خرج من البلاد لا شيء معه غير حنينه الذي لم يهدأ لعائلته ووطنه وأهله، ولا يملك سوى مبلغ بسيط لن يكون قادراً حتى على توفير حاجته ولو لشهر واحد، لكنه أصر على الاستمرار.
لم يقبل أبداً أن يكون كغيره ممن فضلوا عدم تحريك أنفسهم وانتظار راتب آخر الشهر الذي يودع في حساباتهم لأنهم لاجئون، فبدأ عمله الخاص باستئجار محل صغير جداً كان يعمل به ليل نهار ليغدو كبيراً يوماً ما، وبالفعل استطاع اليوم أن يفتتح له فرعاً ثانياً يبيع فيه ما يصنعه من أثاث متميز يتمنى من يراه أن يكون متوفراً في بلاده.
حين تحدثتُ معه عن جمال ما يصنع، فوجئت بأنه قال لي إن هذه الهواية كانت هبة الله له منذ كان في البحرين وأنه لم يجد أبداً من يشجعه عليها، لكنها كانت تراوده دائماً عن نفسها وتلح على عقله بالعمل عليها وتطويرها من مجرد هواية إلى حرفة يعيش منها، حتى قرر العمل بها حين أرغمته الظروف على مغادرة البلاد.
كان هذا واحداً من الشباب الذين غادروا البلاد لأنه لم يجد له مكاناً هنا، حين لم يكن بمقدوره الحصول على وظيفة أو فتح مشروع له يغنيه عن مد يده لأحد طالباً المساعدة، وهو مجرد واحد من عدد كبير من البحرينيين المتميزين في الخارج ممن استطاعوا أن يثبتوا أن الشاب البحريني قادر على التكيف مع جميع الأوضاع، وأنه قادر على فتح مشاريع ناجحة في غربته فكيف به في وطنه وهو بين أهله وذويه.
لست هنا مع الهجرة خارج البلاد أبداً؛ إذ إنني أفضل أن يحاول كل مواطن منا مرة واثنتين وعشراً بل ومئة كي يصل لتحقيق حلمه في بلاده، ولكن بعض الأشخاص لا يملكون هذا الهاجس طويل البال، وفي حين تتراكم عليهم الديون لأنهم غير قادرين على الحصول على وظائف، فإن الفرص تتوفر لهم في الخارج بشكل يسير سواء في الدول العربية أو الأجنبية، ولهذا يلجأون إلى الغربة كي يحققوا ما عجزوا عن تحقيقه في أوطانهم على ابن البلد.
كم من طبيب استطاع أن يحقق النجاحات الكبيرة خارج البلاد، وكم من إعلامي كوّن له اسماً متميزاً في فضائيات عربية، وكم من موظف انتقل من مهنة بسيطة إلى إدارة شركات ومكاتب خاصة؟
والسبب في كل هذه الهجرات هو أن الوظائف مازالت تصنّف في بلادنا على هوى بعض المسئولين، ومازالت حكراً على معارف وأهالي بعض المدراء، ومازالت بعض الإدارات والوزارات والجهات الخاصة والحكومية تفضل الأجنبي على صاحب الكفاءة من المواطنين، أو تطلب عدداً معيناً من سنوات الخبرة في حين أن أغلب العاطلين عن العمل من حديثي التخرج ممن يملكون شهادات جامعية بعضها تصل إلى الماجستير والدكتوراه، فيصطدمون بشرط عدد سنوات الخبرة في كل استمارة توظيف يملأونها وهم متيقنون أنها لن تصل إلى ما هو أبعد من أقرب سلة مهملات.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4832 - الأحد 29 نوفمبر 2015م الموافق 16 صفر 1437هـ
ويش نسوي بعد
الوضع من سيء إلى أسوء والبطالة أثرت على نفسياتنا
لا للهجرة للخارج
الهجرة مشروعة اذا كان الهدف منها اكتساب الخبرة والازدياد من العلم، اما اذا كانت من اجل الترف والهروب من الواقع وترك ابناء الشعب في معاناتهم دون تقديم العون وتوظيف الخبرة لرفع المعاناة.