نفى الأكاديمي المختص في القصة القصيرة يوسف حطيني أننا نعيش في عصر أو زمن الرواية، مشيراً إلى أننا "نعيش عصر الفن الراقي الذي يثبت جدارته الفنية" لافتاً إلى أنه "لا داعي للعمل تحت بند الجملة التقليدية التي تقول بأن المعاني مطروحة في الطرقات، وغيرها من الأفكار في الحوار الدائر بين ذلك القاص المحبط وبين صديقه، بما يؤشر إلى أن الإبداع والفن الراقي يتطلبان اختراق المألوف، من خلال أسئلة وأفكار عديدة، تعكس عمقاً في التفكير".
وأشار حطيني بأن "معرفة ما يمكن تسميته بالعناصر المتعلقة بالقصة، ليست من أجل الالتزام بها بل من أجل اختراقها، وبالتالي يستوعب الفن الراقي الخالد هذا العصر مثل كل عصر". ولفت إلى أنه لا علاقة للإبداع بالمؤسسات، فالمبدع يأتي من خارج المؤسسة، والإبداع تقنية فردية وليست مؤسسية.
جاء ذلك في ورقة قدمها حطيني في ندوة بعنوان "واقع واقع القصيرة" أقيمت ضمن فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب الرابع والثلاثين، شارك فيها مختصون وأكاديميون طرحوا تساؤلات عدة عن ماهية القصة القصيرة، وهل تقلص وجودها، ومدى تطورها وجماهيريتها، وهل نحن نعيش اليوم في زمن الرواية فقط، وغيرها من الأسئلة، شارك فيها إلى جانب يوسف حطيني، كل من صبري مسلم، والأديب الباكستاني عامر حسين، والأديب الهندي ماهيش راو.
من جانبه، تحدث صبري مسلم، عن جذور القصة القصيرة، حيث نجد تلك الجذور في الحكاية الشعبية، وهي موغلة في القدم، وعرج على ملحمة جلجامش، لافتاً إلى عنصر السرد وأهميته، فهو ليس ترفاً بل بنية ذهنية ونفسية، لأنها متصلة بغريزة مهمة هي غريزة حب الاستطلاع.
وقال "كل الحكايات اليوم تعود إلى التاريخ المليء بها، إلى الجذر البعيد، وكل التكنولوجيا اليوم كانت حاضرة كفكرة وخيال في تلك الحكايات الشعبية القديمة، لافتاً إلى أن القاص المعاصر أدرك أن هذه الحكاية الشعبية الضاربة في القدم، هي رصيده، وهي التي تنقذ أعماله من الرتابة، وهذه المحلية في الحكايات يمكن أن توصله إلى العالمية، مشيراً إلى أن الحكاية الشعبية تضفي أجواء متنوعة للقصة المعاصرة."
أما الأديب الهندي، ماهيش راو فقال "هناك نوع من القلق على القصة فيما يبدو، وغالباً ما نسمع عن معاناة للقصة والرواية أيضاً، لافتاً إلى أن الأديب عموماً يجب أن يملتك المقدرة على الوصول إلى قلب القارئ، كما يجب حماية القصة والدفاع عنها، فلكل قصة خصوصيتها.
وتحدث عن معوقات القصة وكيفية التغلب عليها، وبأنه يجب أن تحظى القصة بالاهتمام الكبير، لأنها تستحق ذلك كلون أدبي مميز، كما أنها حاضرة رغم كل الصعوبات أو العقبات، وهذا دليل على أنها قوية ومميزة، ولا زالت مقاومة.
وبدروه، قال الكاتب الباكستاني، عامر حسينك "عندما تنتمي إلى ثقافتين فإن سؤال القصة القصيرة يحمل الكثير من الإشكال. ولفت إلى أن البعض لا يعتبر القصة القصيرة قصة أساساً، ولا رواية بالتأكيد، وبأنها لا تحظى بتلك الشعبية التي تحظى بها الرواية، وبأنك ما إن تعرف بأن الكتاب الذي بين يديك هو قصة قصيرة لا تفتح صفحات الكتاب لتعرف ما بها، وهناك من يقول إنها لم تعد قصة قصيرة أصلاً، وتتباين وجهات النظر حول حجمها وظروفها واشتراطاتها وسياقها، ومن كم سطر أو كلمة تتألف، وغيرها من التساؤلات، لكن هذا لا ينفي أنها قادرة على الاستمرار والبقاء. ولفت إلى أننا جميعاً كنا نستمع إلى هذه القصص في عمر مبكر، ونتوق أن نرى هذه القصة المحكية الشفهية في إطار كتاب".
وأوضح أن القصص الشعبية متشابهة في مختلف الثقافات والحضارات، خصوصاً القصص الكبرى والأساسية، وفي كل ثقافة هناك إضافة أو خصوصية لهذه القصة أو تلك، وعموماً هذه القصص تمنحنا طرقاً جديدة لإعادة تفعيل الأشياء واستبصارها، وفي عمق كل قصة نجد مثل هذا الإحساس، فهي قصص متشابهة تتم روايتها بطرق مختلفة، والقصة ليس لها إلا أن تستمر وتعيش مهما كانت الصعاب.