يعتزم اليمين المتطرف الفرنسي غداة تقدمه التاريخي في الدورة الأولى من انتخابات المناطق طرح نفسه في موقع قوة كبديل للسلطة الحالية٬ ملقيا بثقله في اتجاه ترشيح زعيمته مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية عام 2017 ، وذلك وفق ما نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" اليوم الثلثاء (8 ديسمبر / كانون الأول 2015).
ويمكن تلخيص نتائج الدورة الأولى من الانتخابات بأن الخاسر الأول هو رئيس الجمهورية الحالي فرنسوا هولاند٬ الذي كان يطمح إلى ولاية ثانية بمناسبة الانتخابات الرئاسية ربيع عام ٬2017 وحكومته والحزب الاشتراكي واليسار بشكل عام.
لكن ميزان القوى السياسية٬ كما أفرزته الدورة الأولى٬ من شأنه أن يخفف من حماسته إذا كان حزب الجبهة الوطنية واصل التربع على الموقع الأول٬ وبالتالي مصادرة تسمية «أول حزب في فرنسا». وبينت النتائج النهائية للدورة الأولى أنه حاز على 28.42 في المائة من الأصوات٬ تاركا المرتبة الثانية لحزب اليمين «الجمهوريون» وأحزاب الوسط المتحالفة معه التي حصلت على 26.85 في المائة من الأصوات.
أما اليسار الاشتراكي الحاكم فقد تقلصت شعبيته ليتراجع إلى الموقع الثالث حيث حاز على 23.47 في المائة من الأصوات. وبعد أن كان يسيطر على الأكثرية الساحقة من المناطق٬ نجح في التقدم في ثلاث منها فقط بينما هيمنت الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبن على ست مناطق واليمين الكلاسيكي على أربع منها فقط.
ويراهن الاشتراكيون على الاحتفاظ بمنطقة باريس التي يخوض غمار معركتها كلود برتولون٬ رئيس الجمعية الوطنية.
وسيصل هولاند الذي خسر حزبه الاشتراكي كل الانتخابات منذ ربيع عام 2012 إلى الانتخابات الرئاسية منهكا ما دام لم ينجح في تحقيق نجاحات اقتصادية واجتماعية٬ أهمها في محاربة البطالة حيث فرنسا٬ الدولة الصناعية الغربية الكبرى الوحيدة٬ حيث البطالة تتجاوز 11 في المائة. وإذا أضيفت إلى هذه الآفة مخاوف الفرنسيين من الهجرات غير الشرعية وتدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا واستفحال ظاهرة «الإرهاب الجهادي» وربطه بـ«الإسلام الراديكالي» لوجدنا في كل ذلك المزيج المتفجر الذي أتاح لحزب مكارين لوبن أن يكون الرابح الأكبر في الدورة الأولى من الانتخابات.
أما الخاسر الثاني في الانتخابات فهو بلا شك نيكولا ساركوزي٬ رئيس الجمهورية السابق ورئيس حزب «الجمهوريون»٬ العمود الفقري للمعارضة اليمينية وخصوصا الأكثر استعجالا للعودة إلى قصر الإليزيه. وكان ساركوزي يتمنى أن تكون انتخابات المناطق الرافعة التي ستوصله إلى الرئاسة من خلال الموجة اليمينية التي كان ينتظر لها أن تكتسح مواقع اليسار.
والحال٬ أن نتائج حزبه وحلفائه لم تكن على مستوى طموحاته٬ وعاد لترؤس «الجمهوريون» ليجعل من هذا الحزب ماكينة الحرب التي يحتاج إليها للمعركة الكبرى. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال٬ فمن ناحية لم يستطع أن يكون «السد المنيع» كما وعد بوجه مارين لوبن٬ ومن جهة ثانية فشل في أن يفرض نفسه زعيما لا منازع له لليمين إذ ينافسه على الزعامة رئيسان سابقان للحكومة٬ هما آلان جوبيه وفرنسوا فيون٬ فضلا عن طموحات سياسيين إضافيين٬ هما وزير الزراعة السابق برونو لومير ونائبة رئيس الحزب ناتالي كوسيوسكو موريزيه.
والأهم من ذلك أن نتائج المرحلة الأولى بينت أن ساركوزي «ليس الرجل المنقذ»٬ إذ تراجع «الجمهوريون» إلى المرتبة الثانية. وجاء قرار المكتب السياسي٬ أمس٬ للحزب الرافض لأي تنازل لليسار في المناطق التي حل فيها في المرتبة الثالثة٬ ليبين أنه يتمسك بمصالح حزبه أكثر من تمسكه بقطع الطريق على اليمين المتطرف.
أما المنتصر في هذه المعركة فهو بلا شك حزب الجبهة الوطنية الذي حقق أرقاما قياسية لم يحلم بها بتاتا٬ فزعيمته مارين لوبن حصلت على 40.64 في {اليمين المتطرف يتقدم في انتخابات المناطق.. وعينه على {الإليزيه المائة من الأصوات في المنطقة العمالية بيكاردي (شمال البلد)٬ وهو رقم لم يصل إليه حزبها برئاسة والدها جان ماري لوبن٬ ولا منذ أن خلفته في القيادة.
ولم تحَظ مارين لوبن وحدها بهذه النسبة٬ إذ إن ابنة شقيقتها وحفيدة جان ماري لوبن والشابة ماريون مارشال لوبن حصلت على نسبة مشابهة في المنطقة الساحلية المتوسطية بما فيها واجهة الشاطئ اللازوردي.
وتفيد الإحصائيات الرسمية بأن حزب لوبن ضاعف أحيانا ثلاث مرات نسبة الأصوات التي حصل عليها٬ ما يبين أن أفكار اليمين المتطرف الفرنسي آخذة في التجذر في كل الطبقات الاجتماعية بما فيها طبقة الشباب والفلاحين والعمال والكادرات. والواضح أن صورة فرنسا السياسية آخذة في التغير٬ وتداعياتها لن تبقى داخلية٬ بل ستنعكس عليها في الخارج٬ خصوصا إذا عمدت مارين لوبن حزبها إلى تطبيق برامج تقيم الحواجز بين المواطنين وتبدو واضحة العداء لكل ما هو «أجنبي» أو «مسلم»٬ ما يمهد لانقسامات وصعوبات إضافية بينما المطلوب بعد الاعتداءات الإرهابية إعادة اللحمة الوطنية وإطفاء البؤر المتوترة لا إذكاؤها.