الفوضى التي تجتاح بعض البلدان العربية، والإرهاب خصوصاً - أو تلك التي هي في الطريق إلى الفوضى - كان لكل ذلك تأثيره في فوضى، هذه المرة ترتبط بالرؤية السياسية لدى الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الغربية، والمواقف والقرارات الناتجة عنها، والتي لم تكن تنظر إلى ما يحدث في العالمين العربي والإسلامي، بعين منصفة من جهة، ومدركة استراتيجياً لعواقبه ومآلاته، وهو ما قاد إلى التخبّط أحياناً، والنأي بالنفس أحياناً أخرى، والتدخُّل غير المدروس أحياناً ثالثة.
بعض تلك البلدان كان يريد لما يحدث اليوم أن يحدث قبل زمن؛ بل ويتجاوزه، وعمل على ترتيب ما يؤدي إليه منذ مطلع الألفية الثالثة، في أكثر من مشروع «متوسط» و«كبير» للمنطقة (الشرق الأوسط)، وبعض تلك الدول كان لا موضع لقدم راسخة له في المنطقة، وترك الأمر في ما يتعلق بالتعاطي مع منطقة الشرق الأوسط للولايات المتحدة، وما حدث في العراق هو واحد من شواهد عديدة في هذا الصدد.
الدول تلك ممن استهدف المنطقة بإحداث الفوضى فيها، إما من خلال احتلال مباشر، في شاهديْ أفغانستان والعراق، بدافع من الانتقام في الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، والتقارير المسلوقة والمفبركة بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، لثبتت التقارير فيما بعد خلوها منها بالنسبة إلى الثانية (العراق)، وفي الاثنتين لم يكن هنالك أي نوع من الإنصاف: بالانتقام والفبركة؛ علاوة على أنه لم يحدث تصحيح للأخطاء المدمّرة والماحقة؛ بل على العكس، تم العمل على تراكمها وترسيخها.
بعض بلدان المنطقة تم التعامل مع ما يدور فيها بخلوِّ إدراك لخطورة ترك الأمور فيها تتفاقم، تحسُّباً لهيمنة طرف على الأوضاع، ووضعه ضمن خانة «إمكان احتوائه»، كما حدث لهيمنة «الإخوان المسلمين» في مصر، وذوبان وتلاشي «يمكن احتواؤه»، والزواج العلني الذي كان عرْفياً بين «الجماعة» وبين «داعش»، انتقالاً إلى بدايات تحوُّل الحراك الليبي من خانة الثورة إلى خانة الفوضى، بدخول المتطرفين على الخط، ودفعهم ليبيا إلى قائمة الدول الفاشلة، وربما لوقت طويل؛ بعد تدخل دول عربية في مفاصل ما يدور، وهو ما سيعمِّق حال الفشل والفوضى هناك.
وعلينا في هذا الإطار ألاَّ ننسى تحويل سورية بعد شهور على حراكها السلمي الحقيقي الأول إلى محطة رئيسية لتجمُّع الفصائل المسلحة من الإرهابيين في العالم، والكُلف العالية التي تم دفعها وتدفع اليوم، بمدِّ تلك الفصائل والمجاميع بمختلف أنواع الأسلحة التي ساهمت مساهمة كبيرة في حصد مزيد من الأرواح التي شارك النظام السوري في جزء منها، وتحويل مساحات كبيرة من البلد إلى مدن أشباح بفعل الخراب والدمار اللذين طالا بنيتها الفوقية والتحتية. كل ذلك بفعل تعطيل الإدراك الاستراتيجي للعواقب والمآلات، وهو ما قاد ويقود إلى مزيد من تعقيد الملف السوري، بالتخبّط حيناً، وبدافع الانتقام من مواقف النظام السوري، حيناً آخر، والتي لم تكن الولايات المتحدة والدول الغربية منسجمة معها، حتى ما قبل رحيل الرئيس الأسد الأب؛ علاوة على عدم انسجام دول عربية مع تلك المواقف.
وفي النأي بالنفس أحياناً أخرى ذلك الذي تبدَّى، وله مصاديقه وشواهده الكثيرة في دول لا موارد لديها يمكن احتلابها؛ وإن كانت تمثل معابر مهمة واستراتيجية لسرعة انتشارها في منطقة هي بمثابة مجال حيوي ومثالي لتحركاتها في هذا الجزء من العالم وما بعده، وهيمنتها على المعابر ومصادر الثروات، وفي النهاية، التحكُّم في مداخل ومخارج سياساتها، بحضور لا يمكن إغفال رؤيته أو تشخيصه.
يظل التوازن في التعاطي السياسي مع الملفات وحالات الدول تلك، غائباً، وغير ذي بال، ولا يقوم على استشراف للنتائج والمآلات؛ جنباً إلى جنب مع الأخذ بالمصالح المشتركة للأطراف جميعها؛ دون أن يعني ذلك انتقاصاً من سيادة أي دولة؛ مادامت ضمن الحدود التي تسهم في تكريس حال من الأمن والاستقرار، اللذين لم يعودا شأناً قومياً تختص بهما كل دولة على حدة؛ بل هما شأنان أمميان.
لم تعنِ الكتابة تلك دعوة للقوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة للتدخل في شئون تلك الدول قبل الفوضى التي اعترتها، وبعد أن تأصَّلت وترسَّخت فيها، بقدر ما هي تنبيه وتذكير للنتائج التي تؤدي إليها مثل تلك السياسات التي تنطلق في تدخلها إما بدافع الانتقام أو الفبركة من جهة، أو ترك الأمور في دول أخرى تنضج فوضاها؛ فيما يمكن لاتباع سياسات متوازنة قائمة على المصالح المشتركة، ومراعاة خطر الفوضى والفشل في بعض تلك الدول، واللذين يمكن لهما أن يمتدا، تهديداً لاستقرار وطمأنينة العالم، من دون استثناء، فالشرارة التي تنطلق من عدن، من الغباء أن تتوهَّم دولة في الجانب الآخر من العالم أنها بمنأى عنها، ولنا في «عولمة الإرهاب» الذي نشهده دليل على نتائج التخبط في السياسات؛ والعوار في المواقف، وغياب استراتيجيات استباقية للحيلولة دون نشر أو انتشار الفوضى، ودخول الدول مرحلة الموت السريري، بانتمائها إلى نادي الدول الفاشلة، وما يمثله ذلك من خطر لن يكون أحد بمنأى عنه.
ما يفتقر إليه عالمنا هو وجود سياسات تحول دون تلك الفوضى؛ بل على العكس؛ فثمة سياسات هي الباعثة عليها، والمنتجة لها؛ وصولاً بنا إلى مرحلة الفشل في كل شيء، وأهمه عدم قدرتنا على الحياة كبقية خلق الله في الدنيا الواسعة التي ضاقت بنا؛ أو تكاد.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4842 - الأربعاء 09 ديسمبر 2015م الموافق 26 صفر 1437هـ
زمن الأقليات
الغرب يحاول بكل الأشكال تمكين الأقليات الدينية في بلداننا العربية لأنهم يعلمون ان هذه الأقليات ستنفذ كل ما يريدون منهم لقد حاولوا مع المسيحين في بدايات القرن الماضي و لكن اثبت اخواننا المسيحين انهم عروبيين و انهم مستحيل يخونوا اوطانهم لذلك لجأ الغرب لم اثبت في الماضي استعداده للخيانه عندما ادخلوا المغول لبغداد و كذلك فعلوها بعد ذلك مع الأمريكان لان الخيانه تسري في دمائهم
رزق
سلام استاذ جعفر هذا التخبط اللي توصفة عوة باب رزق الى معظم الدول والغربية فلمطلوب المواصلة معيت الدول العربية والقنوات الموجهة والسلاب قطع الاعناق ولا قطع الارزاق
كلام من ذهب
ولكن من يبادر وبشجاعه لحل الازمات والشعوب تكون بامن وامان والله يدوم علينه نعمه
بلاد عربية تسوق بعضها بعضا للهاوية
كلهم يعرفون اين المخرج وأين تكمن حلحلة الامور والأوضاع لكنهم لن يذعنوا لحقوق الشعوب ولن يعترفوا للشعب العربية بأي امتياز او حقوق.
سلّموا رقابهم للغرب لكي يتلاعب بخيراتنا ويدمّر بلادنا لكنهم لم يسلّموا لشعوبهم بأبسط الحقوق وهاهم من حرب لأخرى لتدمير المدمّر من الاوطان
اقتضت مصالحهم
والجلوس على كرسي التسلط وإذلال شعوبهم وسرقة خيراتها لصالحهم ان يتخبطو لدرجة عنزه ولو طارت.