تناولنا في مقالات حلقات الجزء الأول إلقاء الضوء بشكل مجمل بشأن تطور التنمية الإدارية منذ مطلع القرن الماضي في الدولة، ثم انتقلنا في حلقات الجزء الثاني لاستعراض بشكل مفصل دور ديوان الخدمة المدنية كجهة مركزية في تطوير السياسات والنظم والإجراءات الخاصة بالموارد البشرية في الحكومة والرقابة على تنفيذها والتي بدأت منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، ثم انتقلنا في حلقات الجزء الثاني لتطور نظم وإجراءات الهيكل المالي في حكومة مملكة البحرين، وسنلقي الضوء في حلقات هذا الجزء على تطور هيكل نظم التعليم في مملكة البحرين، حيث بدأت بواكير النظام التعليمي في البحرين في العام 1899 عندما افتتحت الإرسالية الأميركية أول مدرسة نظامية للبنات في المنامة، وتلتها مدرسة للبنين في 1902، مما زاد ذلك من عدد المتعلمين والمثقفين دينياً آنذاك. وفي العام 1919 شهدت البحرين تأسيس أول مدرسة ابتدائية نظامية قائمة على أسس التعليم الحديث وهي مدرسة «الهداية الخليفية» بالمحرق، وفي بداية العشرينات من القرن الماضي وبالتحديد في العام 1921 افتتحت مدرسة ابتدائية أخرى للبنين بمدينة المنامة أطلق عليها أيضاً اسم «الهداية الخليفية»، وفي 1927 تم تأسيس مدرستين أخريين للبنين الأولى في منطقة الحد والثانية بمنطقة الرفاع الشرقي حملتا الاسم ذاته «الهداية الخليفية».
وقد أدى اهتمام الحكومة بالتعليم إلى الإسراع في تأسيس المدارس وانتشارها في البلاد، وتشجيع الأهالي للمساهمة فيها، فأسست في منطقة الخميس من العام نفسه مدرسة، وكانت تضم طلاباً من جميع قرى البحرين، وكانت هذه المدرسة في بدايتها عبارة عن غرفتين للدراسة تفصل بينهما غرفة للإدارة، وبلغ عدد طلابها حينذاك 16 طالباً، وبعد عام من تأسيسها، في العام 1928 افتتحت مدرسة أخرى بمنطقة المنامة، وكان التعليم بالبحرين في مطلع القرن العشرين مقصوراً على الكتاتيب فقط وهي معاهد تعليمية تقليدية هدفها الأساسي تعليم قراءة القرآن للناشئة، وقد كان الكثيرون يشعرون بأن هذا النوع من التعليم لا يحقق كفاية علمية تناسب روح العصر، إلا أنه بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تغيرت الأمور وأدى انفتاح البحرين بصورة أوسع على معطيات النهضة الغربية الحديثة إلى إحداث تغييرات سياسية واجتماعية كبيرة في البلاد نتج عن ذلك انبثاق الوعي الثقافي والاجتماعي بين أفراد مجتمع البحرين، وبحكم ذلك ظهرت الحاجة إلى إنشاء معاهد تعليمية حديثة تختلف عن الكتاتيب من حيث نظمها ومناهجها وأهدافها.
ولم تكن الفتاة في البحرين بمنأى عن التعليم، فقد سنحت لها فرصة التعليم النظامي بعد أن استشعر الأهالي بضرورة التعليم للبنات كضرورته للبنين، لذا افتتحت أول مدرسة نظامية للبنات في العام 1928م أطلق عليها مدرسة الهداية الخليفية للبنات، وكان عدد الطالبات اللاتي يدرسن بها 104 طالبات. بعدها تم افتتاح مدرسة «خديجة الكبرى» وكان إقبال المرأة على التعليم بشكل كبير وتلاشي فكرة معارضة تعليم المرأة، افتتحت في العام 1929 مدرسة أخرى للبنات في منطقة المنامة أطلق عليها اسم «مدرسة الهداية الخليفية في المنامة»، وزاد الإقبال على هاتين المدرستين من قبل الفتيات الراغبات في التعليم، وبدأت مرحلة جديدة لدخول المرأة في التعليم بالبلاد.
وقد بلغ عدد مدارس البنات في عقد الأربعينات من القرن العشرين خمس مدارس وهي مدرسة عائشة أم المؤمنين وكانت تضم 365 طالبة، مدرسة فاطمة الزهراء بالمنامة وتضم 223 طالبة، مدرسة خديجة الكبرى بالمحرق وكان عدد اللاتي يدرسن فيها 380 طالبة، مدرسة الحد وتضم 150 طالبة، بالإضافة إلى مدرسة الرفاع للبنات. وبدأ بعد ذلك الانتشار الواسع لافتتاح مدارس البنات، فبحلول العام 1956 بلغ عدد مدارس البنات 13 ضمت 4 آلاف طالبة و135 معلمة من ضمنهن 94 معلمة تلقين تعليمهن بمدارس البحرين، كما أنه في العام 1950 افتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات بالمنامة حيث بدأت في البداية بصف واحد فقط وكان عدد الطالبات اللاتي يدرسن فيها 11 طالبة. وقامت البحرين منذ الاستقلال العام 1971 بإقامة نظام تعليمي حديث يضم 188 مدرسة وجامعتين هما جامعة البحرين وجامعة الخليج العربي، وبفضل حملة تعليم القراءة التي استهدفت كبار السن، انخفضت نسبة من لا يجيدون القراءة والكتابة وأصبحت 5.12 في المئة العام 2000، وكانت منذ ذلك الوقت أدنى المستويات في العالم العربي.
وقد تزامن التوسع في التعليم وتنويع مساراته مع اكتشاف النفط في مطلع ثلاثينات القرن الماضي، معبراً عن احتياجات النمو الاقتصادي والاجتماعي آنذاك لإعداد الأيدي الوطنية الماهرة والكوادر المؤهلة في شتى الاختصاصات والمجالات، وتطور التعليم منذ ذلك الوقت وحتى عصرنا الحاضر ليتوسع كماً ويتطور كيفاً، مركزاً على جودة المخرجات وتحقيق التوافق بينها وبين احتياجات التنمية لتحقيق المزيد من النمو والازدهار لمملكة البحرين. وقد كان لبرامج محو الأمية وتعليم الكبار شأن مهم، حيث بدأت تلك البرامج في أواخر الثلاثينات عبر فتح فصول لمحو أمية النساء ابتداءً، ومن ثم بدأ التعليم ببرامج محو الأمية في أوساط الذكور عن طريق قيام شركة نفط البحرين (بابكو) بالتعاون مع إدارة التعليم بتشجيع موظفي الشركة على تعلم القراءة والكتابة. وفي العام الدراسي 1973 - 1974 تولت وزارة التربية والتعليم مسئولية محو الأمية وتعليم الكبار، حيث بدأ تعليم الكبار في العام 1953 - 1954 حين بدأ التدريب التقني الذي فُتحَ للجميع وتضمن منهجاً للدراسة التجارية يتضمن جوانب نظرية وأخرى عملية، وبعدها بدأ وضع البرامج الدراسية والتدريبية على مستويات عدة، مما ساهم في خفض نسبة الأمية بشكل كبير في البحرين.
إقرأ أيضا لـ "محمود التوبلاني"العدد 4831 - السبت 28 نوفمبر 2015م الموافق 15 صفر 1437هـ
احسنتم .. مجهود طيب
العلم نور