وحدهمُ الذين يسفكون الدمَ الحرامَ لا يَرَوْن حجم أثره بين البشر؛ عدا رؤية أثره عند الله، والأيام التي يمكنها أن تُرْبك الزمن والتاريخ. الدم الذي يتعامل معه بعض أشباه البشر مثلما يتعاملون مع سقْط متاع!
وحدهمُ الذين يستمرئون تلك الممارسةَ، يجدون فيها طمأنينتهم، ظنّاً منهم أنها تُتيح لهم سَعَةً من عَيْش؛ وحرية تصرُّف فيما تطوله أيديهم؛ أو ذلك الذي سيدخل ضمْن سطوتهم.
الشهادة قيامة أخرى. ليست لصاحبها وحده، بقدر ما هي قيامة للبشر من حوله. بالأثر الذي تتركه، وبتجدُّد الروح والمعنى والقيمة التي تمتدُّ لتكون على تماس مع أكبر التفاصيل في الحياة وأصغرها. أمة من دون شهداء تعاني عجْزاً في ميزان قيمتها وحضورها وحراكها الإنساني. وأمَّة تبحث عن شهداء؛ ستظل في مفازات تيهها ولن تصل!
الشهداء يحبُّون الحياة أكثر منا، وذلك هو سر انجذابهم إلى الحياة الخالدة التي لن يمسسها جور أو ظلم أو تعالٍ أو تكبُّر أو غطرسة. مثل تلك الحياة هي التي دفعتهم دفعاً، وجعلتهم يتسابقون إلى دنيا خلودهم وهم في أسمى درجاتهم، وأنصع معانيهم، وأروع شواهدهم.
لسبط نبي الأمة الإمام الحسين عليه السلام، سَعة من رؤية وتناول يتفرَّد بها بين الذين بذلوا الدم، وآثروا التضحية، وانحازوا إلى المُثُل العليا؛ لا بحْثاً عن وجاهة هو في اللبِّ منها، ولا مكانة هو سيدها، ولا امتداداً هو في الصميم من بيت النبوَّة وعلى التصاق ذلك البيت بالسماء.
للحسين نقْش الشاهد وبقاؤه وهو الشهيد ابن الشهيد أخ الشهيد. سلسلة لا تنقطع من البذل في ذات الله، وعرْوة لا تنفصم بفعل مدفوعي الأجر عبْر التاريخ، ممن يسخّفون الجهد والأثر والدور، وهم صنيعة السخْف، وتفاهة الأثر وعمَالة الدور.
لسيد الشهداء ذلك الامتداد الذي عجز الدهر، ومن توهَّم قدرته على محْو الأثر بالمال والسلْطة والكلاب والعسَس والنار أن يُطفئ نوراً شاء الله أن يظل خالداً في دنيا الناس؛ لا وقْفاً على عشَّاقه ومن يدفعون ضريبة ذلك العشق؛ بل للإنسان مادام منافحاً عن قيمته والشرف والكرامة. ولنا في وسطية النظر والبحث والمعرفة والكشف والتجلِّي بالضرورة، شاهدٌ يكتنز بالبعْد الإنساني، متجرِّداً من أفق المذاهب الضيِّق، وأفق الطوائف الموتور، وهوى التوجُّه، أو إملاء من هناك وهناك وهنالك.
الشهادة التي قدَّمها الشاعر المصري أحمد بخيت، وعرضت في حلقة حملت عنوان «أنا والحسين»، استحضاراً للمناخ والظرف الذي كتب فيه رائعته «الحسين»، قال: «قادني التجلِّي وهو محاط بدمعة كبيرة. دمعة بحجم الإنسانية كلها. هو التجلِّي الشجيُّ لأرْقى نماذج البطولة الإنسانية وهي مغلَّفة بالدموع والدماء. بطولة حارَّة صادقة ونبيلة».
مثل تلك الشهادة في رصانتها ورزانتها وتعقُّلها عَلى مبعدة اليوم ممن هم في الشاذ من تلمُّس القيمة والأثر والمرمى والشاهد والتجلِّي. وعلى النقيض من كل ذلك سنكون في مواجهة مع الذين يدَّعون محبته ونصرته فيما هم بالفعل الذي يستجد في بدعه وخرافاته والتجاوز ينحرون قيم الحسين وأهداف الحسين ونبْل الحسين.
وعلى الذين يشوِّهون أثره ووقْع فعله في الدنيا اليوم باسم محبته أن يخجلوا من هراء وهلوسات وبِدَع تُقيم الدنيا ولا تُقعدها، تشويهاً لأثر الحسين قبل أن يكون تشويهاً للذين يشيعون محبَّته بتلك الممارسات من دون الحاجة إلى تلك الممارسات الشاذة والغريبة والطارئة على فضاء الإسلام بكل عقلانيته، استجلاباً لها من بيئات لها ظروفها ووعيها وما يطرأ عليهما من حرية تبدُّلات وتحريف. والحسين أحد الذين جسَّدوا مُثُلَه في العالمين، وليس في حاجة إلى مهووسين أو مهلوسين كي يعبِّروا بطرقهم الشاذة عن محبته؛ و «لا محبة في شذوذ»، وخروج على الفطرة، وتحشيد بِدعٍ عاماً بعد عام. كأنَّ السيوف التي فَرَتْ لحمه يوم الطف لم تتوقف حتى يومنا هذا بسيوف تمعن في قتل المرمى والهدف من نُبْل وشرف وطيب محْتَدٍ، ببدع لها أول ولا يُعرف لها آخر، هي على مبعدة من مراميه وأهدافه وكونية توجهه للإنسان كل الإنسان.
وبالعودة إلى نص أحمد بخيت الذي يبدأ بـ:
أسماؤنا الصحراءُ واسْمُكَ أخضرُ
أرِني جراحكَ كل جرح بَيْدرُ
يا حنطة الفقراء يا نبْع الرضا
يا صوتنا والصمت ذئب أحمَرُ
يا ذبحَ هاجَر يا انتحابة مريمٍ
يا دمع فاطمة الذي يتحدَّرُ
إيهٍ أبا الشهداء وابن شهيدهم
وأخا الشهيد كأنَّ يومك أعْصُرُ
جسدٌ من الذكْرِ الحكيم أديمهُ
درعٌ على الدِّين القويم، ومِغفرُ
عارٍ، وتكسوه الدماء مهابةً
لا غمدَ يحوي السيف ساعةَ يُشهَرُ
نقف على روعة الروح التي استقبلته باعتباره مثلاً ونموذجاً للبشر من دون هوَس الانتماءات الضيِّقة، والبدع التي تدفع محبيه إلى جرُف هارٍ لا مشارف للخلاص بعده.
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 4835 - الأربعاء 02 ديسمبر 2015م الموافق 19 صفر 1437هـ
مأجورين
شكرا للكاتب ...المعروف عن الكاتب الجمري انه من الشعراء المتميزين.. فلماذا لا تكتب قصيدة للسنة القادمه في ذكرى الاربعين وتتفق مع الملا باسم عليها.. .. اعتقد ان عمل من هذا النوع سيكون في غاية الروعه والامتياز...خاصة ان الملا باسم لم يتعامل مع شعراء البحرين الا بقصيدة واحدة للمرحوم ملا عطية حسب علمي
الحق
ساعات لانقاد الدين والاسلام يتطلب تضحياة وشهاده ولو ماقام الحسين بالشهاده لندثر الدين وعاث فى الارض الفساد ايمتنا بالعلم والدعاء احيو الدين وكلهم استشهدو من اجل دين الله اللهم صلى على محمد واله الطيبين وثبتنا على ولايتهم هم الحق ولاغيرهم
من مثلنا والحسين امامنا
من يرضى على نساءه تسبى، واطفاله تقتل، وصغاره تروع لوكان الحسين هدفه مناصب وشهادته ليست بأمر رباني لما اقتاد عائلته ال المصير المحتم من رب العباد ولكن رضى وقناة اهل البيت (ع) بأن ما يصيبهم هو بعين الله ، جعل فاجعة كربلاء مكرمة عند الله وعند الخيرة من عباد الله وباقيه حتى يأذن الله لاحب الزمان بأخذ الثار من قتلى جده الحين(ع) نحن لم نعرف الحسين ولم نعش معه ولكن حبه مقذوف في قلوبنا وهو نعمة من الله فنسأل الله شفاعة الحسين يوم الورود
رحم الله الشهداء واسكنهم فسيح جناته
السلام على سيد الشهداء امام الحسين وعلى اصحابه وانصاره ومواليه وغفر ذنوبهم وبيض وجوههم دنيا واخره اتشاءالله