في طرح لقي الكثير من النقاش في أوساط المنتدى بين مؤيد ومعارض، فجّر المفكر الأميركي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو جون ميرشايمر قنبلة في محاضرته التي حملت عنوان: «السياسة الأميركية في الشرق الأوسط منذ أحداث 2001: من كارثة إلى أخرى».
ميرشايمر، المقاتل السابق في حرب فيتنام، قال إن منطقة الخليج هي المستفيد الأكبر من السياسة الخارجية الأميركية بعد 2001، وعليها أن تحمد ربها لأنه لم يحصل لها ما حصل في البلدان الأخرى. وقال إن هواجس الخليجيين من هيمنة إيرانية على المنطقة ليست صحيحة، فإيران لا تملك القدرة على فرض هيمنتها، كما أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بذلك.
وحدد المحاضر ثلاث مناطق استراتيجية في العالم بالنسبة للولايات المتحدة، وهي أوروبا وشمال شرق آسيا والخليج. فأوروبا منذ 1900 حتى 2000، تعتبرها واشنطن منطقة نفوذ لا تقبل بدخول أي جهة منافسة إليها. وتليها شمال شرق آسيا، ويأتي الخليج في المرتبة الثالثة بعد آسيا، لأنه مصدر للنفط. أما اليوم فتأتي آسيا في المقدمة، مع صعود الصين السريع كقوة عظمى يمكن أن تهدّد مكانة أميركا، فيما يبقى الخليج على أهميته بسبب النفط، حيث تستورد الصين نصف وارداتها النفطية من منطقة الخليج.
ويرى الباحث أن الولايات المتحدة اعتمدت على سيطرة بريطانيا على الخليج حتى العام 1968، عام إعلانها الانسحاب من شرق السويس، وبعد سحب بريطانيا آخر جنودها من المنطقة اعتمدت الولايات المتحدة على نظام الشاه لتأمين مصالحها الاستراتيجية الحيوية، وبعد الثورة الإيرانية عمدت إدارة كارتر إلى إنشاء قوة للتدخل السريع في البحر المتوسط والبحر الأحمر، وبعد 1991 استخدمت استراتيجية «الاحتواء المزدوج» للقوتين الكبريين في المنطقة، إيران والعراق، ولكنها بعد 2001، اعتمدت سياسة «تغيير النظام» في الشرق الأوسط، وطبقتها في خمس دول، وهي أفغانستان والعراق وسورية ومصر وليبيا، وكلها لم تأتِ بالنتائج المرجوة. واستدل على قوله بأفغانستان التي لايزال تهديد طالبان قائماً فيها، رغم أن أميركا خاضت فيها أطول حرب في تاريخها الحديث، وبكلفة مالية وبشرية ضخمة.
كما شكل العراق إخفاقاً آخر للسياسة الأميركية، حيث أدّت إلى بلد مقسم طائفياً وعرقياً، ومئات الآلاف من الضحايا المدنيين، وأسهمت في نشوء تنظيم الدولة الإسلامية. واعتبر ميرشايمر ليبيا كارثة أخرى للسياسة الأميركية، فهي تعيش حرباً أهليةً لا توجد بارقة أمل للخروج منها. وقدّم مثلاً آخر على دعمها لنظام مبارك، ثم ساندت عزله من الحكم، ورحّبت بمجيء الإخوان، ولكنها دعمت الانقلاب ضدهم بعد عام واحد. أما سورية، فرأى ميرشايمر إنها لا تشكل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة، لعدم امتلاكها نفطاً، وإن الحل هو في دعم نظام الأسد، لأنه أقل الحلول شروراً، لأن البديل سيكون أسوأ من الأسد بكثير.
ميرشايمر، أكد أن السياسات الأميركية في المنطقة أدت إلى سلسلة من الكوارث، حيث أصبحت مشكلة الإرهاب أسوأ، وتعمق الشرخ السني-الشيعي، والتسبب في معاناة كبيرة للضحايا المدنيين ومحنة اللاجئين. كما أنها لم تفعل شيئاً للشعب الفلسطيني، ودعمت الأفعال الإسرائيلية التي مثلت واحدة من أكبر الجرائم في القرن العشرين. كما قال إننا دعمنا صدام في حربه ضد إيران، وكنا نعرف استخدامه السلاح الكيماوي ضد إيران والأكراد. وقد عدنا وأسقطناه، وتسببنا في حدوث فراغ، ملأته بالطبع إيران.
وفي تقييمه لإيران، على ضوء ما سمعه من آراء في جلسات المنتدى، تعكس تزايد المخاوف الخليجية بعد الملف النووي الإيراني، قال الباحث الأميركي إنه لا يعتقد أن إيران تشكل تهديداً فعلياً بفرض هيمنتها على المنطقة، كما أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بذلك، فعلى رغم انسحابها عسكرياً من المنطقة، إلا أنها ستبقى توفر الحماية لدول الخليج. واعتبر الاتفاق النووي اتفاقاً جيداً، فهو يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي لمدة 15 سنة مقبلة. وتساءل: ماذا بعد ذلك؟ وأجاب: إيران ليست نمراً من ورق، ولكنها ليست دولة نازية أيضاً، وهي تحاول أن يستقر نظامها أيضاً. ولو كنت مستشاراً للأمن القومي في إيران لنصحتها بامتلاك السلاح النووي، لضمان عدم مهاجمتها مستقبلاً، من جانب أميركا أوإسرائيل، وإذا أردتم ألا تمتلك إيران هذا السلاح فعليكم أن تقيموا معها علاقات جيدة، وكذلك أميركا. وعليكم في هذه المنطقة أن تشعروا بالرضا لأن أميركا لم تسعَ لتغيير الأنظمة كما فعلت في ليبيا وسورية.
واعترف بالأخطاء الكارثية التي وقعت فيها سياسة القوة الأميركية، وقال: «لا تبالغوا في قوة أميركا، يمكنها أن توفر حماية لدولكم، لكن أية قوة عظمى عندم تحتل بلداً آخر ستواجه مشكلات كبيرة وقد تنتهي بالهزيمة، كما حدث معنا في فيتنام، ولاحقاً في أفغانستان والعراق، وكذلك عندما احتلت إسرائيل جزءاً كبيراً من لبنان.
وخلص ميرشايمر إلى القول: «إنني لا أرى حلاً قريباً في سورية والعراق أو حتى فلسطين، فالسياسة الأميركية هي إشاعة الفوضى في المنطقة».
العدد 4840 - الإثنين 07 ديسمبر 2015م الموافق 24 صفر 1437هـ