تم طرح مذكِّرة للبيع موقّعة من الروائي والشاعر الفرنسي الأشهر، فيكتور هوغو، يناشد متلقيها بـ «التكرُّم بإعطاء 100 فرنك لفقراء بلدكم»، كما ورد في نص المذكرة. وستبيع مجموعة راب، ويقع مقرُّها في ولاية بنسلفانيا، بالولايات المتحدة الأميركية، المذكرة بمبلغ يصل إلى 3000 دولار أميركي؛ أي ما يعادل 2000 جنيه إسترليني.
هوغو الذي كان معروفاً كبطل للفقراء، بتركيزه في روايته الملحمية «البؤساء» على حياة المعوزين في باريس، بدءاً من بائعة الهوى فانتين إلى اليتمية كوزيت التي تعرَّضت إلى الاستغلال.
أليسون فلوود، وتقرير كتبه في صحيفة «الغارديان» البريطانية، يوم الاثنين (7 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، نُورد هنا أهم ما جاء فيه، مع استهلال ومقدمة كتبها موقع «www.abaa.org»، تناول موضوع الرسالة، مسبوقاً بإضاءة تاريخية للأحداث التي دارت زمن هوغو نفسه، والتحولات التي غيَّرت الكثير من عالم الحياة، والحريات في أوروبا عموماً، وفي فرنسا خصوصاً، إذا ما عرفنا أنه أحد الذين ساهموا بمواقفه وإبداعاته في تحديد ملامح تلك التغيُّرات والتحولات.
من العام 1830 إلى العام 1860م، كانت هنالك سلسلة من الاضطرابات السياسية واسعة النطاق في أوروبا، وكان أغلبها بسبب رغبة شعوب العديد من الدول، الإطاحة بنخبها الحاكمة، وإيجاد حكومات أكثر تمثيلاً وأكثر عدلاً. في الصميم من كل هذا، كان الصراع يدور بين الذين يملكون والذين لا يملكون. خاضت النخب أدوارها باستجابات قوية، في الوقت الذي كانت فيه المعارك تدور رحاها في الشوارع.
فرنسا نفسها كانت على موعد مع الثورة في العام 1830، وتولَّى فيكتور هوغو جزءاً مهماً بدوره في تلك الثورة. إلا أنها انتهت بنتائج مُخيِّبة للآمال من قبل الملك لويس فيليب، في الوقت الذي كانت تدور فيه ثورة ليبرالية على نطاق واسع في أنحاء كثيرة من القارة الأوربية في العام 1848، والتي تم في النهاية سحقها.
توجيه المشهد السياسي
في العام 1851، كانت فرنسا على موعد مرة أخرى مع الاضطرابات؛ حيث استولى لويس نابليون على السلطة وأعلن نفسه إمبراطوراً. قبل العام 1860، وسَّعت القوات في كل من إيطاليا وألمانيا دورها لتوحيد شعبيهما في الكيانات الوطنية، وكانت الحروب تُحرز تقدُّماً؛ ما يتيح للأهداف التي تم التطلُّع إليها أن تتحقق قريباً.
وهكذا، وعلى حد سواء، كان ثمة إعادة توجيه كبير للمشهد السياسي، والإحباط الذي انتاب الحركات الشعبوية، وصعود القومية والدولة القومية الحديثة. وفي الوقت نفسه، دار اقتتال بين الإخوة في الولايات المتحدة؛ ليس ضد النخب الحاكمة؛ ولكنه اقتتال بالنيابة عن المثل العليا التي يُراد تحقيقها. فيما كان العام 1862، هو العام الأكثر أهمية في عالم الفلسفة والأدب، وهو العام نفسه الذي أصدر فيه هوغو روايته «البؤساء».
في ربيع العام 1862 تحديداً، أصدر هوغو عمله الكبير «البؤساء»، الذي تضمَّن اختباراً وفحصاً بارعاً لطبيعة الخير، والشر، والقانون، في قصة كاسحة اشتملت على التاريخ والسياسة والأخلاق والفلسفة والقانون والعدالة، والدِّين. وقد استغرقت منه 17 عاماً لإكمالها. ركَّز بشكل مباشر على الفقراء في شوارع فرنسا أثناء الثورة الفرنسية. كما تناولت «البؤساء» أيضاً وصفاً لحياة عدد من الشخصيات الفرنسية بامتداد القرن التاسع عشر الذي اكتنفته حروب نابليون، في تركيز شديد ومحوري على شخصية السجين السابق جان فالجان ومعاناته بعد خروجه من السجن.
كان هوغو بطلاً بالنسبة إلى الفقراء. ترك خمس جمل في وصيته الأخيرة، والتي ستنشر رسمياً: «أترك 50000 فرنك للفقراء. أريد أن أدفن بكفن خاص بالفقراء. أرفض إقامة مراسيم جنازة لي أو خطب في جميع الكنائس. أتوسل الصلاة لجميع الأرواح. أنا أؤمن بالله».
وبالفرنسية المُتداولة والشائعة، هناك ما يغني بالقول: «إعطِ 100 فرنك»، وذلك يعني في جوهره أن تكون سخياً، أو أن تمنح ما فيه شيء من السخاء.
في محنة كوزيت
من جانبه جاء في تقرير أليسون فلوود في «الغارديان»، يوم الاثنين (7 ديسمبر 2015)، بأنه تم طرح مذكِّرة للبيع موقّعة من فيكتور هوغو، يناشد فيها الكاتب متلقيها إلى «التكرُّم بإعطاء 100 فرنك لفقراء بلدكم».
هوغو الذي كان معروفاً كبطل للفقراء، مركِّزاً في روايته الملحمية «البؤساء» على حياة المعوزين في باريس، بدءاً من بائعة الهوى فانتين إلى اليتيمة كوزيت التي تعرَّضت إلى الاستغلال.
ويُعدُّ يتامى الأدب الإنساني هم الأشهر في أعمال الروائي الفرنسي هوغو مثل «كوزيت» في رائعته «البؤساء»، تلك التي ولدت لأب هارب من أمها الفقيرة التي أنجبتها ولم تستطع تحمُّل نفقات إعاشتها، فسلَّمتْها وهي طفلة إلى صاحب فندق وزوجته ليقوما بتربيتها، نظير مبلغ محدَّد، كي تتمكَّن من التفرُّغ للعمل من أجل الإنفاق عليها. ما حدث هو أن صاحب الفندق استمر في ابتزاز الأم برسائل كي يستنزف كل طاقتها، والمال الذي ترسله إليه نظير العناية بكوزيت؛ بينما استغل صاحب الفندق (تيناردييه) وزوجته الطفلة في أعمال الخدمة، وجلب المياه من الغابة، وتنظيف الفندق؛ علاوة على القيام بخدمة طلفتيهما وكانتا في سن كوزيت. كانت اياماً مليئة بالمعاناة والقسوة والاستغلال والوحشية، إلى أن بلغت سن السادسة من عمرها.
هنالك في الرواية أيضاً جان فالجان، الشخصية المحورية في «البؤساء»، الذي حُكم عليه بداية بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، بسبب سرقته رغيف خبز لإطعام أخته الأرملة وأولادها السبعة، وقد تمكَّن من الهرب ليعاد لأكثر من مرة إلى السجن، ليقضي عقوبة امتدَّت إلى تسعة عشر عاماً، وأطلق سراحه بعد انتهاء مدَّة عقوبته، فنشأ عن تلك الظروف التي مرَّ بها في السجن، ولسنوات طويلة، حقد وقسوة على البشر من حوله، وكان لطبيعة سلوكه وتصرفاته رد فعل؛ إذ قوبل بكثير من المهانة، حتى أنه حاول استئجار غرفة في فندق، ولم يتح له أصحابها ذلك الحق.
كانت عبارة هوغو «اعْطِ 100 فرنك» قد دخلت في الاستعمال الشائع للمعنى المؤدي إلى «كنْ سخياً».
الكريم مع الفقراء
من جانبها، قالت مجموعة راب في ولاية بنسلفانيا الأميركية، والتي حصلت على مذكَّرة موقَّعة، وغير مؤرَّخة من مكتبة جامعة الولاية، إنه على رغم أن هوغو لابد أنه يكون قد كتب شعوره الذي عبّر عنه في المذكرة في أوقات أخرى، إلا أن الباحثين قد عثروا على نموذج آخر وجد طريقه إلى السوق.
وقال ناثان راب من المجموعة نفسها: «لقد وجدنا نموذجاً واحداً لهذا النوع من الاقتباس؛ ولذا فإنني أعتقد أنه من الإنصاف القول، إنه أمر قاله فعلاً؛ ولكن وثائقه التي تتصل بذلك الاقتباس تبدو نادرة. نحن لم نتحقق من غيرها».
وفقاً لمجموعة راب، فإن هوغو كان كريماً تجاه الفقراء «وكان يهتدي بأخلاقه، وكل ما من شأنه أن يكون قريباً من قلبه. الرسالة هنا واضحة: فمن واجبك مساعدة الفقراء، وهي الرسالة التي أراد لها أن تُحترم في وصيته الأخيرة والشهادة التي قدَّمها».
نشر هوغو روايته ذائعة الصيت «البؤساء» في العام 1862. وتوفي في العام 1885 في العاصمة الفرنسية (باريس)، وأقيمت له جنازة رسمية، على رغم أنها تمَّت خلاف مشيئته، وتم حمل جثمانه في أحد أكفان الفقراء.
«لوفيجارو»، كرَّست كامل صفحتها الأولى لخبر وفاة هوغو، وكتبت إنه «لم تحْظ فرنسا، لا في هذا القرن، ولا في القرون التي سبقته، بشاعر بهذه المكانة، وبهذه الوفرة والحجم من العطاء».
وستبيع «راب» المذكرة بمبلغ يصل إلى 3000 دولار أميركي؛ أي ما يعادل 2000 جنيه إسترليني.