حذر نشطاء بيئيون من أن الوضع البيئي في مملكة البحرين دخل في نطاق الدائرة الحمراء، مشددين على أهمية البدء في إجراء معالجات حقيقية لمعالجة ملفات بيئية شائكة كالتلوث والاحتباس الحراري المتنامي في البلاد».
واعتبر النشطاء البيئيون في حديث إلى «الوسط» مشاركة البحرين في مؤتمر باريس الدولي للتغير المناخي والذي يعالج قضية الاحتباس الحراري والذي يبدأ أعماله اليوم بمشاركة 195 دولة «خطوة في الطريق الصحيح»، غير أنهم أكدوا على ضرورة تقديم معالجات وطنية للإشكاليات البيئية التي تعاني منها البحرين».
ومن جانبها، قالت رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة والمنسق العام للتكتل البيئي خولة المهندي إن «البحرين معنية بالفعل بمؤتمر باريس للتغير المناخي، لأن موضوع الاحتباس الحراري بات ظاهرة عابرة للحدود، وباتت جميع الدول تعاني منه بحصص متقاربة، وإن كانت الدول الأشد فقراً هي المتضرر الأكبر من هذه الظاهرة، كونها لا تملك الإمكانيات التي تملكها غيرها من الدول في التعاطي مع تأثيرات التلوث المناخي والحد من تداعياتها».
وأضافت المهندي «ومما لاشك فيه، فإن البحرين كغيرها من الدول تحتاج إلى المشاركة في مثل هذه المؤتمرات، غير أن تعاملنا مع مثل هذه المؤتمرات الدولية وغيرها يعطينا مؤشراً على أن بلداننا تحتاج إلى أكثر من إصدار توصيات، مع الإشارة إلى أن العديد من هذه المؤتمرات العالمية لا يتم فيها الاتفاق على أمور محددة بسبب هيمنة الدول الكبرى على قراراتها، وعملها على إفشال أي إجماع دولي لأي برنامج أو مشروع بيئي حقيقي وفاعل».
فيما ذكر رئيس جمعية البحرين للبيئة سيد شبر الوداعي أن «التغير المناخي مشكلة عالمية وإدراكاً لما تمثله المشكلة من خطر شامل على الأمن البيئي لكوكب الأرض فإن البحرين كونها جزءاً من المنظومة العالمية هي بالتأكيد معنية بمؤتمر باريس للتغير المناخي وذلك يتسق مع جوهر المبدأ (25) من وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المستدامة - 2012 التي تؤكد على أن المجتمع الدولي يعترف (بأن تغير المناخ أزمة شاملة ومستمرة) ويشير في المبدأ ذاته إلى أن (الآثار السلبية لتغير المناخ تؤثر بحكم نطاقها وخطورتها على جميع البلدان وتقوض قدرة كل البلدان، ولاسيما البلدان النامية، على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية وﺗﻬدد استمرارية الأمم وبقاءها)».
وعن أهمية مشاركة البحرين في هذا المؤتمر، فأوضح الوداعي أن «البحرين تدخل ضمن نطاق الدول الجزرية شديدة التأثر بالتغير المناخي وذلك الخطر يجري التأكيد عليه في المبدأ (178) في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة المستدامة - 2012 إذ يشير إلى أنه (ومازال ارتفاع مستوى سطح البحر وغيره من الآثار السلبية لتغير المناخ يشكل خطراً كبيراً على الدول الجزرية الصغيرة النامية وجهودها الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة، ويمثل للعديد منها أشد الأخطار التي ﺗﻬدد بقاءها وقدرتها على الصمود، بما في ذلك احتمال فقدان بعضها لإقليمها)، لذلك مشاركة البحرين في مؤتمر باريس له بعده الاستراتيجي كونها صاحبة مصلحة مباشرة في أن يتوصل المؤتمر إلى قرارات فاعلة تساهم في بناء منظومة من الإجراءات لصون البحرين كجزيرة من مخاطر ارتفاع نسبة مياه البحر، ومن الطبيعي أن تترك قرارات مؤتمر باريس على الخطط التنموية والبيئية ويجري أخذها في الاعتبار في بناء المقاييس والمعايير القانونية في مجال تنفيذ المشاريع التنموية والبيئية.
وفيما يخص تقييم الواقع البيئي المحلي في ظل ارتفاع درجات الحرارة عالمياً وانتشار ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي ستكون محط أنظار العالم في مؤتمر باريس، فذكر أن «تقييم الواقع البيئي يحتاج إلى إعداد دراسة مؤسسة ترتكز على المعايير العلمية في البحث والتحري وتقييم الواقع البيئي وانطلاقاً من فهمنا المسئول كمختصين في الشأن في البيئي نحن لا نركن إلى إصدار التقييم العفوي ونؤكد على التزام بثوابت المنهج العلمي لتوصيف حقائق الواقع البيئي».
وأما عن الحلول أو المعالجات يمكن أن تنتهجها البحرين لتحسين وضعها البيئي، فقال «نحن في جمعية البحرين للبيئة نعتبر أنفسنا جزءاً من معادلة مشروع العمل البيئي الوطني وبحكم ارتباطنا بالعمل البيئي يمكن التأكيد على أن هناك حرصاً شديداً لتبني المشاريع الإستراتيجية لتحسين الواقع البيئي وحرصنا على المشاركة الفعلية في الأنشطة والبرامج وورش العمل التي ينظمها المجلس الأعلى للبيئة لبناء استراتيجية وطنية للبيئة وهناك توجه لتبني مشروع قانون لحماية البيئة يتضمن معايير حديثة تتوافق مع المعايير الدولية، بيد أنه على رغم ذلك أننا لا نغفل المعوقات التي هي مسألة طبيعية وتحتاج إلى معالجة مؤسسة للارتقاء بالواقع البيئي وتلك مسئوليتنا جميعاً إذا ما أدركنا أن إنجاز أهداف التنمية المستدامة هي مسئولية مشتركة».
أما الناشط البيئي سعيد منصور، فقال «نحن في البحرين خاصة ودول الخليج من الدول الأكثر تضرراً بموضوع التغير المناخي، لأننا نقع في إقليم لا توجد فيه موارد طبيعية مثل الأنهار والمياه الارتوازية، وفي الصيف نصل إلى مستوى حرارة يفوق 50 درجة مئوية، بالإضافة إلى أن المصانع التي توجد في دولنا لا تتناسب مساحتها مع أعدادها السكانية، وهذا الأمر يؤثر على درجة الحرارة ويزيد الانبعاثات التي تنبعث من هذه المصانع القريبة من المناطق السكنية».
وأضاف منصور «دول الخليج تتحمل أضعاف ما تتحمله الدول الأخرى بسبب زيادة المصانع، والحروب الموجودة في المنطقة وما تحويه من تفجيرات وقنابل، أمور أخرى تزيد من معدلات التلوث، ما يؤدي إلى زيادة الاحتباس الحراري بطبقة الأوزون».
وأردف «وعلى المدى البعيد إذا استمرت هذه الكوارث، فإن دولنا ستتحمل تحدياتها الحالية، إذا لم تقم الدول بكل احتياطاتها، فإن ذلك يعني أننا سنصل إلى مزيد من تلوث الجو».
وتابع «وهذا يفرض تحديات على دول المنطقة، لأن ارتفاع درجات الحرارة بالمعدل الحاصل حالياً، يعني بالضرورة أن النباتات والحيوانات ستنقرض لأنها لا تستطيع أن تتحمل العيش في بيئة تصل درجة حرارتها إلى 58 درجة مئوية».
وأفاد منصور «نحن دول تعتمد على النفط والبتروكيماويات وهذا الأمر، يعني أننا سنتحمل المزيد من التلوث والاحتباس الحراري الناتج عن هذا التلوث، لذلك على دولنا أن تضع خططاً بيئية لمواجهة هذه التحديات».
ورداً على سؤالٍ عما إذا كانت مشاركة البحرين في مؤتمر باريس للتغير المناخي ستعود بشكلٍ إيجابي على الوضع البيئي المحلي، فأجاب منصور «نحن تعوّدنا في كل المؤتمرات السابقة أن هناك توصيات، ولكن لم نجد أي تعامل فعلي حقيقي مع هذه التوصيات، ولا توجد خطط حقيقية ملموسة، نحن نرى أن دول العالم تتفق على تقليل الاحتباس الحراري أو تلوث الجو، ولكن لا يوجد التزام ليس من البحرين، بل من أغلب الدول التي تعيش وضعاً بيئياً صعباً».
وواصل «التحديات أن هناك حاجة لتنويع الاقتصاد، لذلك نرى أن الدول تسرع الخطى في إنشاء وتوسعة المصانع، ولكنها لا تنظر إلى التنوع الحيوي ولا إلى الأثر البيئي لهذه المشاريع، نحن الآن لا يوجد لدينا أمن غذائي ولا حيواني، بل على العكس نرى أنه حتى الثروة السمكية باتت مهددة بسبب مخاطر التلوث والمشاكل البيئية المتزايدة».
وأشار إلى أن «كل الدراسات البيئية التي تقدم لمختلف المشاريع، ليست سوى دراسات لا يتم الأخذ بتوصياتها، وإنما تكون مستندات فقط لإكمال التصاريح المطلوبة لإنجاز هذه المشاريع».
وختم منصور «عقد مؤتمر باريس للتغير المناخي والاحتباس الحراري، يدفعنا للحديث كبيئيين إلى أننا محتاجون إلى وقفة صريحة مع الواقع الذي تعيشه بيئتنا والتحديات الموجودة لدينا، والإجابة عن تساؤلات محورية، منها هل وضعنا استيراتيجات للعشر أو العشرين سنة المقبلة؟ وهل نفكر بزيادة التنوع الحيوي وزيادة الرقعة الخضراء في وطننا؟ لأننا حتى اليوم لا توجد لدينا خطة صريحة وواضحة لمواجهة الخطر البيئي، ما نواه ونسمعه ونقرؤه في الإعلام كلام جميل، ونحن نوقع على اتفاقيات دولية بيئية، ولكنها في النهاية لا تتعدى مرحلة التعامل الشكلي مع الواقع البيئي المأزوم إلى التعاطي الحقيقي والواقعي مع مشاكلنا البيئية والتخطيط على مدى متوسط وبعيد لمعالجتها وإيجاد حلول لها، وفي النهاية فإن الشعوب هي التي توضع على المحك في مواجهة كل التحديات البيئية».
ومن المرتقب أن يحضر قادة أكبر البلدان المنتجة لانبعاثات غازات الدفيئة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي ستعقد في لوبورجيه شمال باريس في اليوم الاثنين (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، وعلى رأسهم الأميركي باراك أوباما والصيني شي جينبينغ والهندي نارندرا مودي إلى جانب الزعماء الأوروبيين بحسب ما أورد موقع «يوروب نيوز» الإخباري.
ويشارك 147 رئيس دولة وحكومة في افتتاح المؤتمر الدولي للمناخ في باريس على ما أفادت أوساط وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي سيترأس المؤتمر. في اليوم الأول من هذا المؤتمر الذي سيسعى للتوصل إلى اتفاق عالمي لمكافحة الاحتباس الحراري.
وهذه المشاركة تجعل مؤتمر المناخ إحدى أهم التظاهرات الدبلوماسية التي تنظم خارج إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان مؤتمر كوبنهاغن في 2009 جمع 120 رئيس دولة وحكومة، وفق المصادر نفسها.
ويجمع المؤتمر ممثلي 195 بلداً من 30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر/ كانون الأول في بورجيه قرب باريس. وقبل افتتاحه اليوم الاثنين، سيجري فابيوس «مشاورات غير رسمية» مع رؤساء الوفود ومن سيترأسون المناقشات السبت في مقر اليونيسكو، وذلك إثر لقاءات مع ممثلين لمختلف مجموعات المفاوضات.
يذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في العام 1992، هي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، للنظر فيما يمكن القيام به للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية وما ينجم عنها من تغير في المناخ والتصدي لآثاره. وبحلول العام 1995، أدركت الدول أن الأحكام المتعلقة بخفض الانبعاثات في الاتفاقية ليست كافية. ونتيجة لذلك، فإنها بدأت المفاوضات لتعزيز التصدي العالمي لتغير المناخ، وفي العام 1997، اعتمدت بروتوكول كيوتو.
ويلزم بروتوكول كيوتو قانونياً الدول المتقدمة النمو بأهداف في مجال خفض الانبعاثات. وقد بدأت فترة الالتزام الأولى للبروتوكول في العام 2008 وانتهت في العام 2012. وبدأت فترة الالتزام الثانية في 1 يناير/ كانون الثاني 2013 وستنتهي في العام 2020. وثمة في الوقت الراهن 195 طرفاً في الاتفاقية و192 طرفاً في بروتوكول كيوتو. وقد دخل البروتوكول حيِّز النفاذ في 16 فبراير/ شباط 2005. ومنذ ذلك الحين، واصلت الأطراف في البروتوكول المفاوضات وعدلت البروتوكول لتحقيق نتائج أكثر طموحاً بحلول العام 2030.
وينص برنامج قمة المناخ التي تعقد مرة كل سنتين والتي ستعالج أيضاً مسائل الهجرة والتطرف، على عقد جلسة تخصص في الواقع لمسألة المناخ، على أن يصدر المشاركون في نهايتها بياناً مشتركاً.
العدد 4832 - الأحد 29 نوفمبر 2015م الموافق 16 صفر 1437هـ