أكد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، أن العنف الأسري سلوك يخالف كل القيم والأعراف والأخلاق، وأنه بدأ ينهش في جسد كثير من الأسر، وظهرت مآسٍ أسرية تنبعث منها رائحة الألم والعذاب، وما خلف الستار لا يعلمه إلا الله عز وجل.
وأوضح القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، أن العنف الأسري هو أشهر أنواع العنف البشري انتشاراً في زمننا هذا، ورغم أننا لم نحصل بعد على دراسة دقيقة تبيّن لنا نسبة هذا العنف الأسري في مجتمعنا، إلا أن آثاراً له بدأت تظهر بشكل ملموس على السطح؛ ما ينبئ أن نسبته في ارتفاع، وتحتاج من كافة أطراف المجتمع التحرك بصفة سريعة وجدية، لوقف هذا النمو وإصلاح ما يمكن إصلاحه».
وقال: «انتشر في كثير من بيوتنا جفاء بين الأب وأبنائه، وبين الأم وأبنائها، وبين الزوج وزوجته، وأكثر المتضررين من هذا العنف للأسف الشديد الأطفال، فلماذا كل هذا وهم أحباب الله وفلذات الأكباد؟! ثم النساء في المرتبة الثانية، وهن أرق مخلوقات الله تبارك وتعالى».
وأشار إلى أن «بعض الرجال يلجأ إلى الشدة والعنف، ظنًّا منهم أنهم بذلك يحكمون السيطرة ويسيّرون أمور بيوتهم وحياتهم بالطريقة المثلى، التي من شأنها أن تنشئ جيلاً مهذباً ومثقفًاً، والحصول على زوجة مطيعة تحفظ البيت والأولاد، لكن هذا السلوك الخاطئ ليس من شأنه إلا أن يهدم بيوتًاً ويشرد نساءً وأطفالاً، كما أنه يتسبب في انتشار الكثير من الحالات النفسية، والاضطرابات السلوكية، لدى النساء والبنات والأطفال الذين يعيشون في وسط ينتشر فيه العنف والقسوة وتسيِّر حياته العصا».
وأضاف «إن كان العنف يطال النساء من الزوجات، ويطال البنات والأولاد من المراهقين والمراهقات، فإنه يطال الأطفال أيضًا، ويعاملون به في بعض البيوت التي لا تملك درجة عالية من الوعي والفهم الصحيح لأسلوب التعامل مع الأطفال والصغار، فبعض الآباء يرتكب حماقة مع الأطفال فيرتكب ألواناً من العقاب غريبة وعجيبة تفضي إلى حوادث مؤلمة دون مراعاة واعتبار لرقة الطفولة وبراءتها».
ورأى أن «للعنف الأسري الموجه ضد النساء والبنات والأطفال أثره الكبير على الحياة الاجتماعية، فالأطفال من كلا الجنسين نتيجة السلوك العنيف الموجه ضدهم تنتابهم الانطوائية أو العدوانية، وفي حال الانطوائية يصبح الطفل بعد بلوغه وزواجه ضعيف الشخصية أمام زوجته وأولاده، وكذلك الأم التي تتعرض للعنف تصاب بالشيء ذاته، فالذين تعرضوا له في الصغر أثر عليهم سلباً في الكبر، حيث دمّر شخصياتهم وجعلها مستكينة مهضوماً حقها وغير قادرة على إدارة شئونها... أما العدوانية فينتج عنها أشخاص ذوو طبيعة حادة تميل للعنف والحصول على مرادها بالقوة، حتى لو كان في ذلك ضير على الجميع».
ولفت إلى أن «الأطفال الواقعين تحت وطأة العنف قد ينفسون عما يعانون منه بسلوكيات عدوانية ضد مدرسيهم وزملائهم، وقد يكونون خطرين في بعض الأحيان... أما عن المرأة والزوجة فهي نتيجة العنف والقسوة سواء داخل أسرتها قبل الزواج أو خارج أسرتها بعد الزواج، فهي تسعى في معظم الحالات لتحمل ما لا يطاق، إما خوفًاً على نفسها من الأذى أو على عائلتها وأطفالها، ولهذا تأثيره الكبير عليها من الناحية النفسية والجسدية، فقد تصاب بأمراض عضوية مختلفة جراء الضغوط النفسية التي ترزح تحتها، ناهيك عن الأذى البدني الذي يلحق بها».
واعتبر القطان أن «ظاهرة القسوة والعنف من أكثر المظاهر خطراً على الأسرة والفرد والمجتمع، تؤدي إلى اهتزاز الشخصية وخصوصاً عند الأطفال، بل وينشأ عندهم أساليب خطيرة في العلاقات والسلوك، فالطفل الذي يتعرض للضرب المبرح والشتم والسب ينشأ معقداً نفسياً وذا عدوانية بغيضة، بل ويبدأ عنده الكره للوالدين، فيصبح عاقًّاً لوالديه».
وأفاد بأن «الدراسات على مستوى العالم الغربي والعربي أثبتت أن أبرز المسببات للعنف الأسري وأكثرها انتشاراً هو تعاطي الخمور والمخدرات، يأتي بعده في الترتيب الأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو كليهما، ثم اضطراب العلاقة بين الزوجين لأي سبب آخر غير المذكورين أعلاه، ثم قلة الوعي داخل الأسر والمجتمعات».
وأردف قائلاً «إن الرسائل التي تصل إلى مسامعكم، وهذه القصص وغيرها كثير لا يتسع المقام لذكرها، تجعلنا نعيد النظر في المعاملة مع الأطفال والنساء والبنات، نعاملهم معاملة عطف ورحمة وحنان وشفقة، بل الواجب أن يلتفت كل واحد منا إلى أسلوب معاملته في بيته لزوجته وأطفاله وأولاده وبناته؛ ليعلم كيف يأسرهم بحبه لا بسوطه وغضبه، وليعلم كيف يحضنهم بقلبه لا أن يحضنهم بالعصا والسوط والمعاملة القاسية، فإن ظاهرة العنف -عباد الله- أصبحت ظاهره خطيرة، ففي كثير من البيوت لا يعرفون كيف يعاملون الأطفال، ولا كيف يعاملون النساء، ولا كيف يعاملون البنات، ولا كيف يعاملون الخدم والعمال، ولا يعني هذا الكلام أننا ننهى عن الأدب والعقاب، ولكن بأسلوب تربوي على نهج سيدنا محمد (ص)».
ونوّه إلى أن «بعض المربين وربما من المعلمين أو من الآباء والأمهات والأولياء، يغفلون أو لا يعلمون خطأ العبارات القاسية المشحونة بألفاظ التحقير، وأوصاف الإهانة، ويظنون أن الطفل أو الولد أو البنت أو المرأة لا يتأثرون بها، بل يجهلون أنها تعكس في شخصيتهم سلوكاً وتصرفًا في المستقبل القريب، بل إن أثر هذه العبارات الجارحة يفوق أثر الإيلام الجسدي».
وبيّن أنه «حينما تجرح زوجتك أو بنتك أو ولدك أو أختك، بكلام سيئ بذيء، فإن هذا من العنف الأسري، والمسلم الحقيقي ليس بالسباب ولا بالطعان ولا اللعان ولا بالفاحش البذيء، وربما هذه العبارات أنتجت سلوكاً معادياً وكراهية للمربي».
وعن الحلول الناجعة لعلاج ظاهرة العنف والقسوة والغلظة، رأى أنها تتمثل في «الوعظ والإرشاد الديني من قبل العلماء والخطباء والمثقفين والمختصين لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري؛ إذ إن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري، إلى جانب تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون إلى الأسر التي ينتشر فيها العنف والشدة والقسوة».
وأكد «وجوب تدخل الدولة والمحاكم في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى بالأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري».
وشدد إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي على ضرورة «إيجاد صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة، وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر».
العدد 4830 - الجمعة 27 نوفمبر 2015م الموافق 14 صفر 1437هـ
عنف يمارس ولا جرأة علي أدانت
يوجد عنف غير الاسري حبذا لو تديننه.