شبابنا وشاباتنا الكبار هم من يقضون أحلى فترات حياتهم بالملل في مجتمعاتنا الشرقية، والتي لم تتواكب مع الحياة العصرية العالمية والتي أعتبرها من أطول الفترات التي هضمت حقوقهم وأهملتهم في مجتمعاتنا، ويبدو أنه لايريد أحد أن يتحدث عنها أو ربما يخجلون من ذكرها (فالشيخوخة ضعفٌ إنساني) ويعيبهم مناقشة موضوعها، حيث تقتصر فترة مابعد التقاعد فترة الانشغال بالأحفاد والشئون المنزلية من قِبل الأمهات الكبار (الجدات والأجداد) خصوصاً والآباء عموماً، بحيث تنطفئ شمعة حياتهم المتوهجة وينزوون جانباً بحجة أنهم قد تعبوا في أشغالهم وكبروا في السن، وأنه قد آن الأوان للراحة والخمول، وتذهب في الكثير من الأحيان هباءً، ودون التمتع بتلك الفتره الذهبية بالطريقة الصحيحة والتي من المفترض أن يكونوا فيها في قمة السعادة والهناء.

والملفت للنظر بأنهم لا يشعرون بها، إلا حينما يواجهونها ويصلون لتلك المرحلة، حيث تكون خياراتهم حينها محدودة لعدم التحضير لها مسبقاً سواء من طرفهم لممارسة هواية أو دراسة شيء آخر حيوي بعد التقاعد، أو من مجتمعاتنا الراكدة حكومياً واجتماعياً بحيث لاتفكر أو تخطط لهذه الأجيال والتي كانت يوماً معطاءة وشابة، ماهو مصيرها بعد أن تكبر وما الذي هيأته لها مع كل تلك الثروة النفطية الهائلة، وأين التخطيط لهم؟ وماذا عن الخبراء الأجانب الذين يأخذون أماكننا وبرواتب لايستحقونها؟ ما الذي قدمه هؤلاء من تخطيط لبناء مجتمعاتنا بكوادرنا المتعلمة أو المتوسطة والبسيطة حينما يكبرون أو يتقاعدون؟

وهم يعيشون يومياتهم في تأجيلٍ مستمر ويتركونها على الله الكريم، حيث تتأزم حياتهم مع الوحدة والعزلة، ومن ثم الأمراض النفسية والعضوية، وبسبب الساعات الطويلة من الفراغ ودون وجود التحفيز النفسي والعقلي ولا حتى بوجود الأماكن الترفيهية من الحدائق العامة والشواطئ، وحتى البر تقلص وأصبح كالباحة المكتظة بالمخيمين، وعدم الاهتمام بهم بأية طريقة ليساهموا معنا وبأنهم مازالوا الجزءُ النابض.

وقد تطول تلك الفترة لسنواتٍ قد تصل إلى الثلاثين من العمر المديد (يعني عمراً جديداً آخر، عند الكثيرين!) خاصةً مع التقدم العلمي والطبي وعمليات التجميل التي يصعب معها تحديد الأعمار، وهم مازالوا في صحة بدنية وعقلية ولياقة عالية، وعلى درجة عالية للعطاء في شتى المجالات اعتماداً على المجهود الذي بذلوه في الاستفادة من محيطهم الحياتي (investing in themselves) خاصةً المتعلمين منهم، ومن حافظوا على الحياة الصحية والرياضة والتقدم العلمي الحديث. وهم مهملون.

يحدث ذلك عندنا،على غرار المجتمعات الغربية والشرقيه النابضة والتي تهتم بتطوير شعوبها بتوجيههم لما فيه صالحهم، وتوفير سبل الرفاهية والتعليم المستمر لجميع الفئات ومنهم كبار السن والذين يعتبرون هذه المرحلة هي الذروة في العطاء الإنساني، ويرسمون ويخططون لها قبل الوصول إليها وبتشغيل ملكاتهم العقلية باستمرار، والاستفادة منها في إلهائهم وبتشغيلهم (part timer) أو بالمساهمة في التنمية الثقافية، وتدريب الشباب، ووضعهم في الأماكن التي عملوا فيها وبخبراتهم المتراكمة علاوة على توفير المنتجعات وكل سبل الرفاهية والتسلية لهم، وبرواتب رمزية (مثلما تقوم بها معظم الجامعات الأميركيه) حيث تعتبر هذه المرحلة العمرية من أهم الفترات، وتقدير المتقاعدين هي من أروع مايمكنهم تقديمه إليهم بتبادل الأدوار ومن الأخذ والعطاء معهم وهم مازالوا قادرين.

إن العالم المتقدم يعتبر هؤلاء عملاتِ نادرة، ومن المراحل المهمة في العطاء والتمرس، وبداية لمرحلة مختلفة تماماً عما قبلها، بحيث أن خبراتهم أثمن بكثير من أي أجنبي، فهو أكثر إبداعاً وإنتاجاً فيما يخص بلادنا مع باكورة تجاربه وخبرته المتراكمة، وبالإمكان توفير مايحتاجونه للتطوير أو الدراسة في تهيئة وسائل التعليم المستمر.

ولذا يجب التفكير للتحضير لهذه الفئات للاستفادة المتبادلة، وأن يكونوا القدوة للأجيال القادمة، وأن تتوسع مداركهم لماينتظر الجميع مستقبلاً من الاستعداد من جمالٍ وفرح لهذه المراحل المتقدمة.