العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ

سيرةُ كتاب: رواية «ألف شمس مشرقة» لخالد حسيني

ألف شمس مشرقة
ألف شمس مشرقة

«آهٍ! يا لجمال كابول، تحضنها الجبالُ القاحلة،...

طُرُقُ كابول تخلِبُ الألباب،

عبر الأسواق، قوافِل من مِصْرَ عابرة،

من يعرف عدد الأقمار على سُطُوحِ دورك،

فهناك ألفُ شمسٍ مشرقة، متوارية خلفَ كُلِّ جدار».

مقتطفات من قصيدة «كابول» للشاعر الفارسي صائب التبريزي، التي استوحى منها الكاتب خالد حسيني الأميركي ذو الأصول الأفغانية عنوان روايته «ألف شمس مشرقة».

ألف شمس مشرقة، تعبيرٌ عن أملٍ لا ينتهي بخلاص شعبٍ عانى من ضيم المستعمر، فأي غازٍ مهما تعددت أوصافه وحججه في التدخل لفرض نظام حكم يتناسب في الحقيقة وأطماعه السياسية والاقتصادية، لن يجلب إلا دمار البنى التحتية وسيخلف مآسٍ إنسانية تحتاج لزمن طويل كي تشفى. هذه الرواية تحكي قصة امتدت لفترة ثلاثة عقود من تاريخ أفغانستان. منذ نهاية الملكية وقيام الجمهورية الأفغانية بدعم وتدخل الاتحاد السوفياتي إلى خروجه، منتقلة لصراع أمراء حرب اختلفوا على من يتولى حكم الدولة الممزقة، فتفجرت حرب أهلية دامية، مروراً بدخول طالبان وقيام الإمارة الإسلامية واحتضانها للقاعدة، إلى دخول الأميركان نتيجة - أو بحجة - ما سُمي هجمات 11 سبتمبر، وقيام جمهورية أفغانستان الإسلامية. تتعرف من خلال الرواية على مآسي شعبٍ يسعى لخلاصه ونيل حقوقه واستعادة كرامته. حكاية تجعل القارئ يعيش تفاصيلها متعرفاً على طبيعة أفغانستان وتداخل أعراقها وشعوبها وقبائلها من بشتون وطاجيك وهزارة وبلوش وتركمان وأوزبيك، بما يحملونه من أديان ومذاهب تنتفض ضد بعضها البعض مخرجة كل الشرور والشرر، في المقابل تجابهها طيبة ومحبة وأمل وتسامح وعزة من أناس لهم نفس تلك الانتماءات، إلا أنهم لم يخسروا إنسانيتهم رغم تعرضهم لأبشع حالات العنف والاضطهاد والتهميش والسحق، ولعل أكثر من عانى هي المرأة الأفغانية، وبها تبدأ الرواية. مريم الطفلة غير الشرعية لجليل الرجل الغني الحنون، الذي لم يستطع الخروج من عباءة عادات مجتمعه، رعاها في معزلٍ عن البشر لرغبة أمها نانا بذلك، كي تبعدها عن ألم نفسي وجسدي قد تتسبب به قسوة رجل كما حدث معها، مريم ذات الـ 15 ربيعاً تتزوج - مرغمة بعد أن فقدت أمها - من رشيد القاسي المتقلب العواطف. قبل زواجه من مريم، فقد رشيد ابنه غرقاً في مياه بحيرة، حينما كان غارقاً في سُكره. لم تعوضه مريم بابن فجعل حياتها جحيماً. وليلى الفتاة الطموح تجد نفسها في بيت رشيد بعد أن سقطت قذيفة على منزلها، عندما كانت على وشك الرحيل مع والديها، لقد كانت الحرب الأهلية مدمرة ومناطق نفوذ أمراء الحرب تتغير كل ساعة، لم يكن هناك مأمن إلا في الرحيل، لم يسعفهم الوقت، فصاروخٌ طائش عجّل في رحيل والديها، أصيبت ليلى وقام كل من رشيد ومريم برعايتها، إلا أن عادات المجتمع لم تكن لتسمح - رغم الدمار - بوجود امرأة دون ولي أمر أو كفيل! وقد استغل رشيد ذلك بنذالة، ولضرورة صون سمعته وسمعة الضيفة قرر رشيد الزواج بها. ترضخ ليلى موافقة فلا خيار لها ولا مأوى، وفي بطنها بذرة لروح جديدة زرعها حبيب طفولتها وصباها كما كانت تفكر ليلى بالأمر، طارق الذي رحل منذ فترة وجيزة هرباً مع أهله، تاركاً ليلى واعداً إياها بالعودة. مريم وليلى ضرتان تكره إحداهما الأخرى في البداية، لكن قسوة رشيد والزمن والحرب حولت مريم لأم وجدة حنونة، ليلى أصبحت بمثابة ابنة لها ملأت وأولادها الدنيا من حولها، فأصبحوا نور حياتها والأمل الذي تعيش من أجله. تدور الدوائر، يُقتل رشيد، تُعدم مريم كي تعيش ليلى في مأمن. ليلى وزوجها وابنتيهما وولدها يعودان لأفغانستان بعد غياب سنة في باكستان رغم سعادتهم والأمن الذي شعروا به خلال تواجدهم في موري البلدة الوديعة الهادئة. لكن الأرض لا تبنى إلا بسواعد وفكر شبابها وبحكمة شيوخها يرافقهم أملٌ بمستقبلٍ مشرقٍ لأبنائها، هكذا كانت تفكر ليلى ويُثني على رأيها طارق.

راودني - خلال قراءتي للرواية - تساؤل الملائكة لرب العالمين في سورة البقرة «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً * قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ * قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» (البقرة: 30) ونعم بالله حقاً إنه عليم بما لا تعلمه الملائكة والإنس والجن مجتمعة. إلا أننا نعلم بأن هذه الأرض ساحة اختبار، فكيف يُطلق بعض البشر كل شرورهم ويقومون بأعمال يندى لها الجبين، باسم الدين تارة وباسم العادات والتقاليد تارة أخرى، متوهمين بأنهم بذلك يلقون عن ظهورهم ما تحمله من آثام وبشاعات ترتكب بحق الأرض ومن عليها. في النهاية، هذه الأرض سيرثها العباد الطيبون.

* (أرجو أن تكون الترجمة لمقتطف قصيدة بداية المقال وإيصال معناها موفقة، فكل الترجمات التي قرأتها كانت ركيكة وغير مفهومة المعنى، وأشكر أصدقائي الذين ساهموا معي لإيصال المعنى من الأصل الفارسي للنص والترجمة الإنجليزية)

العدد 4837 - الجمعة 04 ديسمبر 2015م الموافق 21 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً