العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ

القطان: المسلمون مطالبون شرعاً بالوقوف على حاجيات المستضعفين من المنكوبين الذين يتعرضون لويلات الحرب والعنف

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

شدد الشيخ عدنان القطان في خطبته بجامع الفاتح الإسلامي أمس الجمعة (11 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، على أن «المسلمين اليوم مطالبون شرعاً بالوقوف على حاجيات المستضعفين من المنكوبين الذين يتعرضون لويلات الحرب والعنف».

وفي خطبته بعنوان «واجب إغاثة المنكوبين والمستضعفين في عالمنا الإسلامي»، قال القطان: «تهلك وتزول الأمم حينما يسودها التفكك والتفرق والأنانية، وتتأخر وتتخلف عندما يصير همّ كل فرد من أفرادها نفسه فقط، فلا يهتم بأمور المحيطين به، ولا يحفل بقضايا مجتمعه، ولا نوازل قومه، ويعيش غريباً عن قضايا أمته، وإذا اتصف المرء بذلك، باع ضميره، وخسر أقرب الناس إليه، وهدم وطنه، فيصير قريب شره، لا يُرجى منه خير ولا نفعٌ، فيشقى في نفسه، ويُشقي مَن حوله... وهذا نموذج إنسان خاسر، لا يبحث إلا عن متعته وشهواته، ولا يعبأ بهموم الآخرين وآلامهم، والمؤمن الحق، يحمل نفساً من أصفى النفوس وأسعدها، وروحاً محبة للخير، تبذل الإحسان والعطاء للخلق، وقلبه يحب السعادة للآخرين، ويرجو الخير لكل المسلمين، يتألم لآلام إخوانه المنكوبين، ويسعد بفرحهم، ويتمنى التوفيق للجميع، يتبسم في وجوه الخلق، لا يبخل عليهم بماله ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، يحنو على اليتيم، ويخاف الله في الأرملة والفقير والمسكين».

وأوضح القطان أن «الدين الإسلامي الحنيف، يحث الأمة الإسلامية على المحبة والمودة والتراحم والترابط والشعور بأنهم جسد واحد، وأن علاقة المؤمن بأخيه المؤمن تبينها مجموعة من النصوص المعصومة، التي جاء بها كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم».

وتساءل القطان «هل ترى أحوالنا في بلاد العالم الإسلامي يصدق عليها، أن مسلميها: كالجسد الواحد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ؟ أم صاروا أوزاعاً وفِرَقًاً وشِيَعاً لا تسر أحوالُهم إلا أعداءهم؟».

وذكر القطان أن «أحوال الأمة المسلمة اليوم عجيبة، فبعضهم يأكل ما تشتهيه نفسه حتى يسمن، ثم يبحث عن علاجات ورياضات وأدوية تخفّض هذه السمنة، وتنزل هذه الكروش الممتلئة، وبينما يموت بعضهم من التخمة، يموت آخرون من الجوع، ومنهم من يهنأ في القصور والبيوت والغرفات آمنين مستدفئين وغيرهم لا يجدون غطاء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، حتى مات أطفالهم وشيوخهم ونسائهم من شدة البرد، وإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على تفقد حاجات المحتاجين ومواساة المنكوبين، والحدب على المشردين، ومدح من قام بذلك».

وقال القطان مخاطباً المصلين: «إن إخوانكم من المنكوبين والمشردين والمظلومين، الذين أُخرجوا من ديارهم، يتعرضون لحرب ضروس، شتّت شملهم، وفرّقت جمعهم، وعرَّضتهم لِمِحَن صعبة، وخلّفت ذكريات مُرَّة، فارقوا أرضهم وديارهم، وقُتل من إخوانهم وأبنائهم عدد كثير، ومما زاد ما بهم من ابتلاءات: برد قارص لا يقيهم منه شيء، وما أسوأ اجتماع النكبات... حرب وقتل وتشريد، وبرد وثلوج ورياح وأعاصير، وبلاء واحد من هذه الابتلاءات كفيل بتنغيص حياة الإنسان، فما بالكم باجتماع هذه المهالك والآلام؟».

وتابع أن «الخائف لا يهنأ بنوم، والجائع لا يستطيع أن يقيم أوده، وكل إنسان منا موقوف بين يدي الله تعالى ومسئول عن هؤلاء المنكوبين، وماذا قدم لهم؟ أو لماذا خذلهم؟ (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) والمسلمون اليوم مطالبون شرعا بالوقوف على حاجيات المستضعفين من المنكوبين الذين يتعرضون لويلات الحرب والعنف، ممن ذاقوا ويلات الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، والبرد والحرمان، وتفقد هؤلاء والقيام على حوائجهم من أمارات الإيمان، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ) كما حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مغبة إهمال أهل الحاجات، وتضييع المشردين، والمحرومين فقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جائع إلى جنبه وهو يعلم به)».

وشدد القطان على أن «الفقراء والمحتاجين والبؤساء بحاجة ماسّة إلى من يمد يده إليهم بالعطاء، يطعمهم من الجوع، ويدفئهم من البرد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) فهل نحن فاعلون أم ستحدث سُنة الاستبدال؟».

وبين القطان أن «الناس معادن، وفي الشدائد تظهر المعادن... ففي سنة ثمانيَ عشرةَ من الهجرة حدثت مجاعة شديدة بالمدينة المنورة، وكانت الريح تسفي تراباً كالرماد، فسمي عام الرمادة، وجعلت الوحوش والحيوانات تأوي إلى الإنس من شدة الجوع، وكانت الناس تموت من عدم الطعام، فآلى الخليفة آنذاك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على نفسه ألا يذوق سمناً ولا لبناً ولا لحماً حتى يحيا الناس. فجمع المسلمين، وفيهم العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- عم النبي -صلى الله عليه وسلم -، واستسقى بهم فسقوا، وكتب إلى أمراء الأمصار: (أغيثوا أهل المدينة ومَن حولها)، فكان أولَ من قدم إليه أبوعبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- بأربعة آلاف راحلة من طعام، وكتب إليه أمير مصر عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: (إنه سيصلك غوث لا انقطاع له)».

وأضاف أن «من يتأمل في هذا الموقف العظيم، وفي سرعة الاستجابة من الصحابة -رضي الله عنهم- لمصاب إخوانهم، لَيعلم علم اليقين مقدار ما نحن فيه من التقصير، ومن يتأمل في نصوص الشريعة يعلم أكثر وأكثر أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة في الخذلان (...) تأمل فيما مضى ثم انظر إلى قضايا المسلمين من حولك، انظر على سبيل المثال أحوال إخوانك المستضعفين في سورية وفي فلسطين وفي اليمن وغيرهم، وفكّر: هل قامت أمة الإسلام بواجبها نحوهم؟ أم أن الواقع هو الخذلان؟ أتعلمون خطورة الخذلان؟ اسمع إلى ما روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَا مِنْ مسلم يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ مسلم يَنْصُرُ مُسْلِماً، فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. والله، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصادق ولا ينطق عن الهوى، ووالله، إن لم نتدارك وضعنا بنصرة إخواننا المنكوبين المظلومين بما نستطيع، فسيحيق بنا هذا الوعيد لا محالة، والأيام دول، والتاريخ لا يكذب، ووعد الله لا يتخلف».

ودعا القطان إلى «إغاثة المستضعفين المظلومين في كل مكان، ولا تتأخروا عن ميادين البذل والإنفاق والعطاء بما تستطيعون، الا فليبسط القادر يده بما يستطيع، مدوهم بالغذاء، وأحسنوا إليهم بالكساء، وأسعفوهم بالدواء، وخصوهم بصالح الدعاء».

العدد 4844 - الجمعة 11 ديسمبر 2015م الموافق 29 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:28 ص

      sunnybahrain

      السلام عليكم ،،الى الشيخ القطان مع التحيه ،، الوقوف مع المستضعفين احساس طيب ويحث عليه ديننا الحنيف ،،ولكن رجاء لنفتح اعيننا ،،عندنا في بلدنا من المحتاجين والمعذبين والمودعين ب السجون ،،هم في محنه وعوائلهم كذلك ،،فهل لك ان تتطرق الى هذه المواضيع الانسانيه بحق ابناء وطنك ،،لعلك تنقذ مظلوم او تجبر خاطر محروم ،،او تنقذ عوائل قسى عليها الزمن ،،وفقكم الله لما يرضاه ،،السلام عليكم .

اقرأ ايضاً