ما لا تعرفه في السفر عن الدول ومجتمعاتها عبر الصحافة والإعلام، يمكنك أن تعرفه من خلال الحديث مع سوّاق التاكسي، فهم يمثّلون مصدراً للمعلومات العامة الأولية عن بلدانهم أو البلدان التي يعيشون فيها.
خلال زيارتي الأخيرة للدوحة، لجأت إلى سيارة الأجرة مرتين، وفي كل مرةٍ تقابل شخصاً من بلد مختلف، للطابع الأممي المختلط السائد في مدن الخليج. هؤلاء المهاجرون يمثلون عوالم قائمةً بذاتها، في مدننا التي أغرقتها موجات الهجرة حتى غيّرت معالمها في الكثير من الأحيان.
الأول كان فلبينياً أربعينياً، يعمل منذ سبع سنوات، وله زوجةٌ وأطفال، لم يتمكّن من استقدامهم معه، لصعوبة الشروط والإجراءات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف المعيشة. سألته عن عدد الفلبينيين في الدوحة فقال إنهم في حدود 200 ألف. أردت أن أستوثق من رقمه، فسألته عن سكان العاصمة الفلبينية مانيلا، فقال: ما أعرفه أنهم 10 ملايين قبل خمس سنوات. علّقت: لقد قرأت قبل عدة أشهر في أحد الاستطلاعات أن العدد في حدود 15 مليوناً الآن. يبقى الرقم (200 ألف) كبيراً جداً في دولة خليجية صغيرة (ربما العدد الحقيقي 140 ألفاً)، مع ذلك كم ستكون أعداد بقية الجاليات الأجنبية؟
في طريق العودة إلى الفندق، استوقفت سيارة أجرة أخرى. كان السائق الثلاثيني الأسمر يضع عوداً صغيراً يقلّبه بين أسنانه، فيما هو يستمع إلى المذياع حيث تتناثر بعض الكلمات العربية الغامضة في كلام المذيعة. بعد قليلٍ من الصمت، سألته مخمِّناً: هذه الإذاعة صومالية؟ فابتسم وأجاب: لا... أرتيرية. ويبدو أن عربيته ضعيفة، فطلب مني الحديث بالإنجليزية. بادرته بالقول: بلد آسياس أفورقي. هل تحبّه؟ فقال: نعم. الرئيس سياسته اشتراكية، يعيش مع الناس ويحاول أن يساعدهم ويحاول أن يحارب الفساد.
عاد هو ليسألني: من أين أنت؟ قلت: البحرين، قريبة من هنا. فشعّ وجهه بفرحٍ غامر فاجأني. سألته: هل تعرفها؟ أجاب: نعم، عشت فيها خمس سنوات. البحرين جميلة. أنا أحببت العيش معكم. وزوجتي كانت تحب البحرين كثيراً. لقد عاشت فيها عشر سنوات، وهناك التقيتها وتعرّفت عليها، وارتبطنا بعلاقة ثم لمّا عدنا إلى أرتيريا وثّقنا زواجنا في الكنيسة. سألته: وهل لديك أطفال؟ أجاب: نعم، ولد وبنت، في العاشرة والثامنة عشرة.
عدت أسأله: في أي منطقةٍ عشت؟ أجاب: رأس رمان، وكنت أعمل في المنامة والجُفَيْر. نفس عملي هنا، سائق تاكسي لدى شركة. سألته: لماذا لا تستقدم عائلتك؟ أعاد عليّ الإجابة نفسها التي سمعتها من زميله الفلبيني: تشديد الإجراءات وصعوبة الحياة. هنا، ورغم كثرة الأجانب، لا يُفتح الباب على مصراعيه لاستقدام الأجانب وتوظيفهم وتوطينهم على حساب المواطنين. فـ «المواطن أولاً» سياسةٌ تُنفّذ وليست شعاراتٍ تُرفع للتمويه.
حاول السائق الأسمر أن يتمثّل بالأرقام، فذكر أنه كان يسكن في غرفةٍ بمبلغ ستين ديناراً في رأس رمان، (وهي حي شعبي صغير لا يفصله عن المنطقة الدبلوماسية غير شارع واحد)، وراتبه كان ألف دولار. أما في الدوحة، فتستلم ثلاثة أضعاف الراتب الأول، ولكنك تدفع ثلاثة أضعاف أجرة السكن. حتى الطعام رخيص. تدخّلت لأصحّح معلوماته: لكن الآن سترتفع كل الأسعار. قال مستغرباً: لماذا؟ أجبته: بسبب انخفاض النفط، فكيلو اللحم ارتفع من دينار واحد إلى دينارين ونصف، والدجاجة (كيلو واحد)، كنت تشتريها بدينار ربما ستصل إلى دينارين، صحّحني: الدجاجة الصغيرة بدينار و200 فلس. حتى البترول سيرتفع، مع الكهرباء والماء (ولم أذكر قصة فرض رسوم المجاري لأنها مهينةٌ ومسيئةٌ جداً لسمعة البحرين).
إن الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت يا رفيقي... وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلا صبابةٌ كصبابة الإناء، وخسيسُ عيشٍ كالمرعى الوبيل. والله المستعان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 4846 - الأحد 13 ديسمبر 2015م الموافق 02 ربيع الاول 1437هـ
عندهم كل هالخيرات
ومع ذلك ما يوزعون الجنسية على كل من هب ودب ولا يسمحون لهم بجلب عوائلهم حفاظا على هويتهم ووطنهم.وينكم.
مسامحة استاذ
لكن ويش استفدنا من المقال؟!
مقالاتك السابقة افضل
للأسف
رغم ما لديهم من خيرات، والله يزيد ويبارك لهم، إلا انهم لا يجنسون الأجانب.
الى رقم 3
هذا هو الواقع بحذافيره
ولا يحتاج إلى تمويه ولا تزوير ولا تطبيل
اليس كذلك؟
ابو طاهر القرمطي
الكلام حلو مع أصحاب التاكسي وخاصه الشيياب
القادم اكثر
والله لا يغير علينا!!!!!!!!
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوّم!!!!!
لم يدمر البحرين غير التجنيس
ورغم كثرة الأجانب، لا يُفتح الباب على مصراعيه لاستقدام الأجانب وتوظيفهم وتوطينهم على حساب المواطنين. فـ «المواطن أولاً» سياسةٌ تُنفّذ وليست شعاراتٍ تُرفع للتمويه.
استاذي
استاذي الكريم ويش عن تكاسي البحرين ليش ماتكتب عنهم وعن حياتهم ومئساتهم .
مب غي صالحك إن كتبو عن تكاسيك
خل الجدر امغطي أحسن لك ، بتشوف التعليقات كله ضدهم ،، تكاسينه دايسين في جبدنه دوس خلها مستوره يا الطيب ، احنه إللي عندنه مآسي من عمايلهم.
راس رمان
و تبقى راس رمان عنوان العيش الامن. سلام عليك يا راس رمان يا ارض الخلود
بحرانية
لله درك يا وطني ..
الفرق ان في قطر سائق التاكسي فلبيني وفي البحرين سائق التاكسي بحريني
الفرق ان في قطر الامن يكون مواطن قطري وفي البحرين الامن يكون من الاجانب
للأسف هذا واقعنا
متى يطبق المواطن اولا مثل باقي البلدان ؟
المواطن اولا
المواطن أولا حقيقة لا يمكن انكارها
المواطن أولا في سلب الحقوق
على الجرح
المواطن أولا
الله المستعان
عذاري يالبحرين. خيرش لغيرش
خوش سفير
والنعم فيك تصلح سفير للبحرين في الخارج
سواق سيارات الأجرة
سواق سيارات الأجرة واجهة من واجهات البلد فيجب على الدولة أن ترعاهم و تثقفهم و أن تكرمهم حتى يكونون خير دليل للسائح .
هذه حقائق الكل يعرفها
ما تحتاج الى سفير ولا طبال. المؤسسات المالية الدولية خقضت مستوى البحرين والموضوع منشور في صحفنا.
عجبني الموضوع
شي حلو الشخص يتعرف على ثقافات الدول واقتصادهم
انها البحرين بلد العجائب
من رأى طيبة شعب البحرين لا يصدّق الروايات المتتالية والمتعاقبة لزجّ اسمه بالارهاب ولا يتقبل عاقل ان هذا الشعب المسالم الذي يوصف في قائمة الشعوب المسالمة ان يكون به باع في الارهاب وسفك الدماء.