العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ

المتخصصون يتطلعون إلى إزالة معوقات الإنتاج المقدم للطفل وتشجيع المتميزين

هل آن أوان تشكيل هيئة للطفولة تتولى مسئولية تنفيذ «استراتيجية» ثقافة الطفل؟

إبراهيم سند: لابد من إعادة الاعتبار لأدب الطفل كونه رافداً مهماً في التنمية
إبراهيم سند: لابد من إعادة الاعتبار لأدب الطفل كونه رافداً مهماً في التنمية

شهدت الحركة الثقافية المحلية في مجال الكتابة والإنتاج الموجه لفئة الأطفال في مملكة البحرين تراجعاً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين، فخلال حقبة التسعينيات والألفية الجديدة، بدت ساحة ثقافة الطفل محاطة بالعديد من الأغلال والقيود التي تسببت في غياب أسماء لامعة لكتاب وفنانين ومنتجين ومنشدين ومسرحيين بحرينيين في مجال الطفولة، ولربما كانت تلك الحالة (مسحوبة) على حركة الإصدار والإنتاج الفكري والأدبي للكبار والصغار.

ومع ذلك التراجع، تراجعت أيضاً المحاولات التي كانت تتطلع لتحريك جمود الحالة في ميدان ثقافة الطفل، وهذا ما بدا واضحاً من خلال المعالجات التي تناولتها ندوة «الوسط» تحت عنوان: «أدب الأطفال في البحرين بين الواقع والطموح»، والتي يمكن استخلاص الدعوة أو التطلع أو لنقل (التمني) لأن تكون هناك هيئة للطفولة تتولى وضع استراتيجية واضحة المعالم لثقافة الطفل.

في المحور الأساسي، كانت حالة الجمود تلك محل بحث المتحدث الرئيسي في الندوة الكاتب المتخصص في أدب الطفل إبراهيم سند، وهو الذي وضع بضع مسارات للنهوض (من جديد) بأدب الطفل في البحرين، والإشارة إلى مفردة (من جديد)، ذلك لأن مرحلة السبعينيات وما بعدها شهدت مؤشراً متصاعداً في المنتج المقدم للطفولي على اختلافه في البلاد، وهنا، يؤكد سند على أهمية إعادة الاعتبار لأدب الطفل كونه أحد الروافد المهمة في التنمية الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذلك اقتراح تشكيل هيئة عليا أو مجلس أعلى للطفولة ينظم ويؤطر الأنشطة والبرامج والفعاليات المقدمة للطفل، تحاشياً للازدواجية وتشتيت الجهود ولتوحيد كافة القنوات العاملة في مجال ثقافة الطفل، ومن المهم بالطبع تشجيع ودعم المهتمين بأدب الطفل وتقدير جهودهم مادياً ومعنوياً، ومساواتهم بباقي الكتاب والفنانين العاملين في مختلف مجالات الإنتاج الأدبي والفني.

إضاءة على سيرة (سند)

وتعريفاً بالمتحدث الرئيسي، تناولت مديرة الندوة منصورة الجمري تقديم نبذة مختصرة عن الضيف إبراهيم سند، وهو كاتب متخصص في أدب الطفل، ألّف وكتب الكثير من القصص والمسرحيات الطفلية، وحصد من خلالها العديد من الجوائز المحلية والخليجية والعربية، وهو يقدم برامج تدريبية في مجال الكتابة الإبداعية للأطفال، يعمل حالياً رئيساً لقسم الدراسات والبحوث بهيئة البحرين للثقافة والآثار ويعتبر أحد الباحثين في مجال جمع وإعداد وتوثيق مادة المأثور الشعبي.

سـاهم في تنظيم العديد من الجولات الميدانية لجمع مادة المأثور الشعبي في مختلف المدن والقرى البحرينية، حيث أسفر ذلك البحث في توثيق مادة تراثية غزيرة، اشتملت العادات والتقاليد والمعتقدات والحكايات والأغاني والأزياء والحرف الشعبية، وقتد تم إصدار العديد منها عبر الكتب والدراسات التراثية المتخصصة، وهو حاصل على العديد من الجوائز والتشريفات عن مجمل كتاباته للطفل منها جائزة مسـابقة الملكة نور الحسين لأدب الأطفال العام 1998، جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع آل نهيان لقصة الطفل العربي للعام 1999، وجائزة مسابقة الشيخة فاطمة بنت هزاع آل نهيان لقصة الطفل العربي للعام 2002، من إصداراته: «وطن النخلة»، «ماذا تمنت النملة أن تكون»، «لصوص الأوطان»، وتم تحويل بعض قصصه إلى مسرحيات مثل وطن النخلة ومدينة أهل الخرز، وله أيضاً كتابات للكبار منها الحرف و الصناعات التقليدية في البحرين - أنا وأنت وهو (مجموعة مقالات اجتماعية).

أين هو الطفل؟

ودخولاً إلى عمق الموضوع، دعت مديرة الندوة إلى الحديث عن تاريخ أدب الطفل، وأهمية القصة والمسرح في أدب الطفل وتطوير الخيال العلمي والإبداعي لدى الأطفال، وكان السؤال الرئيس: «من أين نبدأ مع أدب الطفل؟ وهل لا يزال هناك اهتمام وتوجه جاد نحو هذا النوع من الأدب؟ وأين هو الطفل من كل هذا؟ وما مدى استجابته لهذه الجهود»؟.

ولعل أهمية المدخل جعلت الكاتب إبراهيم سند يبدأ طرح محتويات ورقته أولاً بالإشارة إلى أن الاهتمام بالأطفال بدأ يتنامى ويزداد في الفترة الأخيرة، وهذه حقيقية بات يدركها الجميع ليس في منطقتنا فقط بل في كل مكان من العالم، وهذا الإدراك يؤكد أن الطفل هو المستقبل الذي يجب أن تستهدفه عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ولأن الطفل هو نتاج اليوم وصانع الغد، ولقد تم التركيز في السنوات الأخيرة من قبل المهتمين بالطفولة على أهمية المراحل العمرية الأولى من حياة الطفل خصوصاً السنوات الخمس الأولى لأنها بمثابة الأساسيات والركائز الأولى لما سوف يصبح عليه الطفل في المستقبل.

نظريات مختلفة حسب التوجهات

«سند» لم يغفل حركة التطور العلمي والحضاري الذي يشهده مجتمعنا والذي يجري بوتيرة متسارعة نحو المستقبل ما أوجد نوعاً من الاهتمام بالطفولة، فأصبح طفل اليوم أكثر حظاً من طفل الأمس سواءً في المجال التربوي أو الأدبي أو العلمي حتى في المستوى المعيشي، ونظرة سريعة للسنوات الخمسة والعشرين الماضية نجد أن هناك قفزة نوعية توجهت للقطاع الطفولي بالذات، ففي هذه الفترة القصيرة نسبياً بدأ الكتّاب يميلون إلى الكتابة الطفلية (القصة والشعر والمسرح) وأخذ عهد تأسيس رياض وحضانات الأطفال، كما تم إنشاء المراكز المتخصصة للطفل، إضافة إلى تشييد الحدائق وصالات اللعب والترفيه، وبدأ الطفل يتعامل مع أشياء كثيرة لم تكن موجودة من قبل، وبالطبع فإن هذه الزيادة في أشكال الترفيه والتثقيف من الناحيتين الكمية والنوعية تخلق من جانب آخر أموراً متفاوتة تتأرجح بين الإيجاب والسلب، وإذا قلنا إن هناك الكثير من المدارس والنظريات التربوية والنفسية والفلسفية تتعامل مع واقع الطفل، فإن هذه النظريات مختلفة أساساً حسب التوجهات الفكرية والعقائدية والمنشأية الاجتماعية لروادها ومعتنقيها، والاختلاف الواسع في فهم كيفية النظرة إلى الأطفال وطريقة الاهتمام بهم، يوجدان نوعاً في التعددية في الخيارات وسهولة الوقوع في اللبس والاضطراب والصراع بين القديم والجديد، وبين الأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة.

ماذا عن البحرين؟

لعل هذه المساحة تفرض أهميتها على الندوة، فالكاتب «سند» يعود بنا إلى العام 1977، فيقول: «في البحرين بدأت أولى محاولات التأليف مـع تجربة الكاتب عـبدالقادر عـقيل عـندما كتب قصته «من سرق قلم ندى «التي صدرت عام 1977 عـن دار الثقافة بدبي، وتوالت إصداراته القصصية بعـد ذلك، فأصدر «الإتفاق» والغيمة السوداء» و «من يجيب على سؤال ندى»، ويتميز أسلوب عبد القادر بالوضوح والبساطة والجمال في الشكل والمضمون ودقة التعبير، فهو يكتب للأطفال وكأنه يحدثهم ويعرف ميولهم واهتماماتهم، فتجده يبحث عن الفكرة التي تلامس وتراً حسـاساً في نفس الطفل، لذا نجده الأكثر قدرة على التعبير والكتابة المتمكنة ليس في البحرين، إنما على مستوى الوطن العربي.

أما خلف أحمد خلف، فقد أصدر ونشر أولى كتاباته في العام 1979 حيث صدرت له قصتان: «الثعلب يتعرف على الأرنب» و «أجمل من قوس قزح» و « اللعبة»، كما كتب عدداً مـن المسرحيات منها: «وطن الطائر» و «النحلة والأسد» ومسرحية «اللعبة»... إن خلف يـُتهم أكثر من غيره بالقيم الإنسانية والمُثل العليا التي تدعو إلى العمل وتمجد النجاح وتدفع إليه وتغرس لدى الصغار قيم التسامح والسلام وحب الآخرين بجانب مفاهيم الحرية.

وتضاف إلى قائمة الكتاب بالطبع الكاتب إبراهيم بشمي، وهـو أحد الكتاب البارزين في مجال العمل الصحافي والإنتاج الفكري، فقد نـُشرت أول محاولاته بعنوان «العصفور الأعرج» العام 1981 و «الزهرة الزرقاء» العام 1982 ليتوالى إنتاجه الغزير حتى بلغ ما يزيد على 80 إصداراً، إن التكوين الفكري والسياسي لهذا الكاتب جعله يهتم بقضايا كونية تشجع حب الاستطلاع ومحبة الآخرين وتكشف وتفسر العديد من الظواهر العالمية.

وبالنسبة للكاتب علي الشرقاوي الذي يعتبر الأب الروحي لشعر الأطفال في البحرين، فقـد بدأ إنتاجه الأول بإصدار مجموعة «أغاني العصافير» و «ليلى والذئب» و «أليس في بلاد العجائب» و «حمامة نودي نودي» و «وطن الطائر» و «الأرانب الطيبة» و «بطوط» وغـيرها، واعتمد أسلوب الشـرقاوي على اختيار الكلمات السهلة وغير المعقدة من ناحية الألفاظ والتراكيب، أما من ناحية الموسـيقى والإيقاع، فقد اختار الأنغام والأوزان الشعرية الخفيفة التي تشوق الأطفال وتـُطرب مسامعهم، وتحاكي أصـوات الطبيعة والحيوانات، لذلك أحبها الأطفال وتفاعلوا معها، وأصبحت أشعار وأغاني الشرقاوي هي الأكثر حضوراً وجمالاً في الساحة الأدبية البحرينية.

إعداد الطفل المبدع

وخصص الكاتب سند مساحة أخرى مهمة للأمور التي ينبغي مراعاتها لإعداد الطفل المبدع، ومنها إعطائه الفرصة للقيام بالمحاولة والتجريب، فالطفل يكتسب معلوماته وتنمو معارفه عن طريق الخبرات التي يمارسها بنفسه نتيجة لاستعماله لحواسه المختلفة التي تعتبر بمثابة النوافذ الحقيقية للمعرفة، أضف إلى ذلك، تشجيع الطفل على الاستفسار؛ وتركه يسمع ويرى ويتذوق ويشم ويحس ويفك لعبه ويركبها ويختبرها ويستخدم كل مهاراته مهما كانت بسيطة في معرفة أدق التفاصيل التي تحيط بعالمه.

ومن الأهمية بمكان ترك الطفل يقوم بالمحاولة في التغلب على مشكلاته بنفسه فذلك يعوده الاعتماد على النفس والاستقلال بالتفكير، على أن يكون ذلك في الأمور التي تتناسب مع إمكاناته وطاقاته، أما الأمور التي فوق مستوى قدراته فمن الضروري مساعدته في إيجاد الحلول ومن أجل اختصار حل المشكلة، ولا يمكن بالطبع إغفال تدريب الطفل على الاهتمام بما يعرض عليه من أحاديث وتعويده على الانطلاق في الحديث وتصحيح أخطائه دون تخويف، وعلى الأهل ألا يضيقوا من أسئلة الطفل: «كيف، ولماذا، متى، وأين بل عليهم إجابته بطرق ذكية وبأسلوب علمي يناسب نضج الطفل والابتعاد عن الإجابات السلبية التي تعرقل نموه، وأن نتجنب قمعه والاستهزاء به وبذلك يستطيع أن يعبر عن أفكاره وتنمو شخصيته وتزداد ثقافته وحصيلته اللغوية.

محاولات في طور التأسيس

وتناول «سند» العديد من المرتكزات منها تطوير الخيال الإبداعي لدى الأطفال وتعويدهم على القراءة وحب الاستماع إلى القصص، وتشجيعهم على مشاهدة أفلام الخيال العلمي لتنمية مهارات التذوق الفني والأدبي، والإطلاع على كل ما يخص الطفل من ابتكارات حديثة تنمي قدرته الخيالية والإبداعية، منوهاً إلى أن المهتمين بثقافة الطفل حاولوا معالجة العديد من قضايا الطفولة من خلال أدب الطفل عبر وسائله المتعددة كالقصة والمسرح والأغنية والشعر، إلا أن تلك المحاولات لا تزال في طور التأسيس وهي تشق طريقها بصعوبة كبيرة، والمجتمع العربي الذي نعيش فيه يخصص جل أهتمامه بثقافة الكبار أكثر ما يهتم بثقافة الصغار، وثقافة الأطفال تأتي دائماً في آخر سلم الاهتمام.

والنقطة الأكثر أهمية تتمثل في حداثة هذا الأدب الموجه للطفل فعمره الزمني لا يتعدى المئة عام والذي أنبثقت بداياته مع إرسال أولى البعثات العلمية إلى أوروبا للدراسة والاطلاع وتزامنت هذه البدايات مع حركة الترجمة والاقتباس عن الأدب الأوروبي، وفيما يخص البرامج والأنشطة الثقافية المقدمة للطفل يلاحظ غلبة الجانب الكمي على حساب النموذج النوعي والإبداعي، ولعله يقدم لنا صورة واضحة عما يعانيه أدب الطفل في الوطن العربي من صعوبات ومعوقات «فهو لا يزال خارج استراتيجيات التربية والثقافة سواءً في المناهج التربوية أو في الفعاليات والبرامج الكثيرة التي تنظم على مدار العام دون الاعتماد على سياسات التخطيط والتطوير والارتقاء بثقافة الطفل إلى المستويات المتقدمة.

معايير لتطوير أدب الطفل

ويخلص الكاتب إبراهيم سند إلى المعايير الواجب مراعاتها لتطوير أدب الطفل، فهو يبدأ بالمحور الأول وهو ضرورة تحسين وتجويد الإنتاج الأدبي المحلي وإيجاد الطرق المناسبة لتسويقه والترويج له على المستوى الدولي، وكذلك تدريب وتطوير العاملين في قطاع الطفولة وتوفير الدعم المستمر لجهودهم وبرامجهم وتذليل كافة الصعوبات والمعوقات التي تعترض طريقهم، ومن الضرورة بمكان حيث المؤسسات التجارية والإعلامية على تبني الأعمال الأدبية والفنية المتميزة وتوفير الدعم المادي والمعنوي لها.

ويذهب «سند» إلى اقتراح إدخال مادة أدب الطفل في المناهج التربوية والجامعية، ودعم وتشجيع البحوث والدراسات والرسائل العلمية المعنية بأدب الطفل، وتطوير جهود مؤسسات ومراكز الطفولة وتحسين مستويات البرامج والأنشطة والفعاليات مع ضرورة توفير الرؤية المستقبلية والجدوى الثقافية والعلمية لتلك البرامج والفعاليات، وختاماً... العمل على توفير قاعدة بيانات متاحة لجميع العاملين في مجال ثقافة الطفل تتعلق بكل ماله صلة بأدب الأطفال، مع ضرورة تبادل الخبرات وتوفير المعلومات والبيانات لكل المشتغلين في ثقافة الطفل على المستوى المحلي والخارجي.

أطروحات المتخصصين والمهتمين

بعد اكتمال تقديم ورشة الكاتب إبراهيم سند، فتحت مديرة الندوة الزميلة منصورة الجمري المجال للمشاركين لتقديم أطروحاتهم ذات الارتباط بمحاور واقع وطموح أدب الأطفال، وتناول الكاتب يوسف النشابة بضع محاور حول مضمون الكتابة الإبداعية وتأثيرها على شخصية الطفل وتنمية الخيال، لكنه أثار نقطة مهمة وهي أن التطور التكنولوجي أسهم في إحداث انحدار واضح لدى الطفل في القراءة، بل هذا الأمر يسري على الكبار الذين أصبحوا لا يقرأون أيضاً.

وفي المقابل، يلفت النشابة إلى أن أحد أشكال تطوير المنتجات المقدمة للأطفال هي نموذج القصة المرئية والمسموعة والمصحوبة بالحركة أو ما يسمى اليوم animation ، طارحاً محاولته في تحويل إحدى قصصه وهي: «جلجامش في أرض الخلود»، وتواصل مع إحدى المؤسسات المتخصصة خارج البحرين وتم الاتفاق على أن يتم تحويلها إلى قصة متلفزة وتحرص المؤسسة على حقوق نشرها، خصوصاً وأن القصة لها سمة مهمة من مختلف النواحي كونها تمثل أسطورة عالمية تناسب الأطفال في مختلف المجتمعات.

حالة انفصال كبير

ولعل المدربة جمانة القصاب (عضو مجموعة سرد) تذهب مباشرة إلى واحدة من الإشكالات القائمة، وهي وجود حالة انفصال كبير بين المتخصصين والمهتمين وبين الطفل، وقدمت نبذة عن دخولها في مجموعة سرد منذ تأسيسها قبل عام، منجذبة إلى فكرة الكتابة التي تعتبر نفسها مغرمة بها، وبالفنون بشكل عام، لكنها لم تجرب الدخول إلى عالم الطفل إلا من خلال مجموعة (سرد)، وما يجذبها في المجموعة هو التركيز على أن يصنع الطفل ثقافته الخاصة، خلاف السائد كونه ينمي الطفل في اتجاه معين نحو قراءة معينة، ولهذا فإن حالة الانفصال الكبير بيننا وبين الطفل فالوضع المالي تغير، والكثير من الأطفال يتعلمون في مدارس خاصة، وأصبحوا لا يتقنون اللغة العربية وهذا ما يجعلنا نبدأ معهم من الصفر، وقد يعرف بعضهم اللغة العربية بشكل جيد لكنه لا يستطيع التعبير كما لو كان باللغة الإنجليزية.

وتضيف: «هناك فجوة... لابد من أن نتخلى عن فكرة أننا فوق... علينا أن نستمع للطفل من وجهة نظره الخاصة وأن نعلمه الأشياء والمهارات والأفكار التي نراها صحيحة، ومجموعة سرد مستعدة للتعاون مع أي مؤسسة لنؤكد ضرورة أن نستمع إلى الطفل ونتيح له المجال لتكوين ثقافته ونتعرف منه على ذلك.

مركز يجمع فنون الطفل

وقدم المسرحي أحمد عيسى خلال الندوة استعراضاً سريعاً لقائمة من الأعمال التي قدمها للطفل منذ العام 2004، لكنه شدد على أهمية أن تشهد الحركة تحولاً عملياً من خلال قيام المهتمين بأدب الطفل من قصة ومسرح وأنشودة وبرامج للمبادرة بمشاريع تتحول إلى أرض الواقع وتقدم تجارب عملية.

وبشأن علاقته بمسرح الطفل، فإنه يشير إلى أن أول ما حرك فيه التوجه إلى هذا المجال أكثر من الإذاعة والتلفزيون، هي تلك التجربة التي سمعت عنها بوجود مركز للأطفال في طهران، وبجهد شخصي سافر مع زوجته في رحلة العام 2004 ليصلا إلى مركز (الإبداع للأطفال والشباب)، ولم يكن يعرف عنه شيئاً قبل هذه الرحلة، يوضح أكثر: «انبهرت بما رأت... فالمركز يجمع فنون الطفل... مسرح... سينما... مكتبة... بل يضم مصنعاً للألعاب، وله أكثر من 500 فرع في طهران لوحدها، عدا أن هناك فروعاً للمركز في كل المحافظات تقدم خدماتها للطفل فقط، هنا، بدأت الأفكار عندي تنضج أكثر.

حين تأسس مسرح البيادر كان همي منذ العام 2007 أن أعمل مع زملائي لمسرح الطفل، وقبل ذلك قدمنا مسرحية وين الوطن واستخدمنا دمى مركز سلمان الثقافي فاستأجرناها وأرجعناها، وكان ذلك في احتفالات العيد الوطني في العام 2006، وكان اهتمامي في البداية منصباً على تحقيق أربعة أهداف: إيصال الأفكار بطريقة ابداعية... كيف نصل لجمهور الأطفال... كيف نبحث عن تقنيات الدمى وصناعة مسرح الطفل والرابع البحث عن الحاضنة المناسبة لاستقبال الأطفال، فمسرحية وين الوطن التي قدمناها في قلعة عراد بتنظيم المؤسسة الملكية الخيرية حضرها جمهور كبير على مدى يومين، ثم واصلت التجربة وقدمناها في عدة مدارس في البحرين وصلت إلى عشر عروض وقدرنا جمهورها بالآلاف وهذه التجربة شجعتني لأن نقدم في العام 2007 ضمن مسرح البيادر مسرحية «سمير وسمورة» واستعنا أيضاً بخبرات مركز سلمان الثقافي، مختتماً بالقول: «نحتاج لأن نقدم تجارب عملية وأن نسعى لتطوير الساحة الثقافية للطفل من خلال الأفكار الجديدة والعمل يتطلب جهداً كبيراً دون شك».

أين المسرح المدرسي؟

ولعل المسرحي محمد خضر انطلق من تساؤل طرحه بشكل مباشر: «أين المسرح المدرسي؟»، لينتقل في الحديث عما نسمعه عن مسرح الطفل الذي لا نراه، حتى أنه تحدث مع ابنته الصغيرة التي تحب المسرح وتستطيع أن تبدع فيه هي وغيرها من التلاميذ الذين يمكن أن يقدموا أعمالاً مختلفة، لكن هذا الجانب مهمل، حتى وإن وجد فإنه مهمل إعلامياً.

ويشير خضر إلى أن هناك برامج كثيرة تقدم، لكن على مستوى مسرح الأطفال فمن المهم أن يكون التركيز منصباً على تقديم عمل إبداعي، فالمنتج الثقافي والفني المقدم للطفل أصعب بكثير من الكبار، خصوصاً في حال البحث عن أسلوب مبتكر يجانب التوجيه المباشر والمنهج التقليدي في التعامل مع ثقافة الطفل.

وفيما يتعلق بمستوى كتاب أدب الأطفال، يرى أن الطفل البحريني يعيش حالة أفضل من غيره من الأطفال، لكن الاهتمام بثقافة الطفل في المجتمع البحريني ليست محل اهتمام ولا يوجد إنتاج مميز، وقدمنا بالفعل أعمالًا نالت إعجاب الناس ثم توقفت! وحين نُسأل عنها من جانب الناس نقول إن المشكلة المادية تقف أمام الطموح في تقديم المزيد من الأعمال بأفكار جديدة، والأشد من ذلك، أن الإعلام الرسمي ضعيف من ناحية اهتمامه بالأعمال التي نقدمها، فالعمل المسرحي مكلف... نعم، لدينا الخبرة والقدرات والطموح لكن نواجه المشكلة المالية ونواجه مشكلة عرض العمل.. لا الصالة الثقافية تفسح لنا المجال من جهة، ولسنا نستطيع دفع مبلغاً نظير استئجار صالة عرض لأربعة عروض.

على المستوى الحكومي والأهلي

وفي مداخلة قصيرة موجزة، عبر المسرحي حسن بوحسن عن الحاجة إلى البحث عن البيئة الإبداعية المناسبة التي تستهدف الطفل، وهو بذلك يعبر نوعاً ما عن الأسف من وجود العديد من الإمكانات البشرية المبدعة، ولكن في المقابل ليس هناك إنتاج يرضي الطموح، ويقول: «نريد الاهتمام، سواء في مجال المسرح أو أي أدب آخر، لكن هذا الاهتمام إذا لم يأت من خلال المؤسسات، الرسمية منها والأهلية وكذلك إدارات المسارح، فلن يحدث تحرك نحو الأمام، وإذا تحدثنا عن مسرح الطفل الذي يعد اليوم في أدنى مستواه، ستكون أمامنا قضية مهمة وهي حاجتنا إلى رؤية واضحة تتعلق بثقافة الطفل».

وقبل نقطة الختام التي تلاقت فيها أفكار المشاركين مجمعين على الدفع في اتجاه ولادة المزيد من الكتاب في مجال أدب الطفل كما أشار الكاتب إبراهيم سند في ورقته، فإنهم يعدون على أصابع اليد الواحدة، وأية إضافة لابد وأنها تمثل حالة تفاؤل وفرح بالنسبة للعاملين في هذا القطاع الذي يحتاج إلى الكثير ليتطور، وهنا، يطرح الإعلامي والكاتب الصحافي الزميل سعيد محمد محوراً يتعلق بغياب الكثير من الأسماء اللامعة في مجال أدب الطفل، ليس على مستوى البحرين، بل على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

استهانة بأهمية ثقافة الطفل

وبعد أن قدم نبذة موجزة عن بداية اهتمامه بأدب الطفل في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وصدور أول عمل له موجه للطفل في العام 1998 بعنوان: «حكايات حكيم الزمان»، وتوالت بعدها الإصدارات مثل: البلبل والأصدقاء الثلاثة، حكايات من البحرين الجميلة، قطرات المطر الطيبة، آخر إصدارته لمؤسسة الجمري الخيرية وهو: «حكايات جدتي - 2014»، بالإضافة إلى نصوص مسرحية وأناشيد، يرى الزميل سعيد محمد أن طوال ثلاثة عقود من الزمن في مقياسه (كصحافي وليس كمهتم بأدب الطفل) هو عدم وجود مسئولين في قطاع التعليم والثقافة والإعلام يمتلكون الرؤية العميقة أو الاهتمام بأدب الطفل ويدركون تأثيره الحضاري والتربوي الكبير.

ويضرب مثلًا بفترة ذهبية كما حدث في التسعينيات بوجود لجنة كانت تسمى اللجنة الوطنية لبرامج المرأة والطفل، وكذلك مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي مبادرات استطاعت تقديم أعمال مبهرة وناجحة ومنها ما نتذكره جميعاً: «افتح ياسمسم»، وكان مآل هذه المبادرة الواعدة أن تضمحل وتختفي... لذلك، حين يسأل الكاتب إبراهيم سند أين هم الكتاب في مجال أدب الطفل؟ أجيب بالقول: «بل لنقل، أين هو المسئول الحكومي الذي يعرف الكتاب ويعرف أهمية أدب الطفل؟»، ما يعني أن أدب الأطفال في مملكة البحرين - ولكي يتطور - نحتاج إلى عقلية في القطاع الرسمي تعي ماذا تعني ثقافة الطفل.

جمانة القصاب: توجد حالة انفصال كبيرة بين الطفل والمهتمين بأدبه
جمانة القصاب: توجد حالة انفصال كبيرة بين الطفل والمهتمين بأدبه
يوسف النشابة: تنمية الإبداع لدى الطفل تتطلب الكثير من التخطيط والعمل
يوسف النشابة: تنمية الإبداع لدى الطفل تتطلب الكثير من التخطيط والعمل
أحمد جاسم: نحن مطالبون بمشاريع عملية ونقدم تجارب جديدة
أحمد جاسم: نحن مطالبون بمشاريع عملية ونقدم تجارب جديدة
حسن بوحسن: الحاجة إلى البحث عن البيئة الإبداعية المناسبة التي تستهدف الطفل
حسن بوحسن: الحاجة إلى البحث عن البيئة الإبداعية المناسبة التي تستهدف الطفل
سعيد محمد: قطاعات التعليم والإعلام والثقافة لا تهتم بأدب الأطفال
سعيد محمد: قطاعات التعليم والإعلام والثقافة لا تهتم بأدب الأطفال
محمد خضر: طموحنا لتقديم مسرح مميز للطفل يصطدم بالإمكانات المادية
محمد خضر: طموحنا لتقديم مسرح مميز للطفل يصطدم بالإمكانات المادية
ندوة «الوسط» بحثت محاور متعددة في مجال واقع ومستقبل أدب الأطفال في البحرين-تصوير عقيل الفردان
ندوة «الوسط» بحثت محاور متعددة في مجال واقع ومستقبل أدب الأطفال في البحرين-تصوير عقيل الفردان

العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:01 ص

      إهمال متعمد

      اضم صوتي إلى الاساتذة الكرام وخصوصاً الزميل الكاتب سعيد محمد فالاهمال متعمد لطمس أدب الأطفال
      كاتبة قصة الطفل
      أم نور

اقرأ ايضاً