً؛ حيث تتحرك كل القوى: المدنية منها قبل الرسمية، لمجابهة هذا الغول الذي لم تسلم منه دولة قوية أو ضعيفة، غربية أو شرقية، مسلمة أو غير مسلمة، ديمقراطية أو استبدادية.
صحيح أنّ تونس تمكّنت من تجاوز التحدي السياسي بانتخاب مؤسسات دائمة، غير أن التحدي الاقتصادي لايزال قائماً، وتعتبر المرحلة القادمة مفصلية في تاريخ البلاد وذلك للمرور إلى السرعة القصوى اقتصادياً، حتى تتمكن من مجابهة النسب العالية من البطالة، وتحقيق مزيد من التقدم في نسب النمو الاقتصاديّ، زيادة على تحقيق الحد الأدنى من مطالب الشعب في التنمية العادلة بين المحافظات.
إنّ إحراز الرباعي الراعي للحوار الوطني، ومن ورائه تونس، جائزة نوبل للسلام للعام 2015م، مناسبة جديدة ستساعد بالتأكيد تونس على الخروج من مرحلة الانكماش الاقتصادي، وتحقيق نسبة نمو إيجابيّة. وذلك بفضل المناخ السياسي المستقرّ، والتفاهم الحاصل بين الأحزاب ذات الغالبيّة في مجلس نواب الشعب.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 4847 - الإثنين 14 ديسمبر 2015م الموافق 03 ربيع الاول 1437هـ
كالعادة وككل إنجاز فيه.. وعليه...
وتوالت التقاير والتحاليل إمّا مثمّنة هذا الإنجاز التاريخي لتونس، وإمّا مشكّكة أو متوجّسة خيفة من هذا التكريم نظراً لأن الجائزة كثيراً ما ارتبطت بأجندات سياسية غربيّة غير بريئة النوايا
نوبل والسلام
لا تتردد في الكتابة عن تونس فهي تجربة مضيئة والجميع يستفيد من نضجها