كنت أتصفح الإنترنت قبل أن أبدأ كتابة هذا المقال من وحي يوم المرأة البحرينية الذي أطلقته صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، في 2008 واحتفت به البحرين أمس، كتبت في مربع البحث في جوجل، «العدالة في مقابل المساواة الجندرية»، فظهرت لي عناوين كثيرة بعضها مغرٍ للإبحار في محتواها الذي يحرك خلايا التفاعل النقدي معه ويفتح آفاقاً بأفكاره التي طرحها بلغة مهذبة تجعل الاختلاف معه غِنَى، بينما بعضها منفّر وصادم ولا يمكن إلا التغافل عن وجوده وإن كان من المحزن أنه ليس مجرد كلام افتراضي وإنما هو أعراف وقوانين أو لاقوانين تحكم مجتمعات بأكملها وتتحكم في مصائر أفراد وأسر كثيرة وتغيّر مجرى حياتها.
عندما يتعلق الأمر بالجندر يختلط الأمر علينا في مسألة المساواة والعدل، فتُستخدم كلمة منهما مكان الأخرى، وقد ننتبه أو لا ننتبه أن هذه الكلمة أو تلك ليست هي تحديداً التي تعبّر عن المطلوب.
ففي أدبيات الفكرتين، تعرّف العدالة بأنها إعطاء الأفراد على اختلاف نوعهم الاجتماعي ما يلبي كامل احتياجاتهم ويحقق الاكتفاء الكامل. أما المساواة فهي إعطاء الجميع الشيء نفسه وبقدر متساوٍ وأيضاً من أجل تحقيق كامل الاستفادة منه. فالمساواة تشبه العدالة في هدف تلبية احتياجات الجميع - نساء ورجالاً - بالمقدار نفسه من الرضا، لكن هذا لا يتحقق إلا إذا كان للجميع نفس الاحتياجات.
أمثلة كثيرة سيقت لتوضيح الفرق بين الكلمتين وما وراءهما من معنى ربما أبسطها وقوف المتسابقين في مضمار سباق الجري وما إذا كان يجب مساواتهم في الوقوف في خط البداية أم رسم خط البداية لكل متسابق في المكان الذي يضمن أن تكون مسافته في الجري مساوية للمسافة التي سيقطعها جميع المتسابقين. في الخيار الأول تتحقق المساواة وهي مساواة تبدو غير عادلة، بينما في الخيار الثاني تتحقق العدالة.
في الحياة أيضاً، وفي مجتمعات الناشطين في مجال حقوق المرأة هل ما يتم المناداة به هو المساواة في كل ما يمنح للرجل والمرأة وبمقدار متساوٍ بغض النظر عن احتياج كل منهما له، أم العدالة في توفير الفرص والخدمات والسلع وكل ما من شأنه أن يلبي متطلبات الحياة بشكل مرضٍ وكامل!
ليست القوانين وحدها والاتفاقيات الدولية هي ما تكفل تحقيق العدالة والمساواة، فمنذ خمسينات القرن الماضي نصت مواثيق وإعلانات ومؤتمرات الأمم المتحدة على قضية مساواة المرأة بالرجل دون تمييز، وعقدت من أجل ذلك اتفاقيات موضوعها الوحيد هو مساواة المرأة بالرجل، مثل اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة العام 1952م، وميثاق الأمم المتحدة الصادر العام 1945م الذي يؤكد على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، وجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر العام 1948م، قد أكد في مادته الثانية على أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فيه دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً أو غير سياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر». كما تعهّد «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة الثالثة منه بمساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق»، إلا أن هناك عوامل لا تحصى ولا تحكمها قوانين كالنظرة المجتمعية والأفكار المسبقة والحروب غير المبررة بين المتنافسين من النوع الواحد خصوصاً النساء كلها، تجعل الأرض غير مستوية بين الرجل والمرأة حتى مع محاولات تحقيق العدالة كمرحلة أولى تجاه تحقيق المساواة.
ولتعديل هذا الميل في الميزان بين الرجل والمرأة ابتُكر نظام الكوتا (نظام التحصيص) الذي اقتُرِح في 1995 في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين كآلية يمكن استخدامها كحل مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وعزوفهن عن المشاركة في مراكز صنع القرار، وللحد من الإقصاء وعدم تمثيلهن أو ضعف هذا التمثيل.
وفي حين تتنافى الكوتا مع مبادئ المساواة الأساسية من إتاحة الفرص المتساوية وعدم تناسبها مع السلوك الديمقراطي والأهم اعتبار الجندر معياراً وليس المؤهل للفوز بالفرص، إلا أن المدافعين عن الكوتا يرون أنه بالكاد يصلح ما أفسدته المعوقات الاجتماعية في المجتمعات الذكورية ويضع المرأة في موقع اتخاذ القرار مما يؤثر في التغيير مع الأخذ في الاعتبار ترويجها لأهمية دورها.
وفي حين يرفع المتحمسون لتنمية المجتمع وتحقيق «المساواة» شعاراتهم للمساواة بين الرجل والمرأة فإن اختلافات التكوين البيولوجي والنفسي والخبرات المختلفة للرجل والمرأة، كلها عوامل تجعل هناك فروقات لا تجسّرها المساواة بقدر ما تحتاج لعدالة تأخذ في اعتبارها هذه الاختلافات وتلبيها بالمقدار الذي تحتاجه. ومتى ما تحققت العدالة التي تأخذ في اعتبارها هذه الاختلافات التكوينية للرجل والمرأة واحتياجاتهما النفسية والاجتماعية تبعاً لذلك، تصبح المساواة سهلة التحقيق. وتصبح العدالة هي الوسيلة لتحقيق المساواة.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 4834 - الثلثاء 01 ديسمبر 2015م الموافق 18 صفر 1437هـ