«من أنت يا وطني. أعني ما أنت في التفاصيل. جراحك أكثر من الموت. والنصالُ لا تُحصيك. من أنتَ. إن لم تنتخبْ مراهمك ومراميك. إن لم تعرفْ من أين أتيتَ. كيف تدرك طريقك وأقاصيك. تزعُمُ لنا أنك فرْوُ الدفءِ وانتباهة السهام وخزينة الأسرار. وحين نسألك الرأفة. تتلعثمُ وتكشفُ لنا القميصَ عن جراحك.... من أنت».
هكذا يخاطب الشاعر قاسم حدَّاد الوطن في قصيدته المعنونة بـ «من أنت»، ثاني القصائد التي ألقاها في أمسية استضافها أخيراً مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث، ضمن موسمه الثقافي الرابع عشر «الحالمون لا يمكن ترويضهم»، وذلك يوم الاثنين (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015).
ومن الوطن الذي يخاطبه حدَّاد بمرارة، مرَّت قصائده الملقاة على «الغريب على مائنا»، الذي «يسير في طرقات القرية قتيلاً يجرُّ جثته. بذراعٍ معطوبةٍ وذراعٍ مفتولة. وكلما هَمَّ بالاقتراب سَمِعَ صفقةَ بابٍ تطرده»، وصولاً إلى الأصدقاء الذين لا يعرف حدَّاد كم تبقَّى من العمر لجمعهم؛ إذ يقول: «كم سوف يبقى من العمر كي أسألَ الله أن يجمعَ الأصدقاءَ ويرسمَ حبَّ العدوّ لهم ويؤلّفهم في الكتاب الجديد بما يمسح الحقدَ من قلبهم ثم يسعى بهم للبعيد القريب من الناس يستوعبون الجراحَ ويَحْنُونَ أعناقَهمْ للصديقْ». ثم يتساءل «كم سوف يكفي من الدَّم كي نحتفي بالضغينة وهي تزول من النص يبقى من العمر وقتٌ نؤدي به حاجةَ الروحِ بعد النقائض قبلَ الحريق»، خاتماً بإجابة قال فيها: «قل هو الوقتُ يكفي ففي الحب بوصلةٌ للطريق.»
قصائد كثيرة وجميلة، لم ينشر بعضها، ألقاها في الأمسية التي ضجَّت بحضور شدَّته كلمات حدَّاد فكان غاية في الانصات. قرأ على جمهوره، إلى جانب القصيدتين أعلاه، قصائد كثيرة من بينها «الغزالة»، «عصفور الكنيسة»، «أمرؤ القيس»، «خضرة الحديد»، «أبي»، «اضحك قليلاً»، «مرح النجوم»، «القرويات»، «الرؤيا»، «الغبيط»، «الحرب»، «الفقيه»، و «سجال «.
الاعلامي الشاعر حسن كمال قدَّم لحدَّاد ولأمسيته قائلاً: «أذكر في الثمانينات من القرن الماضي أنني كنت ألقي بعض القصائد لنخبة من شعراء البحرين في أسبوع ثقافي بحريني في الشقيقة تونس. ولما قرأت نصاً أو أكثر لشاعرنا قاسم، رأيت الجمهور منصتاً بكل اهتمام لهذا النوع من الشعر، وعند ما انتهينا من الالقاء قابلت شخصية جميلة متابعة للشعر والأدب ولنشاط البحرين وهو كان في ذلك الوقت اعتقد سفيراً للمملكة العربية السعودية في تونس. قال لي: إذا كان الشعر الحديث بهذه الصفة فإنني من اليوم سأحب الشعر الحديث، قلت له: هذا نموذج من شعراء الحداثة في البحرين، الشعراء المتجدِّدين الذين اعتمدوا على أسلوب مبتكر وهنا الفرق بين الحداثة والشعر التقليدي القديم». وعن شعر حدَّاد، قال كمال: «يمنح قاسم الشعر لغة شاعرية. إنه يعتمد على الكلمة ليصيغها بجرس معيَّن ولتخرج مع بقية كلمات القصيدة صيغة أدبية حداثية بالفعل. لقد استسهل الكثير من شعرائنا وشعراء العالم العربي بالتأكيد في الحركة الثقافية والشعرية عموماً الشعر الحديث. فبدأوا يكتبون قصائد في الواقع لا تفي بمتطلبات الشعر الراقي، الشعر الذي يحلِّق بخيال الانسان، ويتيح له أن يتأمَّل وأن يفكِّر في اللغة الجميلة وفي نفسية الشاعر وفي أخيلته وفي أسلوبه الجميل. هذا الأسلوب الجميل هذه الأخيلة هذه النفسية المفعمة بالأحاسيس المختلفة يمتلكها شاعرنا قاسم حدَّاد».
وعن نثره قال: «بالمناسبة، فإن النثر الذي يكتبه حدَّاد هو أيضاً بجمال شعره، اقرأوا «ورشة الأمل»، اقرأوا «طرفة بن الوردة» وكل كتاباته التي يكتبها حول الشعر».
العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ