حافظت خمسة من دول مجلس التعاون الخليجي على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي لعقود، فيما ظلت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها بسلة من العملات، لكن حتى في هذه السلة نجد أن الدولار الأمريكي هو الأرجح وزناً، في تحليل اقتصادي أعدتها مجموعة ""QNB اليوم السبت (5 ديسمبر/ كانون الأول 2015).
إلا أن التراجع الحاد الذي طرأ مؤخراً على أسعار النفط قد أثار بعض التوقعات في سوق العملات حول إمكانية خفض دول مجلس التعاون الخليجي لعملاتها. لكن هذا الرهان ليس في محله على الأرجح وذلك لسببين. أولاً، يعتبر الربط بالدولار مفيداً على المستوى الاقتصادي بالنظر لهياكل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. ثانياً، هناك إرادة سياسية مدعومة بالوفرة في موارد دول مجلس التعاون للحفاظ على هذا الربط.
ولإدراك مزايا هذا الربط، من المفيد أن نفكر فيما كان سيحدث لو أن دول مجلس التعاون الخليجي كانت تعتمد على نظام سعر الصرف العائم. ففي هكذا سيناريو، كان تراجع أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض في قيمة العملات المحلية. وهذا ما حدث في بعض كبرى الدول المصدرة للنفط كروسيا والبرازيل التي تراجعت قيمة عملتيهما بواقع 71% و88% على التوالي مقابل الدولار الأمريكي منذ منتصف عام 2014. وحتى بعض الدول الأخرى المصدرة للنفط ولكن تعتمد بشكل أقل على الصادرات النفطية مثل كندا والنرويج شهدت تراجعاً كبيراً في قيمة عملاتها (25% و42% على التوالي خلال نفس الفترة).
ومن شأن انخفاض قيمة العملة أن يثير ارتفاعاً كبيراً في التضخم بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي تستحوذ عليها السلع والخدمات المستورَدة في سلة المستهلكين. وهو ما تؤكده التجارب الدولية حيث تشهد أسعار المستهلك في البرازيل وروسيا تضخماً كبيراً. نتيجة لذلك، كانت البنوك المركزية في دول مجلس التعاون ستقوم برفع أسعار الفائدة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والحد من تراجع قيمة عملاتها والسيطرة على ارتفاع التضخم.
على أثر هذا كله، كان النمو سيتأثر سلبياً بشكل شبه حتمي بسبب تراجع الاستهلاك الخاص نتيجة لتقلص القوة الشرائية للمستهلكين جراء ارتفاع معدلات التضخم. كما كان الاستهلاك سيصبح أقل جاذبية من الادخار بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وكان من شأن ذلك أيضاً تراجع الاستثمار نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة.
كما أن التقلب المتزايد في معدلات التضخم وأسعار صرف العملات الناجم عن نظام سعر الصرف العائم كان سيجعل من الصعب اجتذاب العمال الأجانب ورؤوس الأموال الأجنبية، وهما المحركان الرئيسيان للنمو في بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
تشير الحيثيات أعلاه بوضوح إلى فوائد النظام الحالي القائم على ثبات سعر الصرف، لكن البعض يجادل بأن انخفاض قيمة العملة كان بإمكانه أن يعزز القدرة التنافسية للصادرات ويدفع بعجلة النمو.
وهذه حجة صحيحة بالنسبة لاقتصادات مثل كندا والنرويج، لكنها لا تنطبق على دول مجلس التعاون الخليجي لأن معظم صادراتها تنحصر في النفط والغاز، اللذين يتم تحديد أسعارهما دولياً وتقويمهما بالدولار الأمريكي. فعلى سبيل المثال، لن يجعل انخفاض قيمة العملة في دول مجلس التعاون الخليجي برميل النفط الخليجي أكثر جاذبيةً من برميل النفط الروسي. بطبيعة الحال، ومع تنويع دول مجلس التعاون الخليجي لصادراتها، يمكن لانخفاض قيمة العملة أن يفيد الصادرات غير النفطية. وفي حين تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من تنويع مصادر النمو الاقتصادي بعيداً عن النفط والغاز، إلا أن تنويع الصادرات ما زال متأخراً.
بالنظر إلى أن نظام سعر الصرف الثابت مناسب لدول مجلس التعاون الخليجي، يبقى السؤال التالي هو: هل من المتوقع أن تحافظ دول مجلس التعاون على هذا الوضع؟ نعتقد أن الجواب هو نعم وذلك لسببين.
أولاً، هناك إرادة سياسية والتزام للحفاظ على الربط نظراً لفوائده الاقتصادية للمستهلكين والاقتصاد ككل. ثانياً، هناك موارد مالية وافرة للحفاظ على ربط سعر الصرف.
فقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في مراكمة مدخرات كبيرة بالعملات الأجنبية خلال الطفرة النفطية الأخيرة، وبإمكانها استخدام هذه المدخرات للدفاع عن ربط عملاتها بالدولار. وتبلغ هذه المدخرات في العديد من دول مجلس التعاون أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من أن بعض هذه الاحتياطيات قد استخدمت في الأشهر الأخيرة، إلا أنها تظل كبيرة وكافية للدفاع عن ربط العملات بالدولار حتى لو ظلت أسعار النفط منخفضة لبضع سنوات.
باختصار، فإن ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي هي سياسة مناسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، حيث أنها توفر الاستقرار لمعدلات التضخم وللنمو. ومع تقدم دول مجلس التعاون الخليجي في مسار التنويع الاقتصادي، وخاصة فيما يتعلق بالصادرات، فإن بإمكانها أن تستفيد أكثر من نظام سعر صرف أكثر مرونة في المستقبل. ولكن في الوقت الحاضر، هناك إرادة سياسية والتزام وموارد كافية لدى دول مجلس التعاون الخليجي للإبقاء على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي.