العدد 4830 - الجمعة 27 نوفمبر 2015م الموافق 14 صفر 1437هـ

فهد حسين: نحتاج إلى عمل نقدي تنظيري... ولا أحد يحتضن المبدع في البحرين

عبر ورقة قدمها في منتدى «الوسط» حول هموم وإشكالات الكتابة النقدية

فهد حسين - تصوير عقيل الفردان
فهد حسين - تصوير عقيل الفردان

 

قال الناقد فهد حسين إننا بحاجة إلى «عمل نقدي تنظيري ينطلق من الاشتغال على نصوص ومفاهيم وحالات وأفكار»، مشيراً إلى أن النقاد يعتمدون «عادة على الكتب الغربية، والكتب التي تصدر في المغرب العربي أكثر وبعض الكتب التي تصدر في المشرق» متمنياً أن «تبرز حالة في البحرين تكون عتبات أولى في العمل النقدي التنظيري وليس التطبيقي فقط».

جاء ذلك عبر ورقة بعنوان «أي ناقد نريد وأي نقد نحن بحاجة إليه»، قدمها فهد حسين في منتدى ثقافي نظمته صحيفة «الوسط» حول «الحركة النقدية في البحرين: إشكالات وهموم». وفيما يلي نص الورقة التي قدمها حسين:

أنا لست موثقاً لحركة نقدية في البحرين، إنما أقوم بالاشتغال على النصوص الإبداعية (الروائية والقصصية نقدياً)، وأبدأ من حيث طرح الأخ الصديق حسين السماهيجي حينما أشار لكثير من الكتب التي كتبت نقداً أو توثيقاً أو تحقيقاً حول المشهد الشعري في البحرين، فما أشار إليه السماهيجي هو ما كتب عن نصوص لشعراء فات زمن طويل عليها، بينما نحن بحاجة كبيرة جداً إلى دراسات نقدية حديثة لما لدينا من شعر حديث، لهذا كيف أدرس جعفر الخطي بينما لدينا شعراء معاصرون سواء من بدأ في السبعينيات أو من بدأ في الألفية الثالثة، أي هل هناك دراسات بحثية أو أكاديمية عنهم، وهنا أتصور أننا نعاني من إشكالية ينبغي لمن يشتغل في النقد أن يقف عندها.

أما بالنسبة إلى شهادتي حول المشهد الروائي أو السردي في البحرين، حينما قلت «إن المشهد الثقافي مريض» قلت هذه الجملة في العام 2012م ونحن نعلم ما جرى في البحرين العام 2011م وتمزّق المجتمع بأكمله، ولكي تحافظ الناس على القراءة برزت مجموعات وفئات منفردة لتقرأ كتباً وتناقشها لوحدها، لذلك أرى أن المشهد لايزال في تشظٍّ، ومن هذا المنطلق قلت عن المشهد الثقافي إنه مريض، أما من الناحية النقدية فالبحرين فيها من يقرؤون على اختلاف مجالاتهم ووعيهم وتخصصاتهم، وهم كثر على المستويات المختلفة الشعري والسردي والمسرحي والسينمائي، عندنا في البحرين مبدعون كثر، إلا أنه من يحتضن هؤلاء المبدعين لا أحد، لا صحافة تحتضن المبدع، ولا مؤسسات أهلية، ولا مؤسسات رسمية إلا ما نذر، فالمبدع يحتاج إلى حرية مسئولة تسمح له بالكتابة والحركة والانتقال والسفر وغيرها، وإلى إمكانيات ليبدع، وفي الوقت نفسه لابد أن يكون موهوباً وقادراً على صنع قدراته، وتطوير مهاراته، فالموهبة وحدها لا تفي بالمنجز في عصرنا هذا، وكما لمبدع النص الإبداعي، فالناقد بحاجة أيضاً لما للمبدع.

مما لاشك فيه أن المعادلة الطبيعية مكونة من ثلاثة عناصر، هي المبدع كاتب النص، النص الإبداعي أياً كان نوعه أو شكله أو حالته، والمتلقي، الذي يتلقى النص، وهذا ما يعنينا الآن في هذه المداخلة، حيث المتلقي وهم القراء، وهنا ينقسم إلى أقسام عدة، قسم ممن يتلقى النص هو قارئ عادي يقرأ النص وكفى من دون حتى مناقشته، فقط رغبته في القراءة، وهناك قسم يتلقى النص بقراءة تتمثل من خلال ثقافته ومناقشته بين الحين والآخر حينما تتيح الفرصة لذلك، وهناك قسم يتلقى النص في إطار وعيه الثقافي والأدبي والنقدي، وهذا أيضاً ينقسم إلى أقسام، هناك من يقرأ النص ويكتب عنه وآخر يقرأ النص لدراسته.

وفي البحرين هناك من يكتب قراءة على النصوص وهي قد تكون قراءة انطباعية، وآخر يكتب تحليلاً ونقداً مبنياً على معرفة أدبية ونقدية، فهل المطلوب هو النقد الانطباعي والصحفي الذي ربما يؤثر على طبيعة النص وكاتبة سلباً؟ أم النقد الذي يحلل ويفكك ويشير إلى بواطن هنا وهناك في النص بناء على دراية علمية ومنهجية بالنص والإبداع والنقد؟ أتصور نحن بحاجة إلى الثاني أكثر بكثير من الأول، وهذا يأخذنا إلى المعني بقراءة النص نقدياً وهم المهتمون بقراءة النصوص الإبداعية من منظور ثقافي ونقدي وأدبي، وهناك الأكاديميون الذين يحملون المؤهلات العلمية التي تؤهلهم لهذا الجانب.

النقد في البحرين ينقسم إلى أكثر من جانب، هناك نقد أكاديمي وهو قليل جداً في الدراسات البحرينية، وأعني من يتناول النص البحريني السردي، ولا أدري لماذا كثير من طلبة الدراسات العليا يتجهون إلى دراسات أخرى غير بحرينية، أو يقوم بدراسة تطبيقية على شعراء أو على أدباء ومبدعين عرب أكثر من التركيز على المنجز الإبداعي البحريني، لا أعرف هل المنجز البحريني ضعيف، هل المنجز البحريني لا يستحق البحث والدراسة، هل المنجز البحريني فيه إشكالية لا يستطيع الناقد أن يفككها، بمعنى آخر لدينا مبدعون بحرينيون كتبت عنهم دراسات أكاديمية من خارج البلد.

من هنا يأتي السؤال، من يكتب النقد في البحرين؟ ومن هم النقاد؟ وما هو النص الذي تسلط عليه القراءة والنقد؟ في البحرين تاريخ لنقد النصوص السردية من خلال الصحافة، ومثل الحراك النقدي الدكتور إبراهيم غلوم سواء في الصحافة أم في دراساته الأكاديمية والبحثية، إضافة إلى بعض المبدعين الذين يكتبون في النقد، كالمرحوم عبدالله خليفة، ومحمد عبدالملك، أما في الشعر فقد برز الدكتور علوي الهاشمي ومنجزه النقدي وتلك الكتب التي أصدرها في مجال الشعر عامة، فضلاً عن تجربة جعفر حسن التي زاوجت بين الكتابة النقدية في الشعر والسرد وأدب الطفل، وكذلك عبدالله جناحي من خلال بعض الأوراق والكتابات في الصحافة المحلية.

وهناك نقد بحسب تلقي النص وتوجد قراءات في الصحافة تشعرك أن من كتبها يمتلك موهبة نقدية أو اطلاع نقدي، وهناك قراءة انطباعية وهذه إشكالية كبيرة تؤثر على النص الإبداعي، فحينما يكتب فلان ما مقالة عن عمل إبداعي، ولكن الكتابة تشعرك يقيناً أنها مقالة انطباعية، ألا يسيء هذا للنص أكثر من أنه يؤصل لشكل نقدي أو حالة ثقافية؟. في ذات الوقت نحن أمام إشكاليات كثيرة حول النص نفسه، حينما أشتغل بالنقد أحتاج إلى نص يمتلك المقومات التي تحفزك على الكتابة والاتصال به، وهذا لا يعني أن جميع النصوص الموجودة في البحرين هي بمستوى عالٍ، أو مستوى منخفض. هناك نصوص تحترمها وتقدّر المنجز الإبداعي فيها، وهناك نصوص تحتاج إلى إعادة نظر وإلى مواجهة، وتحتاج إلى أن تقف مع هذا الكاتب وتقول له أنت بحاجة ضرورية لتعيد النظر فيما تكتب. والدليل على هذا ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية مما يطلقون عليه قصة قصيرة جداً، أو قصيدة نثر، وحينما تقرأ لا تعرف هل هي قصة، هل هي خاطرة؟ هل هي جملة شعرية، كما أن الشعر جعل الكثير من القراء في رغبة بالكتابة الشعرية، أي الكل يريد أن يكون شاعراً، وحينما يكتب فلا يتقن الكتابة الشعرية، فيهرب من كل ذلك ليقول إن هذه كتابة نثرية، وهي إشكالية في الثقافة العربية وليس البحرين فحسب.

ومع تسعينيات القرن الماضي وإلى الآن برزت بعض الأقلام النقدية الأكاديمية وغير الأكاديمية، كالمرحوم محمد البنكي، والدكتور نادر كاظم الذي اتجه إلى النقد الثقافي، ومع الدكتور علي الديري، والدكتورة ضياء الكعبي المنشغلة بالجانب الثقافي عبر السرد والرواية، وكذلك جعفر حسن وكريم رضي وحبيب حيدر وزكريا الذين يراوحون بين الكتابة النقدية في السرد والكتابة النقدية في الشعر والمسرح. وبرز عبدالإله رضي بانشغاله النقدي في مجال السرديات أيضاً. في الآونة الأخيرة حضرت إلى المشهد الثقافي كل من الدكتورة أنيسة السعدون والدكتورة انتصار البناء عبر الدراسات الأكاديمية، بالإضافة إلى مي السادة، لكن لنقف قليلاً عند النقاد أنفسهم، حيث هناك مشروعات نقدية أتصور موجودة في البحرين كمشروع الدكتور إبراهيم غلوم، والدكتورة ضياء الكعبي في مجال السرد، بل نحن بحاجة إلى مشروعات وليس مشروعين فهل من قام بالدراسات الأكاديمية يقوم على تأسيس مشروع نقدي له؟ أم هي شهادة أخذت من أجل الوظيفة؟ ومع هذا تظهر بين الحين والآخر أقلام في الصحافة تكتب نقداً لبعض الأعمال الإبداعية وقياس هذه الكتابات متوقفة على متلقيها. وفي ذات الصدد نحن حقيقة لا نتعلم من الأجيال التي سبقتنا، لا نقرأ لها لا نتواصل معها لا نحاول أن نعرض نصوصنا، ومن سبقنا له تجارب، نحن بحاجة إلى تواصل وإلى عمل مشترك، ولا ينبغي أن تترك هذه المهمة إلى المؤسسة الرسمية والمؤسسات الأهلية أو الأفراد فقط، فكلنا معنيون ومشاركون، وكلنا مسئولون عن الأزمة النقدية في البحرين.

أما النصوص التي تمارس عليها النقد فهي عادة المجموعات القصصية والروايات، وتبقى الذائقة والدربة وزاوية الالتقاط تجاه النصوص، لهذا نجد بعض النصوص فيها من الاستعجال نحو الكتابة والنشر، وهي بحاجة إلى مصارحة من قبل الناقد. هناك نصوص تستحق وتفرض عليك قراءتها والكتابة عنها لما فيها من جمالية ولغة وتقنيات، ووعي ثقافي بالمبنى والمتن الحكائيين، وغيرها من النصوص التي تفتقد إلى بعض هذه العناصر مما يعني أن كاتب النص بحاجة إلى الاطلاع والسؤال والتدريب، وهنا أشير إلى أننا في البحرين نفتقد إلى إقامة ورش العمل المعنية بالكتابة الإبداعية.

وحين تنظر إلى التجارب النقدية التي بدأت بالدكتور علوي الهاشمي، والدكتور إبراهيم غلوم، فهي مشروعات نقدية استطاعت أن تبرز الأدب البحريني محلياً وخارجياً عبر المؤسسات الأدبية والثقافية وعبر الصحافة والدوريات، ولكن في الوقت نفسه لا نطلب منهما أن يقدما نقداً حول تجارب الشباب، وهنا أشير إلى كلام ذكره الدكتور علوي الهاشمي في إحدى الجلسات الأدبية والثقافية، حينما سألته لماذا يا دكتور تناولت التجارب الشعرية بدراسات بحثية حتى العام 1986، ولا تكتب نقداً على نصوص جيل التسعينيات والألفية الثالثة؟ قال مباشرة، أنا أؤمن بأن كل مرحلة تصنع نقادها. وما قاله الهاشمي أعتقد أنه صحيح تماماً، فلا أطلب من كتاب الأجيال التي سبقتني أن تكتب عني بقدر ما على الجيل نفسه التفاعل فيما بينه أي بين كتاب النص الإبداعي وكتاب النص النقدي، لهذا نرى قلة العدد الذي يشتغل بالنقد.

وإذا كان الدكتور علوي الهاشمي قليل الإصدار علماً بأن لديه العديد من الكتب حول الحالة الأدبية في البحرين وغيرها، وكما أشار الدكتور حسين السماهيجي إلى منجز الهاشمي وكتابه عن موسيقى الشعر، فهل أُخذ كتاب الهاشمي بعين الاعتبار لدى الشعراء ليعرفوا كثيراً عن عالمهم الشعري؟ وكذلك الدكتور إبراهيم غلوم الذي لايزال متواصلاً بالمشهد السردي والمسرحي والثقافي، فهل نتعلم نحن جميعاً مما أنجزه، هنا تكمن المشكلة، فالمرض في القراءة التي نحن بحاجة إليها، وليس لهذه المجموعات المنفردة.

نأتي أيضاً إلى مسألة النقد في البحرين فمعظم دراسات النقد في البحرين هي نقد تطبيقي. نحن أيضاً بحاجة إلى نقد تنظيري، إذ لا يوجد لدينا نقد تنظيري، نحن لدينا اشتغال على النصوص في النقد الثقافي، واشتغال على النصوص في النقد الأدبي. نحن بحاجة إلى تنظير ينطلق من الاشتغال على نصوص وعلى مفاهيم وعلى حالات وعلى أفكار. نحن نعتمد عادة على الكتب الغربية، والكتب التي تصدر في المغرب العربي أكثر وبعض الكتب التي تصدر في المشرق، ولكن أتمنى أن تبرز حالة في البحرين تكون عتبات أولى في العمل النقدي التنظيري وليس التطبيقي فقط?





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً