طالبت فعاليات سياسية بإعادة التحقيق بملفات الهدر المالي والفساد التي مرت بها البحرين، منتقدين في الوقت نفسه عدم تفعيل قانوني الذمة المالية وحق الوصول للمعلومات، ناهيك عن عدم إيجاد آلية لمكافحة الفساد أو قانون حماية كاشفي الفساد، مشددين على أهمية تعزيز استقلالية ونزاهة الهيئات الرقابية.
جاء ذلك خلال ندوة «خطورة الفساد على الدولة والمجتمع»، التي نظمتها الجمعيات السياسية المعارضة، بالتزامن مع اليوم الدولي لمكافحة الفساد، وذلك مساء أمس الأول الإثنين (7 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، في مقر جمعية التجمع القومي الديمقراطي.
وخلال الندوة، ذكر الأمين العام لجمعية «وعد» رضي الموسوي، أنه على الرغم من صدور 12 تقريراً عن ديوان الرقابة المالية والإدارية منذ العام 2003، واحتوائه على الكثير من المخالفات المالية والإدارية، إلا أن النتائج المرجوة من عمل الديوان وتقاريره السنوية ليست في المستوى المطلوب حتى في حدها الأدنى، على حد وصفه.
وقال: «هذه المعطيات تفسر جزءاً من الحالة التي وصل إليها الاقتصاد الوطني والوضع المالي المتدهور، سواء إزاء العجز المتراكم في الموازنة العامة وتضخم الدين العام وفوائده، وانعكاس ذلك على الحياة المعيشية للمواطنين، بما فيها البدء في مسلسل رفع الدعم عن المواد الأساسية الذي بدأ باللحوم، ومن المتوقع ان يشمل الكهرباء والماء والبنزين والغاز، إذ أقدمت الحكومة بقرار منفرد على خطوات من شأنها زيادة أعداد الفقراء وزيادة انكماش الطبقة الوسطى الأمر الذي سيهدد السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي».
وتابع: «إن تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحقيقي المبني على دراسات وعلى شراكة فعلية مع مكونات المجتمع، أصبح مسألة ضرورية لمواجهة الأزمات المتناسلة في البحرين. واستمرار الأوضاع على ما هو عليه ينذر بتدحرج الأوضاع إلى درك أسفل يصعب الخروج منه، خصوصاً في ظل استشراء الفساد والعبث بالمال العام وغياب الشفافية والإفصاح».
وواصل: «إذا كان الفساد المالي أفرز الكثير من الأزمات، فإن الفساد الإداري لا يقل خطورة وضرراً. وثمة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تخلق بيئة حاضنة للفساد الإداري. كما أن سوء التخطيط وغياب الاستراتيجيات التنموية وعدم وجود توزيع عادل للثروة وتدني الدخل الفردي، تشكل عوامل اقتصادية محفزة لنمو الفساد».
وأوضح الموسوي أن إيرادات مصفاة النفط في البحرين وحقل البحرين مجتمعين بلغت في العام 2013 نحو 3.855 مليارات دينار، أي ما يعادل 10.1 مليارات دولار، وحققت عائداً مقداره 223 مليوناً و654 ألفاً و144 ديناراً، بينما بلغت في العام 2014 وفق الحساب الختامي 3.692 مليارات دينار وحققت عائداً مقداره 206.473 ملايين دينار.
وقال: «بحسبة بسيطة نلاحظ أن إنتاج نحو 50 ألف برميل يومياً من حقل البحرين وكأنه خارج الحسبة. إذ بلغ سعر النفط في العام 2013 متوسطاً قدره 108.7 دولارات للبرميل، ما يعني إيراداً سنوياً قدره أكثر من مليار و984 مليون دولار، أي ما يعادل نحو 750 مليون دينار بحريني، وبعد خصم التكاليف التي يفترض في المتوسط ألا تزيد على 15 دولاراً للبرميل يمكن أن يكون صافي العائد أكثر من 86 بالمئة وليس 5 بالمئة كما هي محددة في أرقام الحساب الختامي».
وأضاف: «في الفرضية الأولى ينبغي أن تصل عائدات حقل البحرين والمصفاة إلى أكثر من 12 مليار دولار، أي 4.536 مليارات دينار. والسؤال هنا: لماذا هذا الفارق؟ وأين يذهب؟».
وتابع: «بعض التوضيح قد يقود إلى إجابات جزئية: فمصفاة البحرين تعتبر من المصافي القديمة رغم عمليات التحديث والإضافات الإنتاجية الأخيرة التي حسنت من قدراتها، وأن جزءاً من إنتاجها يعتبر هدراً إنتاجياً، وحسب بعض المصادر فإن الهدر يصل ما بين 15 إلى 20 في المئة من إنتاج المصفاة، الأمر الذي ينبغي أن يوضع في الحسبان. لكن السؤال الآخر هو لماذا إذن الحديث عن زيادة الطاقة الإنتاجية لمصفاة قديمة؟».
وواصل: «العنصر الآخر المؤثر على الربحية هو ما يرشح عن المسئولين من أن السبب يعود إلى زيادة العاملين البحرينيين في المصفاة فوق استيعابها وذلك لأسباب اجتماعية. نشير هنا إلى أن حجم العمالة في عقد السبعينات بلغ نحو 8 آلاف موظف، ويبلغ الآن ما متوسطه 3300 موظف، إذ سارت بابكو على خطى الشركات الكبرى الأخرى التي مضت على نهج العقود الخارجية للهروب من حقيقة نسبة البحرنة فيها».
ومن جهته، وصف رئيس الدائرة السياسية في جمعية الوفاق عبدالجليل خليل، الوضع الاقتصادي في البحرين بـ «الصعب» بعد هبوط أسعار النفط وخسارة البحرين نحو مليار دينار تقريباً (974 مليون دينار) خلال عام واحد فقط، وارتفاع الدين العام من 46 في المئة من الناتج المحلي في العام 2014 إلى 58.6 في المئة في العام 2015، مع توقع وصوله إلى 65.2 في المئة في العام 2016 حسب «فيتش» للتصنيف الائتماني.
وقال: «جاء في تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2014 أن اقتراض الحكومة أصبح يوجه لخدمة الدين العام بدلاً من توجيهه نحو تمويل عجز الموازنة، إذ ارتفعت تلك النسبة من 61 في المئة في العام 2010 إلى 95 في المئة في العام 2014».
وتابع: «بدأت الحكومة بسلسلة من الاجراءات التقشفية بدأتها برفع الدعم عن اللحوم وتخطط لرفع الدعم عن الكهرباء والبنزين خلال الفترة المقبلة، وهناك 656 شركة صغيرة ومتوسطة أغلقت منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وحتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. ونجد في اليوم العالمي لمكافحة الفساد فرصة للتذكير بالحاجة الملحة لتبني استراتيجية واضحة وشفافة وشاملة لمكافحة الفساد، فلا يجوز اليوم أن تذهب الحكومة في سياسة التقشف من دون أن تكون هناك خطوات جادة وصارمة لوقف الهدر المالي ومحاسبة المسئولين عن الفساد».
وعرج خليل في ورقته على التقارير السنوية لمؤشرات مدركات الفساد التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية، منوهاً بأهمية اتخاذ الاجراءات المطلوبة لمعالجة أسباب تراجع مرتبة البحرين على هذا المؤشر.
إذ لفت إلى أن البحرين سجلت 61 من 100 نقطة في العام 2003، لكنها هبطت 11 نقطة عند 50 في العام 2007، ثم ارتفعت قليلاً وعادت للهبوط مرة أخرى عند 49 نقطة في العام 2010، ثم ارتفعت قليلاً وعادت للهبوط في العام 2013، متسائلاً: «ماذا حدث في الأعوام 2007 و2010 و2013 حتى هبطت النقاط من 61 الى 48؟».
وقال: «من خلال متابعتي لملفات الفساد، أجد أنها ارتفعت بشكل مخيف، ففي العام 2007 كانت قضية (فساد ألبا - جلينكور) و(فساد ألبا-الكوا)، وفي العام 2010 قضية التعدي على الأراضي، فيما شهد العام 2013 انهيار التحقيق الذي قام به مكتب مكافحة جرائم الاحتيال البريطاني بشأن الرشا في ألبا».
ولخص خليل في ورقته مراحل الكشف عن فساد ألبا في المبيعات، وما أعقب ذلك من فضيحة ألبا - الكوا في المشتريات التي جرت في الفترة بين العامين 2008 و2010.
كما تطرق خليل في ورقته إلى عمل اللجنة البرلمانية للتحقيق في التعديات الواقعة على أملاك الدولة العامة والخاصة في نوفمبر 2007، والتي اختارت في عملها عينة 171عقاراً تمثل نحو 8 في المئة من مجموع 2043 عقاراً للدولة.
وبين أن اللجنة خرجت بثلاث قوائم لأهم العقارات التي شملها التحقيق، الأولى تمثل العقارات المهمة والحساسة التي تأكدت اللجنة من وقوع التعدي عليها، وبلغ عددها أكثر من 30 عقاراً من العقارات الكبيرة بمساحة بلغت 65 كيلومتراً مربعاً، قدرت اللجنة قيمتها بـ15 مليار دينار، فيما شملت القائمة الثانية العقارات المحيطة بالمدينة الشمالية في البحر والتي بلغت مساحتها ما يعادل 37 كيلومتراً مربعاً، أما القائمة الثالثة، فوجدت اللجنة فيها شبهات بالتعدي على عدد من العقارات بلغت مساحتها ما يقارب 100 كيلومتر مربع.
وختم خليل حديثه بالقول: «إن عملية مكافحة الفساد والحفاظ على المال العام يحتاجان لتوافق وطني ينتج حكومة فعالة ومجلساً نيابياً له صلاحيات كبيرة، مستدركاً بالقول: «إن الذهاب لسياسة التقشف وشد الحزام من دون أن تسبقها إجراءات صارمة تفتح ملفات الفساد بشفافية يطمئن لها الناس وتتم فيها محاسبة المتلاعبين بالمال العام، فهذه سياسيات لن تنجح. فلا يمكن للناس أن تتقبل سياسات رفع الدعم في الوقت التي ترى فيه هدر مال مستمراً، وخصوصاً في الشركات التابعة للحكومة».
أما الأمين العام للتجمع القومي الديمقراطي حسن العالي، فقال: «هناك علاقة وثيقة بين وجود قوة دفع حقيقية للإصلاح، أي وجود إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية تتمثل في برلمان كامل الصلاحيات وحكومة تخضع بالكامل للمحاسبة وتشريعات قوية لترسيخ وتقوية دعائم دولة المواطنة والعدل والمساواة والمؤسسات ومحاربة التمييز، وبين وجود بنية قوية لمكافحة الفساد».
وأضاف: «نحن لا نتحدث هنا عن ظواهر فساد فردية بل فساد مؤسسي، أي أن التشريعات والمؤسسات القائمة شرعنت وأتاحت المجال لتفشي هذه الظاهرة».
وتطرق العالي في ورقته إلى ضعف البنيتين التشريعية والمؤسساتية لمكافحة الفساد، إذ يتمثل ضعف البنية التشريعية في صلاحيات البرلمان وتوزيع الدوائر واستقلالية الانتخابات البرلمانية ودور مؤسسات المجتمع المدني، وغياب قانون لمكافحة الفساد في البحرين، مشيراً في الإطار نفسه إلى مصادقة الدولة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، والتي لم يتم تفعيلها بعد بأي صورة، وخصوصاً على صعيد عدم إصدار قانون مكافحة الفساد، وفقاً له.
كما اعتبر العالي أن قانون ديوان الرقابة المالية يتسم بالعديد من نقاط الضعف من حيث نطاق التغطية، إذ لا يشمل العديد من الوزارات الحساسة، كما يكتفي التقرير بسرد وقائع دون أن يسمي الأشياء بأسمائها، ولا يشتمل على صلاحية الرقابة المسبقة، ولا صلاحيات ملاحقة الفاسدين لاسترداد الأموال.
وانتقد العالي كذلك عدم تفعيل قانون الذمة المالية، بالإضافة إلى عدم تفعيل قانون حق الوصول للمعلومات، كإيجاد آلية لمكافحة الفساد من خلال تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، باعتبار أن حق المواطن في المعرفة والاطلاع يعتبر أحد أهم ركائز البناء الديمقراطي، وحق التعبير وحرية اتخاد القرارات المبنية على معلومات واضحة مثل معرفة الاقتصاد والمديونية للدولة بشكل شفاف، بالإضافة إلى عدم وجود قانون حماية كاشفي الفساد وتعزيز استقلالية ونزاهة الهيئات الرقابية.
أما على صعيد ضعف البنية المؤسساتية، فتطرق العالي إلى عدم وجود هيئة لمكافحة الفساد تنفذ استراتيجية مكافحة الفساد، بالإضافة إلى ما اعتبره التمييز والتوظيف على أساس الولاءات والطائفية، وخصوصاً في المناصب الرئيسية، وتغييب الكفاءات، مما يولد الفساد الإداري، وهو ما يؤدي إلى إهدار الموارد أو تفشي الفساد المالي.
وختم العالي حديثه قائلاً: «نجم عن ضعف البنية التشريعية، برلمان ضعيف الصلاحيات التشريعية والرقابية، وتجسد ذلك مؤخراً في تعامله مع برنامج الحكومة والموازنة العامة للدولة وخطوات هيكلة الدعم، وغياب وتضعيف وترهيب مؤسسات المجتمع المدني كما حدث بعد الأزمة التي شهدتها البلاد، وغياب دور الإعلام الرقابي والمستقل، بل شهدناه يلعب دوراً سيئاً خلال الأزمة».
العدد 4841 - الثلثاء 08 ديسمبر 2015م الموافق 25 صفر 1437هـ