العدد 4830 - الجمعة 27 نوفمبر 2015م الموافق 14 صفر 1437هـ

رسائل الفيلسوفة آيريس مردوخ إلى فيليبا فوت للفترة ما بين 1934 و 1995

آيريس مردوخ
آيريس مردوخ

أميط اللثام عن رسائل أستاذة الفلسفة في كلية القديسة آن بجامعة أكسفورد، منذ نهاية أربعينات القرن الماضي، الروائية والفيلسوفة البريطانية آيريس مردوخ، تلك التي كتبتها إلى صديقاتها وأصدقائها، وخصوصاً للفيلسوفة فيليبا فوت في مايو/ أيار 1968. الرسائل التي وصل عددها إلى 760 رسالة؛ تشكِّل إلى حد كبير أكثر من 3000 صفحة يُحتفظ بها في مركز آيريس مردوخ للدراسات في جامعة كينغستون. هنالك رسائل أيضاً كتبتها لصديقتها المقرَّبة، الروائية بريجيد بروفي.

بالعودة إلى صديقتها فوت التي امتدت العلاقة بينهما إلى خمسين عاماً، بدءاً من زمالة الدراسة في أكسفورد، وصولاً إلى فترة الستينات، تخلَّلها فراق لبعض الوقت، بعد أن ساءت العلاقة بينهما. من بين الرسائل تلك واحدة تعرض فيها مردوخ المصالحة، وتحديداً في العام 1959؛ حيث كتبت: «خسارتك بالطريقة التي حصلت، هي واحدة من أسوأ الأمور التي حدثت لي. آمل أن نتمكَّن من استعادة ألقَها (...)».

ومع العام 1968، كتبت ضمن ما كتبته إلى فوت «كوني صبورة معي ولا تغضبي مني. أحبك كثيراً».

من جهتها أوضحت مديرة مركز آيريس مردوخ للدراسات في جامعة كينغستون، آن رو، لصحيفة «الغارديان»، جانباً مما تحمله تلك الرسائل، بتقديمها لرؤية نادرة عن حياتها وأفكارها الخاصة».

جوناثان غيبس، ومراجعة في صحيفة «الإندبندنت»، نشرت يوم الخميس (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، لكتاب تم تحريره من قبل كل من: أفريل هورنر وآن رو، وحمل عنوان «الذين يعيشون على الورق: رسائل من آيريس مردوخ 1934-1995»، لم تأتِ بكثير عن فحوى تلك الرسائل، إلا لُماماً، تنشرها «الوسط»، مع لمحة عن طبيعة وموضوعات تلك الرسائل.

تحليل الشخصية البريطانية

قد تكون النوايا من وراء نشر رسائل كاتب ما كثيرة ومختلفة، ولكن هناك نتيجة واحدة لهذا الكتاب. الآن، عندما نفكِّر في الكاتبة الروائية والفيلسوفة البريطانية آيريس مردوخ، قد نصل إلى درجة أننا لا نرى جودي دنش. كانت دنش، التي تُعدُّ - بالمناسبة - واحدة من أهم الفنانين المسرحيين البريطانيين، والتي لعبت دور مردوخ المسنَّة في فيلم ريتشارد آير العام 2001.

فيلم آيريس، استند إلى مذكرات زوجها جون بايلي، والتي نشرها في العام 1998، عندما كانت تُعاني من مرض الزهايمر. الكتاب والفيلم كانا عامليْن عزَّزا الاعتراف بمردوخ، ولكن لم يساعدا حقاً في تعزيز سمعتها كروائية؛ وبالأحرى، لم يساعد في تقديم الموضوع المأسوي الذي عانت منه.

لم أرَ فيلم آير، كما لم أقرأ سلسلة مذكرات بايلي الثلاث (الاستخفاف من قبل عديد من الأصدقاء والكتَّاب على حد سواء)، لذلك، تأتَّت فكرتي عن مردوخ إلى حد كبير من خلال قراءتي لرواياتها، بكل ما تمتلكه من أسلوب مذهل وبارع، وكذلك ما يبدو تثاقلاً متنوِّعاً في بعض الأحيان. في «الرأس المقطوع» و «الفتاة الإيطالية»، حلَّلت نفسياً الشخصية البريطانية التي تكون تحت تأثير المجتمع المتساهل، وفي روايتها التي فازت بجائزة البوكر في العام 1978 «البحر... البحر»، كانت موغلة في الغرابة ربما عشرات المرات، ببطلها (شارل)، مدير مسرح معروف، يختار العزلة باتجاه شاطئ، عاقداً العزم على التأمُّل في ذاته، وجدوى وجوده في هذا العالم. في الاصطراع الذي يُتيحه الندم على حياة عاشها كانت تضجُّ بالأنانية، وهناك في عزلة المكان وخصوصية الوقت، يبدأ كتابة يومياته. تأخذنا تداعيات الرواية إلى تبرُّمه من عزلته تلك... لتحتل صديقته القديمة جانباً من مشاهد الرواية، وتنتقم منه لخيانته لها مع امرأة أخرى.

كاتبة رسائل لا تكلُّ

«أنا كاتبة رسائل لا تكلُّ ولا تمل»، ذلك ما كتبته مردوخ إلى صديقتها الفيلسوفة فيليبا فوت في مايو/ أيار 1968. وقالت: «تهيَّأت للانسجام واقعاً مرة واحدة فقط، مع أي شخص (غادرت الآن حياتي) ذلك الشخص كان جيداً في كتابة الرسائل كما هو الحال بالنسبة لي». حسناً، أرجو أن تتغيَّر. ألاَّ تعرف الكلل والملل ليست هي المسألة، مع هذه الرسائل التي وصل عددها إلى 760 رسالة؛ تكوَّنت إلى حد كبير من أكثر من 3000 صفحة يُحتفظ بها في مركز آيريس مردوخ للدراسات في جامعة كينغستون (ربما تكون هناك رسائل كثيرة في مكان آخر). وكتبت لصديقتها المقرَّبة، الروائية بريجيد بروفي «معظم الأيام» ولسنوات عديدة وجَّهت مردوخ أكثر من ألف من تلك الرسائل في كينغستون إلى بروفي.

لا تعرف الكلل والملل، نعم. ولكن هل ذلك أمر حسَن؟ لم تكُ مردوخ تكتب للأجيال القادمة. كانت تكتب لصديقاتها، أو بالأحرى، كانت الكتابة وسيلة للحفاظ على صداقاتها، سواء كانت فكرية، عاطفية أو الاثنين معاً، وليس هناك حرج في ذلك. العلاقات التي نعمِّق روابطها تكون «أفضل» بتلك الرسائل (بمعنى تلك التي نشرت)، الأداء، البصيرة الشخصية، والتفاصيل التاريخية، غائبة إلى حدٍّ كبير. حين تنتقل إلى القائمة وتنتقي روايات مردوخ المفضَّلة لديك، ستجد أكثر المفردات توجِّهك وتأخذ بك إلى الحواشي، أو إلى ملخصات السيرة الذاتية الممتازة التي قام بها المحرران: أفريل هورنر وآن رو، بالتمهيد التي يمكن الوقوف عليه في كل فصل.

في أحسن الأحوال، تظل الخطابات تلك تُعزِّز من صفات مردوخ كشخصية، ولكن بعد ذلك ستجد أنها لم تكن الشخصية التي كانت مثار اهتمام. كانت أكثر إثارة للاهتمام في كونها كاتبة.

ضوء

يُذكر أن آيريس مردوخ، ولدت في دبلن في 15 يوليو/ تموز 1919، ونشأت في لندن. تلقت تعليمها الأوَّلي في مدرسة بادمنتون في بريستول ثم درست الكلاسيكيات في كلية سومرفيل بأكسفورد في الفترة ما بين 1938 و 1942، لتحصل على مرتبة الشرف الأولى. بعد تنقلها في مواقع ومناصب عديدة، استقرت أخيراً في نهاية أربعينات القرن الماضي أستاذة للفلسفة في كلية القديسة آن في أكسفورد.

نشرت كتابها الأول «سارتر: العقلاني الرومانتيكي» العام 1953، ثم ألحقته بروايتها الأولى «تحت الشبكة»، التي اختيرت في العام 1998 كواحدة من أفضل مئة رواية إنجليزية في القرن العشرين، كما صنَّفتها مجلة «التايمز» في المرتبة الثانية عشرة من قائمة تضم خمسين من أعظم الكاتبات البريطانيات منذ العام 1945.

من بين رواياتها: «قلعة الرمال» (1957)، «الناقوس» (1958)، «الهزيمة المشرفة»، (1970)، «البحر... البحر» (1978)، وفازت بجائزة البوكر في العام 1978، «تلميذ الفيلسوف» (1983)، «الكتاب والأخوَّة» (1985)، و «رسالة إلى الكوكب» (1989).

كتبت مردوخ في النقد الأدبي أيضاً، ومن أشهرها مقالتها «ضد الجفاف» (1961)، وفي الشعر صدرت لها «سنة الطيور» في العام 1978، إلى جانب إعدادها سيناريوهين لاثنين من الأفلام الثلاثة التي أخذت عن رواياتها. وفي مجال تخصصها الفلسفي، لها «سيادة الحسن» (1970)، «النار والشمس» (1977)، و «حواران أفلاطونيان» في العام 1986.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً