العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

زكريا رضي: نشكو من غياب نظرية نقدية عربية

في ورقة قدمها بمنتدى «الوسط» حول إشكالات الكتابة النقدية

زكريا رضي
زكريا رضي

قال الكاتب في النقد زكريا رضي: «إن أحد الإشكالات التي تواجه ساحة النقد العربي هو غياب نظرية نقدية عربية، وكل ما لدينا مؤسس على منجز نقدي من الشكلانين الروس ومن بعدهم ممن أتوا من مشاريع الحداثة إلى ما بعد الحداثة إلى منتج الحركة النقدية الفرنسية إلى التفكيك إلى السيميولوجيا إلى آخره من تلك النظريات النقدية».

جاء ذلك عبر ورقة قدمها زكريا رضي فهد حسين في منتدى ثقافي نظمته صحيفة «الوسط» حول «الحركة النقدية في البحرين: إشكالات وهموم». وفيما يلي نص الورقة التي قدمها رضي:

الجانب المفاهيمي في عملية النقد مهم لأنه يعطينا ذخيرة مفاهيمية لتناول مسائل النقد. في هذا الوقت المختصر لن نستطيع أن نحصر الأمور المفاهيمية المتعلقة بالنقد بشكل مفصل، ولكن أقف سريعاً عند المحاور المقترحة منها موقف الناقد من المادة الأدبية الأدبية وموقف الآخرين منه، توجد برأيي علاقة ملتبسة بين الطرفين، ولكن فيما أرى بأن الموقف النقدي أساساً يتحدد بالنسبة للناقد من النص ذاته لا من خارجه ولا عنه ولا من حوله، وبرأيي أن الموقف النقدي متى التزم الفنية والعلمية في قراءته النص الأدبي والإبداعي تحددت رؤيته، وأصبح بالإمكان أن يكون لدينا خطاب نقدي وأصبح لدينا مجال لأن يتأسس ذلك أو أن تؤسس تلك الرؤية لرؤى أخرى مقاربة له، باعتبار أن الناقد إذا توجه لنص معين وأعمل أدواته واقترح رؤيته، فرؤيته أيضا تكون نقداً موازياً، وبالتالي تتولد عملية نقد النقد، وعلى العكس متى ما تشخصن النقد، وأصبحت ذات المؤلف من حيث هو حاضرة لدى الناقد قبل شخصه قتل النص، وماتت العملية وأصبحت مسألة شخصية محضة في العمل الإبداعي.

لا يفترض في الناقد أن يقدم إسقاطاته الذاتية على النص بل عليه أن يشتبك باللغة وهذا شغله الشاغل وأن يفهم من خلال اللغة الظواهر الأخرى، أرى أن تجربة النص الجديد ومجالات التجريب في الكتابة الإبداعية نثرياً وشعرياً أوجدت نوعاً مما يمكن تسميته بالظاهرة اللغوية الجديدة. فاللغة الإبداعية الجديدة فرضت نفسها كظاهرة في عملية الكتابة، واستفادت بشكل أو بآخر من المنجز النقدي العتيد الذي ولدته مدارس النقد الحديثة، وفرضت وجودها، وعلى الناقد المتمرس أن يحسن الإمساك بمفاصل هذه اللغة، وأن يعرف من أي زاوية يلج للنص سواء كانت الزاوية ظاهرة أو زاوية ميتة في النص غير ظاهرة، وعلى الناقد أن يلج فيها وأن يذهب عميقاً لأن هذه العملية بحد ذاتها تشكل أسئلة ولادة إلى من سيقرأ التجربة لاحقاً، وقد تشكل أسئلة إلى المؤلف ذاته، والأهم الاشتغال على النص واستنطاقه وإعمال التأويل في الطاقة الخلاقة للمجاز في بناء رؤية نقدية خلاقة ومحرضة لقراءات موازية.

وإذا حضر السؤال أين هو الآخر من كل ذلك؟ فإني أهجس لكلمة الآخر أن هناك عدة أطراف من بينها المؤلف ذاته، والجمهور العام، والقارئ النخبوي، وأرى أن على الناقد أن يسهّل على هذا الآخر عملية وصوله إلى النص الإبداعي، ولكن لا ينبغي عليه أن يقدم جميع مفاتيح النص له، ليفتح بها أبوابه المغلقة بل عليه أن يضع هذه المفاتيح بين يديه ويترك له حرية تجريبها.

في المدخل الآخر في العلاقة بين الناقد والمثقف بشكل عام والكاتب، فلي أن أفترض أن هناك نوعاً من الالتباس بين الطرفين، وعلاقة يشوبها نوع من الندّية أحياناً، وهذا شيء طبيعي ينتج نتيجة التجاور والمعرفة في الفن ذاته موضوع التجربة، وهو مسألة طبيعية أن تكون هناك نوع من المنافرة أو التآلف، ولكن ما أراه أن ناقداً جيداً بمقدوره أن يخدم الكاتب والمؤلف أكثر من الإضرار به وسواء كان النص محرضاً للنقد وللناقد على الضد لخلق رؤية مضادة للمؤلف، أم محرضاً له على الإيجاب ليتبنى رؤية موائمة فهي علاقة متبادلة ومتكاملة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن النص الإبداعي كلما كان غنياً وخصباً وزاخراً بالتأويل كان ذلك عاملاً محفزاً للناقد على أن يعمل أدواته فيه وعلى العكس كلما كان متهالكاً وضعيفاً أعجز الناقد، إلا إذا كان ذلك الضعف في حد ذاته محفزاً للناقد على كشف ضعف هذه التجربة وتهالكها، ستبقى تلك العلاقة بين الناقد والكاتب علماً. وهذه المسافة مطلوبة دائماً لكي يتمكن الناقد من قراءة المؤلف قراءة عن بعد بعيداً عن المواقف العاطفية التي قد يقع فيها الناقد في ضعف مجاملة للمؤلف.

مع وجود محصول نقدي بحريني لا يستهانُ به في مجال النقد في عدة حقول سردياً وشعرياً ومسرحياً وسينمائياً إلا أن المشكلة أن الإنتاج الكتابي يزيد بكثير عن الإنتاج النقدي، مع عدم إغفال الدراسات النقدية التي نهض بها باحثون بحرينيون جدد على صعيد نقد الرواية ونقد الشعر.

بقيت المسألة الأخيرة وهي نقد النقد أوافق ما ذهب إليه الدكتور فهد حسين من الحاجة إلى نقد تنظيري نحن نشكو من غياب نظرية نقدية عربية وهذا في حد ذاته إشكالية طرحت قبل سنوات في ملتقى نقدي في الرياض، فلا توجد نظرية نقدية عربية حتى الساعة وكل ما لدينا مؤسس على منجز نقدي من الشكلانين الروس ومن بعدهم ممن أتوا من مشاريع الحداثة إلى ما بعد الحداثة إلى منتج الحركة النقدية الفرنسية إلى التفكيك إلى السيميولوجيا إلى آخره من تلك النظريات النقدية، فكل ما لدينا هو تطبيقات مشتقة من تلك النظريات الغربية. لا توجد لدينا حتى الآن نظرية نقدية عربية، فمن الطبيعي أن يقف هذا الحراك النقدي إذا كان الناقد يضع مشروعه النقدي لفترة زمنية ثم يقف، فمن سيكمل بعده إذا لم يأت جيل جديد يحمل هذه الأمانة وعملية نقد النقد بطريقة حديثة متناسبة مع هذا العصر ورؤاه فلن يتحرك النقد قيد أنملة وسيقف عند قيد زمني ولن يتجاوزه، لا أقول لا توجد هناك إبداعات في التطبيقات، توجد إبداعات وتوجد جهود حثيثة وبعضها بحرينية أيضاً في الفترة المتأخرة، ولكن لا ترقى إلى عملية النقد التنظيري للآن لم نصل إلى هذا المستوى من النقد التنظيري، بحيث نجد أن هناك مشروعاً نقدياً عربيا يستحق أن يحتفى به، وأن يشكل عملية أساسية ومنهجاً نقدياً أستطيع أن أمشي على هذا المشروع والنظرية كمنهج نقدي لدراسة النص الأدبي، أتصور أن عملية نقد النقد هي عملية مستمرة ومتكاملة وهي بالمناسبة أيضاً قديمة جداً في التراث العربي، فهناك كتاب عبدالقاهر الجرجاني في أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز، ونقده للموروث البلاغي العربي، وهناك على الصعيد الفلسفي ابن رشد في تهافت التهافت في رده على تهافت الفلاسفة للإمام الغزالي، وهي عملية نقد النقد، نحن بحاجة إلى هذه المسألة بشكل ملحّ وأساسي لأن بواسطتها نستطيع أن نجدد أسئلتنا لا على صعيد التجارب الإبداعية فحسب، بل حتى على صعيد أسئلة الوعي بالعالم وبالوجود بشكل أكثر إبداعاً وأن نقدم رؤى جديدة لواقعنا اليومي.

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً