اختتمت في العاصمة الدنماركية، أعمال ندوة «الفساد وصعود التطرف» التي نظمها المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، بالتعاون مع منظمة الشفافية الدولية في الدنمارك ومعهد كارنيغي للسلام الدولي، في 8 ديسمبر/ كانون الاول 2015 والتي حملت شعار «الفساد والحكم التعسفي يهدد الاستقرار والأمن الدولي» وشارك فيها خبراء ومحللون وباحثون من الدنمارك وأوروبا وآسيا وافريقيا.
ناقش المشاركون في الندوة، الروابط المتعددة، بين الحكم الفاسد والمستبد، والتهديدات التي تواجه الاستقرار والأمن الدولي، نتيجة الفساد وسياسات التنمية الخاطئة، والجريمة المنظمة وقضايا التشدد والتطرف والأرهاب الفكري والعقائدي، الذي بات سائدا الآن، ويضع كل من يعارضه خارج خانة التاريخ، على قاعدة نحن وحدنا فقط، أو تغيير الكون وقلبه رأسا على عقب.
والتقت آراء المشاركين، على أن دينامية التنمية والتطور أصبحت اليوم في ظل العولمة من أهم المشاكل التي تواجه العالم برمته، ولاسيما البلدان التي لم تبلغ بعد مستوى التطور والتقدم التكنولوجي والعلمي، وتحرير الشعوب من قبضة القيود المفروضة على الحريات، كما أن قضايا الفساد وتبذير الثروات الوطنية على نحو هائل، من شأنها أن تهدد ركائز الأمن والاستقرار سواء على المستوى الوطني أو العالمي، حيث يمكن رؤية غالبية الصراعات والاضطرابات الدائرة حاليا في أقاليم العالم المختلفة، سببها كثرة الفساد المنظم وقمع الحريات، وتبذير المال، والإثراء الشخصي الفاحش من قبل النخب الحاكمة، التي تحتكر ليس فقط زمام السلطة، بل أيضا مختلف وسائل القوة والردع والإعلام والصحافة، بدلا من تقديم كل الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.
ولهذه الاسباب ـ بحسب المحللين على هامش الندوة - استطاع تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» أن يجير كل الموارد المالية الطائلة التي جمعها في المناطق التي يسيطر عليها في سورية والعراق، من عائدات النفط وفدى المخطوفين وعمليات الخطف والسطو على البنوك وبيع الآثار وسرقة المحاصيل الزراعية وبيع الفتيات المخطوفات في أسواق الرق وتبرعات المانحين الأثرياء، والتي بلغت أكثر من 20 مليون دولار خلال العام 2014 بالاضافة إلى نشر تعاليم وأفكار الأصولية الدينية، من أجل استقطاب الكثير من الفئات الفقيرة والمهمشة، التي ظلت تعاني الحرمان، في دول الفساد والاستبداد، كما استطاعت حركة بوكو حرام الإسلامية السلفية، أن تصمد في المناطق التي تسيطر عليها في نيجيريا، وظلت المواجهة مستمرة بين الشرق والغرب في أوكرانيا، واستعادت حركة «طالبان» الافغانية سيطرتها على مناطق جديدة في أفغانستان، وأجهضت كل ثورات الربيع العربي، التي خرجت أساسا للمطالبة بالمساواة والعدل ومكافحة الظلم والفساد والاستبداد، بواسطة القوة والعسف العام.
وبحسب، سارة شايز، الباحثة والخبيرة في قضايا الاختلاسات ومكافحة الفساد، في معهد كارينغي للسلام الدولي، فإن انتشار مظاهر الفساد وغياب الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، واستعراض النخب السياسية والاقتصادية لثرواتها الهائلة، التي هي في الأساس جزء من الموارد العامة للدولة، التي حصلوا عليها جراء عمليات الفساد المنظم، واستشراء الفقر المدقع بمعدلات كارثية، ووجود ظلم اجتماعي كبير، هو الذي يعرض الآن العالم برمته إلى الخطر، وباتت مظاهر التشدد والارهاب الدولي، واضحة نتيجة ذلك، ومن بين المعالجات، التي اقترحتها في هذا الشأن، «خلال الندوة» هي إعادة النظر في الفهم الغربي، لمشاكل الدول والشعوب، التي أثبتت عدم قدرتها على تطوير نفسها، ومواكبة العصر والعصرنة، وتنخر أجسادها فضائح الفساد والرشى والمحسوبيات والمعضلات السياسية والأمنية، وضعف استقلالية المجتمع المدني، ودعت كافة الحكومات الغربية إلى مكافحة قضايا الفساد والتطرف والإرهاب، بابتكار أساليب جديدة وصارمة ومنسقة، لمنع أو تقليص الأضرار الناتجة عن كل هذه المشاكل الصعبة والمعقدة.
الأمر بات اليوم في حاجة ملحة إلى مواجهة كل هذه التحديات وبصورة جدية وواقعية ـ بحسب ـ المحللين، وأن أية عقبات تتصدى لهذا التوجه، يمكن أن توسع من رقعة الفساد والجشع والثراء لدى البعض، باعتبار أنه سلوك عادي ومقبول من الجميع، وأن تزود كل الحركات المتطرفة والارهابية «بأوراق الشرعنة» الضرورية لتبرير ممارساتها العنيفة وعملياتها الإرهابية، وبشكل أكثر خطورة وشدة.
وأخيرا، دعا جميع المشاركين في الندوة، إلى توحيد جميع الجهود الدولية، من أجل مكافحة قضايا الفساد وتوسع قاعدة المشاركين فيها، وكبح جماح التطرف والتشدد وكراهية البشر، وقطع الطريق على كل محاولات المتطرفين والإرهابيين لفرض ثقافة العنف وايديولوجية الفكر الواحد، الذي يرفض فكرة التعايش السلمي وقبول الآخر، وضرورة وقف مشاريع تمويل الأشخاص والجماعات والمؤسسات وجميع الكيانات، المرتبطة بالتنظيمات المتطرفة والإرهابية حول العالم.
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4846 - الأحد 13 ديسمبر 2015م الموافق 02 ربيع الاول 1437هـ
الآفة الخبيثة
الارهاب له جذور تاريخية لدى كل الجماعات التكفيرية التي لاتؤمن بالتعايش وبالرأي الاخر ودواء هذه الآفة التكفيرية الخبيثة وحدة المجتمع الدولي إلى اجتثائها من منابعها حتى لاتقوم لها قائمه .