العدد 2469 - الثلثاء 09 يونيو 2009م الموافق 15 جمادى الآخرة 1430هـ

مكابرة جنرال

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لايزال تيار الجنرال ميشال عون يكابر ولا يعترف بنتائج التصويت التي أفرزت قوة سياسية مسيحية منافسة تمتلك غالبية المقاعد المارونية والأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمنية في مختلف أقضية ودوائر الجمهورية اللبنانية. فالجنرال الذي تلقى صفعة عنيفة في معاقله ومناطقه يأبى التعامل بواقعية مع لغة الأرقام وتوازن اللعبة الديمقراطية وتوزيع المقاعد على المناطق والطوائف كما ينص عليه قانون العام 1960.

تيار الجنرال لايزال يؤكد فوزه بالغالبية المسيحية ويشير إلى أنه يشكل أكبر كتلة منفردة في مجلس النواب وأنه يريد الاستمرار في سياسة حرب «استرداد حقوق المسيحيين» حتى لو كلف بلاد الأرز مجموعة معارك مذهبية صغيرة وكبيرة.

هذه العقلية العسكريتارية تؤشر على خطورة الموقف في حال تواصلت سياسة إطلاق القذائف العشوائية من دون إدراك لتداعياتها الانفجارية في بلد يقع على خط الزلازل الإقليمية والدولية. وبداية المغامرة تبدأ في قراءة خاطئة للحسابات، وثم تعميم الأرقام المزورة على الجمهورية، وأخيرا تحويل النتائج وتدويرها حتى تتكيف مع القناعات الايديولوجية والمبالغة في نفخ الذات وصولا إلى الانزلاق في استخدام القوة وربما التفريط بحقائق ميدانية أنتجتها صناديق الاقتراع.

مشكلة العسكريتاريا أنها تقوم دائما على ايديولوجية لا تحترم القارئ ولا تتعامل بذكاء مع حقائق الأرقام ولغتها. وهذه المشكلة تتضخم عادة في حالات الاضطراب النفسي والفوضى السياسية وتصبح لغة بخارية ترفض الخضوع للعقل والواقع. وبسبب هذه المشكلة المرضية أقدم تيار الجنرال على توزيع معلومات خاطئة تشير إلى أنه أكبر قوة مسيحية وفريقه سيشكل أكبر كتلة نيابية في البرلمان الجديد بناء على التفويض السياسي الذي تلقاه من الشارع الماروني. والمضحك في المسألة أن وكالات الأنباء الأجنبية أخذت الخبر على محمل الجدّ وبدأت بنشره من دون تدقيق. وهذا الأمر وقعت به وكالات الأنباء الدولية قبل أسبوع من الانتخابات حين وزعت إحصاءات نقلا عن ماكينات الجنرال تشير إلى أنه سيفوز منفردا بين 40 و45 مقعدا وسيحطم الرقم القياسي المسيحي لزعامات مارونية تقليدية وتاريخية.

الآن تكرر وكالات الأنباء الخطأ حين أخذت تروّج لأخبار غير دقيقة صادرة عن مكاتب الجنرال. الرقم الأخير الذي توصلت إليه ماكينات التيار «الوطني الحرّ» يركز على 28 مقعدا وهو مجموع قوة الجنرال بالتحالف مع حزب الطاشناق وتيار المردة إضافة إلى شخصيات مستقلة قررت الدخول في كتلته.


بداية تراجع

رقم 28 يشكل بداية تراجع عن تلك الأرقام الخرافية التي استعجل في ترويجها ووصلت إلى سلسلة من الحلقات تراوحت بين 30 و35 أو 40 و45 مقعدا.

28 رقم معقول قياسا بتلك الادعاءات اللفظية التي أقدمت ماكيناته على صنعها واختلاقها بقصد التأثير النفسي على الشارع المسيحي ومنع المقترعين المترددين من الإدلاء بأصواتهم.

انكشاف قوة الجنرال بعد فتح الصناديق وفرز الأصوات أدى في الساعات الأولى من إعلان النتائج إلى انهيار الشارع المؤيد للتيار فانزوى إلى دائرة الصمت والذهول والسكون. بعد الانبهار وتراجع حدة الصدمة استفاق تيار الجنرال على خدعة جديدة تقوم على المكابرة وعدم الاعتراف واستئناف التأكيد على أن الجنرال لايزال الأقوى وفي مقدمة المسيحيين.

رقم 28 قد يكون أقرب إلى الصحة والدقة من 45 و40 و35 و30 لكنه ليس صحيحا في حال تفكيكه جغرافيا وسياسيا على الدوائر والأقضية. التفكيك يفضح المكابرة وهو مسألة منطقية لتحديد بوصلة عقلانية للتوازن تضبط ميزان العدالة على قواعد شرعية وموضوعية وقانونية.

تفكيك النتائج العامة للدوائر (26 قضاء) في مختلف المناطق والأطياف اللبنانية تشير إلى أن القوى المسيحية في قوائم 14 آذار حصدت مجتمعة 37 مقعدا من أصل 64. بينما تشير لغة الأرقام إلى أن قوة الجنرال في مختلف المناطق والأطياف مضافة إلى حزب الطاشناق وتيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي تصل إلى مجموع 27 مقعدا من أصل 64.

رقم 28 لا بأس به وهو يعتبر حركة تصحيحية لتلك الادعاءات العشوائية التي أنتجتها مصانع الاستطلاع التابعة لتيار الجنرال. 27 زائد واحد ليس مشكلة في حال قرر التيار الوطني الحرّ توسيع دائرته الطائفية وإدخال بعض النواب من مذاهب أخرى. توسيع الدائرة يمكن أن يرفع الرقم من 27 إلى 31 أو 32. وهذا الرقم المختلط يبقى أدنى من مجموع المقاعد المسيحية التي فازت على قوائم ولوائح 14 آذار. فالوقائع تؤكد بالملموس (لغة العقل والأرقام والمنطق) أن قوة 14 آذار المسيحية تشكل غالبية لا تقل عن عشرة مقاعد. فمن أين جاء تيار الجنرال بفكرة أنه الطرف الأقوى في الجانب المسيحي؟ العسكريتاريا عادة لا تعلن عن مصادرها ومراجعها ولكنها تلجأ دائما إلى لغة التهديد والمكابرة والالتواء السياسي انطلاقا من نزعة ايديولوجية تبالغ في الثقة بالذات ولا تكترث كثيرا للمعلومات والحقائق.

مشكلة السياسة في بلد تتكاثر فيه العصبيات أنها تصبح أسيرة المكابرة وعدم الاعتراف بالآخر والتهرب من التواضع أوالقبول بالحقائق والتعامل مع الوقائع الرقمية بأخلاق عالية ومتسامحة تخفف عن البلد الجميل والمسكين المزيد من الانقسام والفوضى.

كيف يكون الجنرال أكبر قوة مسيحية والأرقام تؤكد أن قوى 14 آذار حصدت 37 مقعدا مسيحيا مقابل 27 مقعدا مسيحيا لقوى 8 آذار مجتمعة؟ الجواب المنطقي يحتاج إلى عقل يقرأ، وعقل يفهم ماذا يقرأ؟ ولكن حين تتحوّل السياسة إلى مناطحة تصبح المكابرة هي الجواب الوحيد واللامنطقي عن السؤال.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2469 - الثلثاء 09 يونيو 2009م الموافق 15 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً