في كثير من الأحيان يتسبب الشك في قتل العلاقات وإنهائها، وإن استمرت هذه العلاقات في الحياة فهي تستمر مريضة متوعكة لا روح فيها بعد أن طُعِنَت في أهم جزء منها.

يقول أحد الحكماء: «أسوأ الناس من لا يثق بأحدٍ لسوء ظنّه، ومن لا يثق به أحدٌ لسوء فعله»، هذا الوضع يدخل الفرد في دوامة من القلق والتفكير المستمر والوحدة؛ فمن لم يثق بأحد لن يصطفي له صديقاً أو أخاً أو حبيباً أو زوجاً.

وللشك أوجه متعددة ومواقف كثيرة ومراتب أيضاً؛ ولكن ما يهمني في هذا الموضع هو الشك في الحياة الزوجية الذي يفسد السعادة ويقتل روح الاستقرار.

يحكى أن رجلاً ثرياً تزوج بامرأة تصغره في السن عشرة أعوام من بلاد بعيدة، لما عرفه من سلوكها الطيب والمحمود، ولكن في يوم من الأيام روى له أحد خدمه المقربين أن زوجته تجلس وحيدة في كل يوم بعد أن يخرج، ومعها صندوق خشبي قديم بحجم كبير يمكن أن يحمل رجلاً بداخله.

ارتاب الزوج وطلب من زوجته أن تفتح الصندوق بنفسها فرفضت؛ لأن ذلك يعني قبولها بشكه فأعطته المفاتيح ليفتحه بنفسه. لكن الزوج وجد أن فتح الصندوق أمراً مؤذياً لزوجته التي كان يحبها حبّاً جماً، فطلب من الخادم أن يدفن الصندوق في الحديقة فإذا كان بداخله رجلاً فإنه سيموت اختناقاً ويتخلص منه، لكن الزوجة قالت له: إنك لم تدفن الصندوق الخشبي الآن، بل دفنت روح حياتنا الزوجية والثقة التي كانت أساس استقرارها، مع العلم أن الصندوق كان يحتوي على مقتنيات عزيزة ورمزية تذكرني بأهلي ودياري حيث ولدت».

هذه الحكاية انعكاس لما يحدث في حياتنا الواقعية؛ إذ كثيراً ما يتسبب الشك بين الزوجين في تدمير العلاقات وفتورها بل وأحياناً يكون سبباً رئيسياً للطلاق حين يزيد الأمر عن حدِّه المقبول، وفي رأيي كل شكٍ في غير محله، حين يكون تجاه من لا يظهر من أمر خيانته أو سوء خلقه، شيء غير مقبول، لكن مرض الآخر بالشك وعدم ثقته بنفسه هو من يسوق إليه كل تلك الأحاسيس.

بعض الأزواج لعدم وفائهم وكذبهم المتكرر وأسلوب حياتهم الخاطئ يجعلهم يظنون أن شركاء حياتهم مثلهم، فيسود الشك قلوبهم وتتحول حياتهم إلى جحيم حين يظهرون عدم ثقتهم بالآخر، وهنا لا يمكن للحياة بأن تستمر في صراعات ومشكلات متكررة وحياة غير مستقرة. وفي بعض أحيان يكون سلوك المرء هو من يقود غيره للشك به؛ حين يظهر ما يريب ويفتعل المواقف التي تؤكد شكوك غيره، فقد قال الإمام علي (ع): «من وضع نفسه موضع التهمة، فلا يلومن من أساء به الظن».