استمع الأريجيون في مفتتح ملتقاهم الثامن يوم الجمعة إلى حزمة نصائح لتحصينهم ضد المساءلة القضائية والاعتقال في مجتمعاتهم، في مقدمتها التحقّق النزيه من المعلومات التي ينبشونها، التوثيق والاعتماد على مصادر متعددة.
إداريا، استعادت مديرة أريج التنفيذية رنا الصباغ محطات النجاح التي حقّقتها الشبكة منذ انطلاقها قبل عشر سنوات، وتحدثت عن إنجاز نحو 72 تحقيقا استقصائيا عام 2015، رغم هبوط سقف حرية التعبير وتشديد الرقابة في غالبية الدول العربية.
وفي جلسة الافتتاح الرئيسة، استعرضت حاصدة الجوائز العالمية الفلبينية شيلا كورنيل تجربتها الجسورة في كشف قضايا فساد وسوء استخدام السلطة في بلدها. وتحت عنوان: "تقصّي الفساد تحت سطوة الرقابة"، دعت كورنيل الإعلاميين العرب إلى التضامن مع بعضهم البعض "أكثر من أي وقت مضى"، حتى لا تنفرد السلطات باستهداف واعتقال الاستقصائيين الجسورين الذين يكشفون قضايا فساد وسوء استخدام السلطة.
"أشعر أحيانا بأننا نعمل القليل لمساعدة زميلاتنا وزملائنا الذين هم في خطر (..) لا يمكننا تركهم تحت رحمة السلطات. ويجب أن يدرك السياسيون الفاسدون أنهم ليسوا وحيدين"، حسبما أضافت كورنيل - التي تدير منذ 2006 مركز توني ستابيل للصحافة الاستقصائية/ جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك.
وتحدثت عن تراجع الحريات الصحافية إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2004 في جميع أنحاء العالم. وعدّدت حالات قتل صحافيين واستهدافهم لا سيما في أمريكا اللاتينينة وتركيا، إلى جانب إغلاق صحف وفرض رقابة على الانترنت. من بين الحالات قتل صحافيين سوريين من الرقّة (شمال شرق سوريا) على يد داعش في تركيا، بسبب موقعهما "الرقّة تذبح بصمت". كذلك تحدثت عن تهديدات بالقتل بحق الإعلامي كانديدو فيغويردو في البارغوي – حيث قتل خمسة صحافيين. فهو يعيش تحت حماية الشرطة منذ 20 عاما، دون أن يؤثر ذلك على تصميمه على كشف الجريمة المنظمة في بلاده. وهو يرى أن "فيروس الاستقصاء" يسري في دمّه. وعدّدت أيضا قضايا سجن صحافيين، من أمثال رسام الكاريكاتير الماليزي زينار بسبب سخريته من الفاسدين ورجال السلطة في بلاده. "يمكنهم حظر رسومي، يمكنهم منع كتبي، لكن لا يمكنهم الحجر على عقلي"، حسبما نقلت كورنيل عن زينار. وذكرت أيضا قصّة استهداف حائز جائزتي (بولتزر) الإعلامي الأمريكي جيمز رايزن، الذي ألف كتابا عن "التاريخ السري لحروب (جورج) بوش" وتلفيق وكالة الاستخبارات المركزية أدلة لشن حروب خصوصا ضد العراق. استذكرت كورنيل أيضا تجربة سجن الصحافية الأذرية خديجة اسماعيلوف، التي دفعت حريتها ثمنا لكشف فساد عائلة رئيس أذربيجان.
وأكدت كورنيل أن "تدقيق المعلومات، توثيقها، تعدد المصادر واستخدام مفردات محايدة" تصعّب على السلطات استهداف الإعلاميين. وشددّت على أن الإعلاميين يتمتعون الآن بفرص مواجهة الحكومات من خلال حشد التأييد واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة ضغط، لافتة إلى أن تضامن المجتمع المدني يساهم في رفع الظلم عن رواد الاستقصاء. واستشهدت بالإفراج عن الإعلامي المصري والناشط في مجال حقوق الانسان حسام بهجت، الذي أوقفته السلطات المصرية عدّة أيام.
وفي مداخلة له، أكد بهجت – المشارك في ملتقى أريج- أن توثيقه الدقيق للمعلومات ساهم في إبعاد شبح المحاكمة عنه، خصوصا وأن تهمته تتمحور حول نشر معلومات أكاذيب. ودعا بهجت الإعلاميين إلى "الدقة وتقييم المخاطر" مؤيدا رأي كورنيل: "ليس هناك قصّة تستاهل موت الصحافي من أجلها".
كورنيل اشتهرت في آسيا بفضل تحقيقات مقدامة ساهمت في الإطاحة بحكم فردناند ماركوس الاستبدادي منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وقالت الصحافية الفليبينية: "نحن ندفع ثمنا مقابل قول الحقيقة، لكن إن بقينا صامتين فستدفع المجتمعات والدول ثمن صمت الصحافيين الذين يكتبون النسخة الأولى من التاريخ". ورأت أن المنطقة العربية متقدمة جدا في حقل الاستقصاء، لافتة إلى أن أول ملتقى لصحافة الاستقصاء في آسيا عقد العام الماضي، بينما أريج تنشط منذ عشر سنوات.
من جانبه استذكر رئيس مجلس إدارة أريج داود كتّاب "حلم" ولادة الشبكة قبل 12 عاما، حين اجتمع مع الداعمين الدنماركين لنحت اسم الشبكة، بعد تحويله من اللغة الانجليزية: (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية).
كتّاب – الذي وصفته الصباغ مديرة الشبكة التنفيذية بأنه من "الأباء المؤسسين" – ودّع الأريجيين قائلا أنه يترك منصبه بناء على طلبه لأفساح المجال أمام الخبرات الشابة.
تحت شعار: "الإعلام العربي.. العمل تحت سيف الرقابة"، يتواصل ملتقى أريج حتى مساء الأحد، موعد توزيع جوائز الشيكة عن أفضل التحقيقات خلال 2015.
وشهد اليوم الأول أربع ورش تدريب وعشر جلسات متزامنة. عناوين الورش تناولت (أدوات التحقق من المعطيات الرقمية والصور في الانترنت)، (السرد القصصي في التحقيقات المتلفزة)، (تحديات أمن الإعلاميين وسلامتهم الشخصية) و (السرد القصصي الاستقصائي). وفي جلسات موازية، اطلع الأريجيون على التحديّات وآليات بناء التحقيقات التي أنجزت في مصر خلال 2015 وتحقيقات البحرين، الأردن وتونس فيما خصّصت جلسة خامسة للتقارير المتلفزة.
وأضاءت جلسة سادسة على (الاعتبارات الأخلاقية لدى تغطية مناطق نزاع)، فيما تناولت ثلاث جلسات متزامنة تقنيات (تدقيق البيانات في التحقيق الاستقصائي لضمن الصدقية قبل النشر/ البث)، (كيفية تشفير رسائلك الالكترونية لحماية ملفات الصحافي/ة)، (استخدام غوغل درايف في إطار فريق عمل) و (توثيق قضايا فساد بالاستناد إلى بيانات عقود الشراء والتزويد الفدرالية الأمريكية).
كما عرضت أريج أفلام استقصائية انتجها أريجيون عام 2015 في دول انتشار الشبكة؛ الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، مصر، العراق، اليمن، البحرين وتونس.
منذ نشأتها أواخر 2005، دربت أريج 1600 صحافي ومحرر وأستاذ إعلام وطالب. وساهمت في تأسيس وحدات استقصاء في عدة وسائط إعلام في الأردن، فلسطين، مصر، لبنان واليمن، كما أشرفت على نشر/ بث قرابة 300 تحقيق استقصائي. وتستخدم عدة كليات إعلام مساق أريج المبني على منهجيتها الميدانية في تدريس ثلاث ساعات معتمدة لطلبة البكالوريوس.