العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

«صيَّاد الظلام» لدوناتو كاريسي جاءت بوحي من «أرشيف الظلام»

غلاف الرواية
غلاف الرواية

يستوحي الكاتب والروائي الإيطالي دوناتو كاريسي جانباً من عوالم وفضاءات روايته الجديدة «صيَّاد الظلام» من جماعة الـ «Penitenzeri» القديمة، والتي تتكوَّن من فريق إيطالي فريد، مُرتبط بالفاتيكان، يتم تدريبه على الكشف عن الشرِّ الحقيقي، إلى جانب استنادها إلى ما أسماه «أرشيف الخطايا».

عن ذلك قال، كمن اكتشف مادة لرواية يمكن أن تكون عظيمة أغفلها كثيرون: «كيف يعقل أن أحداً لم يكتب من قبل حول الـ penitenzieri))؟ يا له من موضوع رائع لرواية»!

قبل ذلك كله، علينا أن نعرف أن كاريسي، وبحكم دراسته في المرحلة الجامعية، لمادتي «القانون وعلم الجريمة»، استلهم من ضوابط العلمين وصرامتهما، اشتغاله على الروائية البوليسية، ولم تكن مفاجأة، فوز روايته «الهامس» بـ «جائزة أفضل رواية بوليسية في أوروبا»، إلى جانب أربع جوائز دولية أخرى. يمكن إضافة بُعْد ثالث، كان بمثابة الدرْبة والمران العملي، يتمثَّل في كتابته السيناريو للتلفزيون؛ إذ عمل منذ العام 1999 في هذا المجال.

أليسون فلوود، وتقرير نشرته صحيفة «الغارديان» يوم الأحد (29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، ينشر ملحق «فضاءات» بصحيفة «الوسط» أهم ما جاء فيه، مع إضافات وشروحات ارتأى المحرِّر ضرورتها.

أن تصحوَ كاهناً!

في الصفحات الأولى من الرواية المثيرة الجديدة لدوناتو كاريسي «صيَّاد الظلام»، نجد أنفسنا أمام ماركوس، أحد الشخصيات الرئيسية في الرواية، وقد فقد ذاكرته؛ إذ مع استيقاظه يكتشف أنه كاهن. إزاء حال كتلك، لا يتغيَّر المشترك لديك فقط أو المتنوع في الحديقة التي ألِفْتَ (المكان). لحظتها «ستكون قادراً على تحديد من أنتَ فقط في حدود الزمن الذي ينقضي بين لحظة البرق والرعد». ذلك ما قاله له معلِّمه. أمام كل ذلك أيضاً، ربما يتبدَّى القليل من احتمالات النُذُر أو البشارة. هو «الممثل الأخير للأمر المقدس»، باعتبار ماركوس عضواً في جماعة الـ «Penitenzeri» القديمة، التي تتكوَّن من فريق إيطالي فريد، مُرتبط بالفاتيكان، يتمُّ تدريبه على الكشف عن الشر الحقيقي (الكاهن الذي يُدير التكفير عن الذنب) ... سينعتكم البشر رغم الاعترافات تلك بـ (صيادي الظلام)».

قاتل سفَّاح يجوب شوارع روما. لا يترك وراءه أي أثر، ولا يُبدي أي رحمة.

تترك سلسلة جرائم القتل البشعة تلك قوة الشرطة في روما تترنَّح في شكوكها واستنتاجاتها، مع عدم وجود أدلة حقيقية، أو دامغة كي تتم متابعتها. يتم تعيين المُحلِّلة الشرعية اللامعة ساندرا فيجا للقيام بمهمة الكشف عن القاتل. تكافح من أجل التوصُّل إلى خيوط تربط الجرائم بماضيها الخاص. تتشارك ساندرا وماركوس، تاريخاً من الوقوف على تلك الجرائم، باعتبار الأخير عضواً في جماعة «Penitenzeri» القديمة، المرتبطة بالفاتيكان. يتم استدعاؤهما إلى التحقيق في الجرائم التي تهزُّ روما.

سريعاً ما يُلاحظ كل من ماركوس وساندرا ظهور نمط مُقلق يبرز جنباً إلى جنب مع حوادث القتل، وفي كل مرة كانا يعتقدان بأنهما أدركا جزءاً من الحقيقة، بينما يؤدي بهما توهُّم ذلك الكشف إلى مسار آخر مرعب.

عمل أدبي جديد ومثير من المؤلف الأكثر مبيعاً بفضل روايته «الهامس»، التي تلتقط المناخات الجميلة في روما، وتعمل على استكشاف أسرارها المظلمة والخفيَّة.

ما لا يراه الآخرون

إنه افتتاح مُثير وسارٌّ تأخذنا إليه الرواية. بما تتركه من الحُبور حين تأتي وارفة بالميلودراما. ماركوس، الذي يستغرق وقتاً طويلاً لبلوغ أهداف المهمة التي ارتضاها عن طيب خاطر، قادر على رؤية «ما لا يراه الآخرون. رأى الشر». يتم الكشف عن ذلك في التفاصيل، وفي الحالات الشاذَّة. ثمة دموع صغيرة تنهمر على نسيجِ حياة تبدو طبيعية. يتردَّد صوت خفيٌّ في حالٍ من الفوضى. «لقد تم وضعه على درب (وحش روما)»، السفَّاح الذي كان يطرق بشكل شنيع حيوات أزواج في جميع أنحاء المدينة الخالدة، في الوقت الذي يتمكَّن من التملُّص بسهولة من الشرطة. تبرز في هذه القضية أيضاً المحللة الشرعية ساندرا فيغا، وهي المرأة ذاتها التي التقت ماركوس للمرة الأولى في رواية كاريسي «بنات روما المفقودات»، وعلى رغم الوعود بأن تحظى القضية بالسرية، إلا أنها تشاطر المعلومات المستقاة من تحقيقات الشرطة مع ماركوس.

تلك هي المرَّة الرابعة التي تتحوَّل فيها روايات كاريسي إلى اللغة الإنجليزية، والتي تبدو أحيانا منهمكة بإثارتها للارتباك، بحكم طبيعة الشخصيات، والأدوار الغامضة التي تتم تأديتها، مع الوقائع المنظورة والمتداخلة في ثناياها. العربدة، وعلامات الصليب التي نواجهها وهي تبدو رأساً على عقب، إصلاح النازيين الجُدد، دمية ذات شكل غريب، رمز لرجل برأس ذئب، كلٌّ من أولئك يلعب دوره، فيما يبدأ ماركوس وساندرا بالشكِّ في شخص ما، في مكان ما، هو من يعمل على حماية الوحش (سفاح روما).

الشر هو القاعدة

«الشر هو القاعدة. الخير هو الاستثناء»، ظلَّت النغمة التي تتردَّد أصداؤها خلال الرواية تمضي بصيغة مُحْتدمة وعالية. ثمَّة مساحات عديدة من التنافر، وقد يكون مردُّ ذلك في بعض الأحيان إلى خطأ المُترجم، ولكن لا يمكن حصْر السبب في ذلك فقط.

في غضون ذلك، تبُدو قوات الشرطة التي يُقدِّمها لنا كاريسي في الرواية، في موقف العاجز، واهنة ومتحيِّرة، ففي إحدى نقاط التفتيش يتم إرسال 40 سيارة لا توحي بأنها تابعة إلى الشرطة، يستقلها ضباط يرتدون ملابس مدنية، تكون بمثابة طُعْم «لتضليل القاتل». العملية الوقائية لا تنتهي بالطريقة التي كان يؤمل منها.

«penitenzieri» (أشرنا إليها مطلع تقديم هذه المراجعة، والتي تتكون من فريق إيطالي فريد، مرتبط بالفاتيكان)، و«أرشيف الخطايا» الذي تم جمعه من أسوأ الاعترافات التي تم الإدلاء بها إلى الكهنة على مرِّ القرون، يُعتبران بمثابة هدية استمدَّت منها الرواية مادتها. في ملاحظة للمؤلف ترد في نهاية الرواية، كتب كاريسي كيف أن الجماعة تلك والأرشيف، واقعاً - هما حقيقيان - ويُعدَّان أقدم هيئتين في الفاتيكان، ويتضمَّنان معلومات تبدو لغزارتها مملة بما فيه الكفاية، وتم تعزيز كل ذلك بموقع تم تدشينه على شبكة الانترنت.

وفي الوقت الذي تتضمَّن الرواية القليل من مادة تلك الجماعة والأرشيف، ثمة الكثير مما تحتويه مادة تلك المرجعيتين، والكثير مما يدور من حولنا أيضاً؛ ما دفع المؤلف الذي أثارته تلك المادة إلى أن يقول: «كيف يعقل أن أحداً لم يكتب من قبل حول الـ(penitenzieri)؟ يا لَه من موضوع رائع لرواية»!

يُذكر أن الكاتب والروائي الإيطالي دوناتو كاريسي، من مواليد العام 1973. درس القانون وعلم الجريمة. عمل منذ العام 1999 ككاتب سيناريو للتلفزيون. فازت روايته «الهامس» بجائزة «أفضل رواية بوليسية في أوروبا»، كما فازت بأربع جوائز أدبية دولية، وتم بيعها في ما يقرب من عشرين دولة، وتُرجمت إلى لغات مختلفة مثل: الفرنسية والدانماركية والعبرية والفيتنامية. يعيش كاريسي حالياً في العاصمة الإيطالية (روما).

دوناتو كاريسي
دوناتو كاريسي

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً