في الندوة الأخيرة التي أقامتها جمعية «وعد»، عن الانتخابات الكويتية، بمشاركة النائبتين الجديدتين رولا دشتي وأسيل العوضي، أشار الضيف الكويتي الثالث عبدالله النيباري إلى ما ينتظره النواب الكويتيون من أسلابٍ وغنائم.
النيباري، وهو نائبٌ سابقٌ مخضرم، قال إن النواب الذين دفعوا أموالا طائلة للوصول إلى البرلمان ينتظرون استردادها الآن... عبر صفقاتٍ وعقودٍ وتسويات.
النيباري أشار إلى إحدى التحديات التي تواجه الديمقراطية المستنبتة في أرضٍ تفتقر إلى التقاليد الديمقراطية الراسخة، وهي انتفاء الحدود الفاصلة بين المصلحة الخاصة والعامة، ما يحتاج إلى ضميرٍ وترفّعٍ وتعزيز فكرة الخدمة والمصلحة العامة، بدل الجري وراء المصالح الشخصية للنواب. وما اعتبره البعض عبقرية في تمرير تقاعد النواب في الوقت الضائع، لن يمرّ دون حسابٍ انتخابي ومساءلةٍ سياسيةٍ عسيرةٍ من الجمهور.
أحد النواب الذي صمت ثلاث سنوات عن القضايا الوطنية الكبرى، خرج في أول مؤتمرٍٍ صحافي يشارك فيه ليعلن أن تقاعد النواب حقٌ مقدسٌ، ومعمولٌ به في ستين دولة... وبالتالي نحن سنكون الدولة الحادية والستين، فابلعوا ألسنتكم واخرسوا!
المشكلة ليست خاصة بنا، بل هي معضلةٌ عالمية الطابع، فما يعمله برلسكوني في إيطاليا، يعمله براون في بريطانيا، وفلاح السوداني في العراق، فالمال العام كنزٌ، والشاطر من قضم منه أكبر قضمةٍ ممكنة. والنواب الذين خجلوا من تمرير مشروع تقاعدهم قبل عامين بسبب وقوف الصحافة ورجال الدين ضده، باعتباره «رشوة» من الحكومة آنذاك... استطاع بعضهم التوصل إلى «حيلة شرعية» للحصول على 50 في المئة من الراتب التقاعدي للدورة الواحدة (أربع سنوات)، و80 في المئة للدورة الثانية.
في العراق... كانت المرجعية الدينية بصيرة بنواقص الجنس البشري، لذلك احتفظت لنفسها بمسافةٍ لتحفظ منزلتها ومكانتها التاريخية عن أهواء ومصالح النواب. وفي فترةٍ ما، حذّرت من استغلال مكانتها والزجّ باسمهwا في حمّى المنافسات الحزبية. ولذلك عندما سقط وزيرٌ متدينٌ في الامتحان، لم تهتز ثقة الناس بالمرجعية وإنّما زاد نقد الناس للأحزاب، وارتفعت درجة المحاسبة والرقابة الشعبية على النواب.
عندما وصل بيانٌ من أحد النواب يدافع فيه عن تمرير تقاعد النواب بصيغته المثيرة للجدل، كنت استمع بصمتٍ لتعليقات ومواقف الزملاء. وكم شعرت بالأسى عند قراءة التبريرات الضعيفة المتهافتة للدفاع عن مواقف لا يمكن الدفاع عنها... فما كان رشوة قبل عامين، أصبحنا «مجبرين عليه وهو رغبة الحكومة وليس رغبتنا».
النسخة الأردنية من نواب الأخوان المسلمين فيها بعض الجوانب المضيئة التي تستوجب الاحترام، وسيذكر الأردنيون موقفهم حين رفضوا بعض الامتيازات و»الرشا» الحكومية. والكتل الدينية عندنا بالبرلمان في تشكيلته المعقدة، حيث لا تملك عقدا ولا حلا للمشاكل العامة، تحكم على نفسها بالعجز عن تقديم المثل المبدئي والأنموذج المترفّع عن المصالح الشخصية لصالح المجموع.
طبعا لا مجال للمقارنة... في الكويت بلغ سعر الصوت ألف دينار في انتخابات 2005، والحمد لله إن الصوت البحريني أرخص من ذلك بكثير! بعض الجمعيات المتديّنة عندنا كانت تدفع (جونية عيش)، وتسدّد فاتورة الكهرباء، مع مبلغٍ نقديٍ مقداره عشرون دينارا. وغلطان النيباري عندما بالغ كثيرا، بالحديث عن استرداد أموال طائلة... وصفقاتٍ سريةٍ وتسويات!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2469 - الثلثاء 09 يونيو 2009م الموافق 15 جمادى الآخرة 1430هـ