العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ

الاستيطان على الساحل الغربي للبحرين في الفترة الهلنستية

قبور حقبة تايلوس غرب مدينة حمد (Salman and Andersen 2009)
قبور حقبة تايلوس غرب مدينة حمد (Salman and Andersen 2009)

المنامة – حسين محمد حسين 

11 ديسمبر 2015

الفترة الهلنستية في الخليج العربي تغطي الفترة الواقعة بين العام 325 ق. م.، وحتى قدوم الإسلام في العام 630م، وقد تزيد أو تنقص في بعض الأماكن. وفي البحرين تسمى الفترة الهلنستية بفترة تايلوس وهي تتزامن مع الطبقة الآثارية التي توجد في موقع قلعة البحرين والتي سميت «المدينة الخامسة». ويبدو أن الفترة الهلنستية هي الفترة الأكثر ضبابية في تاريخ البحرين؛ وسبب ذلك أنه لم يعثر على مناطق استيطان تعود لتلك الحقبة إلا المدينة الخامسة في موقع قلعة البحرين، بينما عثر على دلائل ربما تعكس وجود استيطان كبير في جزيرة البحرين من بينها ظهور أعداد كبيرة من تلال القبور التي تعود لتلك الحقبة والتي انتشرت في العديد من المناطق في البحرين. هذا، وقد استنتج Larsen أن سكان البحرين زاد بنسبة 50 في المئة تقريباً في الفترة الهلنستية مقارنة بالفترة الكشية (Larsen 1983، p. 196)؛ وذلك بسبب زيادة الأراضي القابلة للزراعة ووفرة الماء فيها.

يذكر أن النتيجة التي صاغها Larsen ليست دقيقة؛ حيث أوضحت الدراسات، التي أجريت على اللقى الآثارية التي عثر عليها في المدينة الخامسة في موقع البحرين وتلك التي عثر عليها داخل القبور التي تعود لهذه الحقبة، أوضحت هذه الدراسات أن الحقبة الهلنستية في البحرين ليست متجانسة، بمعنى، أن هناك تغيراً في نمط الاستيطان على مدى الحقبة الهلنستية، فهناك فترات زيادة سكانية، وفترات تقلص للسكان (Salles 1987). هذا، وقد أكد Andersen هذه النتيجة في كتابه «The Tylos Period Burials in Bahrain»، وذلك بحسب الدراسة التحليلية التي أجراها على الزجاجيات والفخار التي عثر عليها في قبور حقبة تايلوس. وقد قسم Andersen حقبة تايلوس إلى خمس فترات فرعية (Andersen 2007، p. 214 - 219)، وأن الزيادة السكانية في البحرين تزايدت في الحقب الثلاث الأولى منها، بينما تراجع عدد السكان في الفترتين الرابعة والخامسة. ويمكن تفصيل ذلك كالتالي:

فترة الزيادة السكانية

سبق أن ذكرنا في الفصل السابق أن عدد سكان البحرين وصل الذروة في الحقبة الدلمونية المبكرة (2000 ق. م. - 1800 ق. م)، ثم حدث تناقص شديد في أعداد السكان خلال الحقب الدلمونية اللاحقة. أما في الحقب الهلنستية فقد حدثت زيادة سكانية كبيرة، ووصلت الذروة في الفترة بين 250 ق. م - 150م، وهذه الفترة تشمل حقبة السيطرة السلوقية (300 ق.م - 100 ق.م)، وجزءاً من السيطرة البارثية (100 ق.م - 225م). إلا أن هذه الفترة تقسم إلى ثلاث فترات زمنية هي: (200 ق.م - 50 ق.م)، و(50 ق.م - 50م)، و(50م - 150م).

وفي هذه الحقبة بُنيت المدينة الخامسة في موقع قلعة البحرين والتي تعتبر من أهم مواقع الاستيطان في البحرين في هذه الحقبة. وقد عثر في هذا الموقع على كنز عبارة عن 292 قطعة من العملات التي ضربت في البحرين والتي تشير لوجود مملكة باسم هجر يرجح أنها قامت في البحرين وشرق الجزيرة العربية وذلك في الفترة بين 220 ق. م. - 140 ق. م. (بوتس 2003: ج 2، ص 733 - 751)، Kitchen 1994، p. 152 - 153)). إضافة إلى ذلك، فقد تم اكتشاف العديد من تلال القبور التي تعود لهذه الحقبة متفرقة في العديد من مناطق البحرين. منها ما يقع في الجزء الشمالي من البحرين وهي: المنامة (موقع سوق المقاصيص القديمة)، وأم الحصم، وأبوعشيرة، وجدحفص، والحجر، والمقشع، وكرانة، والشاخورة، وأبوصيبع، وباربار، وسار، والدراز. ومنها ما يقع بالجزء الجنوبي من البحرين وهي: بالقرب من مدينة عيسى، وعالي، وبوري، وكرزكان، والمالكية، وداركليب، وجبل الدخان (Andersen 2007).

يذكر أنه لم يُعثر على مواقع استيطان بالقرب من هذه القبور، فلا يعرف على وجه الدقة أين سكن أصحاب تلك القبور، ولكن يمكن التنظير وترجيح وجود أماكن سكنية تعود لتلك الحقبة، وعلى وجه الخصوص في مواقع القرى القريبة منها؛ حيث يرجح Salles أنه ربما كانت هناك أماكن استيطان مرتبطة بكل مقبرة هلنستية في المواقع سالفة الذكر (Salles 1999)، وبما أن تلك المقابر مرتبطة بقرى حديثة؛ فهذا يعني أن مواقع الاستيطان تلك هي التي كانت تمثل القرى القديمة التي طمرت تحت أساسات القرى الحديثة القريبة من تلك المقابر الهلنستية ما يدل على وجود امتداد آثاري لتلك القرى.

تايلوس في فترة الأفول

بعد العام 150م بدأ التناقص في سكان البحرين، وقد حدث التناقص على فترتين، وهما الفترتان الرابعة والخامسة من الحقبة الهلنستية في البحرين. ففي الفترة الرابعة (150م - 450م) والتي تشمل نهاية السيطرة البارثية، التي انتهت قرابة العام 225م، وبداية السيطرة الساسانية التي استمرت حتى قرابة العام 650 م. وفي هذه الفترة حدث تناقص شديد في السكان في البحرين؛ حيث توقف الاستيطان في المدينة الخامسة في موقع قلعة البحرين وذلك قرابة العام 400م (Andersen 2007، p. 99). كما تقلصت مواقع تلال القبور الهلنستية إلى تسع مواقع أثرية فقط، ست مواقع في الجزء الشمالي وهي: أم الحصم، والشاخورة، والحجر، والمقشع، ومقابة، وسار، وثلاثة مواقع في الجزء الجنوبي وهي: عالي، والمالكية، ودار كليب (Andersen 2007، p. 227).

أما الفترة الخامسة (450م - 650م)، والتي تشمل فترة السيطرة الساسانية المتأخرة، فتعتبر أكثر الفترات التاريخية ندرة في التمثيل الآثاري في البحرين. والمرجح أن هناك أربع مناطق في البحرين يوجد فيها آثار لهذه الحقبة وجميعها تقع في الجزء الشمالي من البحرين. وبحسب نتائج الدراسة التحليلية التي أجريت على الزجاجيات التي عثر عليها في التلال الأثرية التي توجد في كل من المقشع والحجر تشير إلى أن بعض هذه الزجاجيات يعود تاريخها للحقبة 500م - 600م (Andersen 2007، pp. 85 - 90). كذلك تشير نتائج الدراسة التحليلية التي أجريت على الفخار الذي عثر عليه في كل من المقشع والحجر وجبلة حبشي والشاخورة، إلى أن بعض هذا الفخار ربما يعود تاريخه للحقبة 400م - 600م (Andersen 2007، pp. 85 - 90، and Table 337).

هذه النتائج تشير بوضوح إلى أن الشاخورة والحجر والمقشع وجبلة حبشي تمثل مواقع الاستيطان في الحقبة الساسانية المتأخرة والتي تمثل العصر الجاهلي أو حقبة أوال.

التاريخ السردي واللقى الآثارية

من خلال العرض السريع السابق لفترات الاستيطان في الحقبة الهلنستية، يتضح أن الاستيطان على الساحل الغربي للبحرين اقتصر على ثلاث مناطق فقط وهي كرزكان (250 ق. م. - 150م)، والمالكية (250 ق. م. - 450م)، ودار كليب (50 ق. م. - 450م). يذكر أن المقابر الدلمونية والهلنستية التي توجد شرق هذه القرى تسمى أيضاً مقابر مدينة حمد، إلا أن غالبية الكتاب يخصصون المناطق، فيستعملون أسماء المناطق التي تقع غرب تلك المقابر. كذلك، فإن المرجح، من خلال نتائج تحليل اللقى في القبور الهلنستية، أن الاستيطان في هذه المناطق لم يستمر طويلاً وانتهى قرابة 450م. بالطبع، لا يمكن الجزم بانتهاء الاستيطان من هذه المناطق بسبب عدم العثور على قبور تعود لما بعد العام 450م، يمكن أن نفترض فرضيات أخرى، على سبيل المثال ربما حدث تغير في نمط الدفن؛ حيث إنه من المرجح أن سكان البحرين اعتنق المسيحية قرابة هذه الحقبة، وأن هذا سبب زوال قبور تايلوس (Andersen 2007، p. 243).

هذا، ولم يتم العثور، حتى الآن، على دليل آثاري واحد يرجح وجود استيطان على الساحل الغربي بعد العام 450م. وعلى رغم ذلك هناك فرضيات سردية يرجحها بعض الكتاب، منها أن نظام القنوات التحت أرضية أو الأفلاج الذي يوجد على الساحل الغربي تم بناؤه في الحقبة الساسانية (225م - 650م)، كذلك، فإن بعض الكتاب تفترض وجود استيطان في حقبة ما قبل الإسلام على الساحل الغربي، وبالخصوص في المالكية ودار كليب. فهل هذه الفرضيات مستبعدة؟ أم ممكنة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الحلقة القادمة.

العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً